03 يونيو 2025

كيف تنال أجر الحج دون أداء الفريضة؟ د. إسماعيل العيساوي يجيب

محررة في مجلة كل الأسرة

مجلة كل الأسرة

كيف ننال أجر الحج ونحن لم نحج إلى البيت الحرام؟ وهل هناك أعمال تعادل أجر الحج وثوابه دون زيارة بيت الله الحرام فعلياً؟ وما دور النية في نيل الأجر وبالأخص لمن حرم من أداء الحج لعذر شرعي؟

هذه الأسئلة تواكب موسم الحج، تلك الفريضة التي يتشوق المسلمون إلى أدائها كركن خامس من أركان الإسلام، والتي جعلها الله سبحانه وتعالى فرضاً على القادر المستطيع.

ومع وجود عوائق مادية وصحية أو تنظيمية تتعلق بتوفر المال أو حتى مشكلات صحية أو «القرعة» تحول دون أداء هذه الفريضة، تتبلور الأسئلة عن الأعمال التي ينال بها الإنسان أجر الحج دون أن يؤدي الحج فعلياً، وهل تُعوّض النية الصادقة ما حال دون تحقيقه في الواقع.. هذا ما يجيبنا عنه الدكتور إسماعيل كاظم العيساوي، أستاذ فقه مقارن، مستنداً إلى نصوص الشريعة والفهم الدقيق لمقاصد الدين.

يؤكد د. العيساوي أنّه «لا يخفى أن الحج ركن من أركان الإسلام، وقد أوجبه الله سبحانه وتعالى على كل من كان قادراً مستطيعاً استناداً إلى قوله تعالى: {ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً}، وقد بيّن العلماء أن الاستطاعة تشمل القدرة البدنية، والقدرة المالية للذهاب والإياب والنفقة على العيال، وأمن الطريق».

مجلة كل الأسرة

يوضح: «فهذه الفريضة لا تسقط عن الإنسان إذا كان قادراً عليها، إلا بأدائها. أما إذا وُجدت موانع حقيقية، كمرض مزمن، أو خطر حقيقي، فإن الحكم يختلف»، ويروي: «جاءت امرأة إلى النبي، صلى الله عليه وسلم، تسأله عن والدها الشيخ الكبير الذي لا يستطيع الثبات على الراحلة، فقالت: «يا رسول الله، إن أبي شيخ كبير، لا يستطيع الثبات على الراحلة، أفأحج عنه؟» فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: «حُجي عن أبيك واعتمري»، ما يدل على أن أداء الحج لا يسقط عن العاجز، ولكن يمكن أن يُؤدى عنه إذا كان غير قادر».

هل يمكن للإنسان أن يحصل على أجر الحج وهو لم يذهب إليه؟

يشرح د. العيساوي: «في هذا الصدد، يجب أن نُفصّل في الإجابة: إذا كان الحديث عن أجر الفريضة نفسها فلا يُنال إلا بأدائها فعلياً. الأصل أن يؤدي الإنسان الفريضة كون فريضة الحج لا يُعوّضها أي عمل آخر، ولا تُسقطها أي طاعة أخرى. ويُبيّن العلماء أن المعاصي تُقسم إلى كبائر وصغائر: الكبائر لا تكفّرها إلا التوبة النصوح. وقد ورد عن النبي، صلى الله عليه وسلم، أن «الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة»، وورد أيضاً أنّه «يرجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه»، فهذا هو الحج الذي يقضي على الذنوب. أما الصغائر، فقد تكفّرها بعض الأعمال الصالحة والتي يكون لها أجر كأجر الحج في هذا المجال».

ورغم أن فريضة الحج لا يُعوّضها شيء، فإن ثمة أعمالاً صالحة يثاب صاحبها كأجر الحج والعمرة، وبالأخص «أنّ الشريعة فتحت أبواباً واسعة للأجر والمغفرة، ووردت أحاديث صحيحة في أعمال يحصل صاحبها على أجر».

مجلة كل الأسرة

يورد د. العيساوي بعض هذه الأعمال، منها:

جاء في الحديث الصحيح: «من صلى الغداة في جماعة، ثم قعد يذكر الله حتى تطلع الشمس، ثم صلى ركعتين، كانت له كأجر حجة وعمرة، تامة، تامة، تامة». والمقصود بـ«الغداة»: صلاة الفجر، أما الركعتان بعد طلوع الشمس فهما ركعتا الإشراق أو سنّة الإشراق، وتعادل أجر حجة وعمرة تامة تامة. وهذا الحديث الصحيح يُظهر فضلاً عظيماً لمن التزم بهذا العمل، حتى لو لم يذهب للحج.

صلاة الفجر والذكر حتى الإشراق

الذكر بعد الصلوات

بعض الأعمال تمحو الذنوب، وثبت فضلها في الصحيحين، ومنها تسبيح الله مئة مرة، يقول رسول الله، صلى الله عليه وسلم: «من قال: سبحان الله وبحمده، في يوم مئة مرة، حُطّت خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر». ويقول صلى الله عليه وسلم: «من سبّح في دبر كل صلاة ثلاثاً وثلاثين، وحمد ثلاثاً وثلاثين، وكبّر ثلاثاً وثلاثين، ثم قال تمام المئة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، غُفرت خطاياه، وإن كانت مثل زبد البحر».

إذاً هناك أعمال يعادل أجرها أجر الحج والعمرة، كما يشير د. العيساوي، معيداً تأكيد أنّ «الحج ركن، وإذا كنت مستطيعاً وحصلت بعض الموانع كالعمر والقرعة، والإنسان تتوق نفسه لأداء هذا الركن الذي يعّد ركناً من أركان الإسلام، فإذا كان عنده شوق حقيقي لبيت الله الحرام، ثم حالت بينه وبين الحج موانع خارج إرادته فإنه مأجور على نيته».

مجلة كل الأسرة

فنية المسلم لا تضيع عند الله سبحانه وتعالى: «إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى». يتوقف د. العيساوي عند الأيام المباركة للعشر الأوائل من ذي الحجة، إذ فتح الله سبحانه وتعالى أبواب الفضل والطاعات، وقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: «ما من أيام، العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام». فقالوا: ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: «ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجل خرج بنفسه وماله، فلم يرجع من ذلك بشيء».

من هنا، يدعو د. العيساوي إلى اغتنام هذه الفرصة، وأن نذكر الله سبحانه وتعالى ونكثر ذكره في هذه الأيام بـ:

  • التهليل (لا إله إلا الله)
  • التكبير (الله أكبر)
  • التحميد (الحمد لله)
  • التسبيح (سبحان الله)
  • تحرّي أداء صلاة الفجر في وقتها.
  • المداومة على الطاعات.

ويختم بالقول: «فريضة الحج لا يُعوّضها شيء، ولكن باب الفضل واسع، ونية المؤمن لا تضيع، والفرص قائمة في كل يوم لتطهير النفس، ومحو الذنوب، ونيل الأجر العظيم، حتى لمن فاته الركن العظيم، ونسأل الله أن يتقبّل منّا، وأن يكتب لنا زيارة بيته الحرام، ويجعلنا من عباده المقبولين، ويوفق المؤمنين لأداء فريضة الحج».