25 مايو 2025

ما هو المباح والمحظور نقله مما يحدث في المجالس؟ د. أحمد عمر هاشم يجيب

محرر متعاون

مجلة كل الأسرة

يتورّط كثير من الناس في نقل ما يحدث في المجالس، ويترتب على ذلك مشكلات وأزمات كثيرة، وقد يضيف الناقل شيئاً من عنده يؤدي إلى ردود أفعال قاسية من جانب المنقول إليه.. وقد شهدت محافظة البحيرة المصرية جريمة مروّعة فقد فيها شاب حياته نتيجة نقل كلام له من صديق. وكشفت أجهزة التحقيق في الجريمة أن الكلام المنقول لم يكن دقيقاً، وأن ما قيل عن الجاني لم يكن يدينه بالطريقة التي نقل بها الكلام إليه.. فكيف ينظر الشرع الحنيف إلى نقل ما يحدث في المجالس بين الناس؟

آداب وأخلاقيات المجالس

يقول العالم الأزهري د.أحمد عمر هاشم، عالم السنّة النبوية وعضو هيئة كبار العلماء بالأزهر «الإسلام يضبط سلوك الإنسان في المجالس بضوابط مثالية، ويحيط المجالس، وما يحدث فيها من مناقشات وآراء وانطباعات، وما يتردد فيها من معلومات، بأخلاقيات راقية، تؤكد منهجية ديننا العظيم في تهذيب السلوك، والرقيّ في التعامل، واحترام حقوق الآخرين، والتحاور معهم بأدب، وسماع آرائهم باحترام، والخلاف معهم وفق الضوابط والقواعد الأخلاقية التي تعلّمناها من ديننا العظيم».

ويضيف «المسلم في أيّ مجلس من المجالس مطالب بأن يتخلّق بأخلاق دينه، فيلتزم أولاً بالذوق العام الذي ربّاه عليه الإسلام، فيحرص على خلق القصد في الحديث، وعفّة اللسان، واحترام آراء الآخرين، والاستماع إليهم، والاختلاف معهم بأدب، والمسلم الحق هو الذي يتحكم في لسانه، ويضبط ألفاظه، ولا يسيء إلى الآخرين بألفاظ جارحة، يقول صلى الله عليه وسلم: «لا يستقيم إيمان عبد حتى يستقيم قلبه، ولا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه».

ولذلك، يجب على الإنسان الذي تربّى على تعاليم الإسلام، وآدابه وأخلاقياته، أن يعوّد لسانه على الألفاظ الجميلة، والتعبير الحسن، والكلمة الرقيقة، لأن الكلمة الطيّبة تأسر القلوب، وهي أسرع بريد إلى القلوب، فكم من حروب، وفتن، ومصائب، حدثت بسبب كلمة منفلتة ألقاها صاحبها من دون أن يلقي لها بالاً، ولذلك حذّرنا الإسلام من الكلمات المنفلتة غير المسؤولة التي تجلب لصاحبها، وللآخرين، كثيراً من المصائب، وأمرنا الحق سبحانه وتعالى أن نقول للناس كل ما هو حسن وجميل».

المباح.. والمحظور

ولكن، هل يجوز نقل ما يحدث في المجالس بين الناس؟ يجيب د.هاشم «نقل ما يحدث في المجالس خيانة للأمانة، والأمانة شأنها عظيم، وقد حثّ الشرع الحنيف على أدائها، وحذّر من خيانتها؛ يقول الله عز وجل: «إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إلى أَهْلِهَا»، وجاء في الحديث: «لا إيمان لمن لا أمانة له، ولا دين لمن لا عهد له». وقد جعل النبي صلى الله عليه وسلم، خيانة الأمانة علامة من علامات النفاق، فقال: «آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا ائتمن خان».

لكن إذا كان الهدف من نقل بعض ما يتردّد في المجالس «الإصلاح بين الناس»، فلا حرج في ذلك، بل يكون هذا النقل مشروعاً.. فلو تحدث شخص-مثلاً- عن شخص آخر حديثاً سيئاً، ونقل أحد الحاضرين في المجلس هذا الكلام إلى المتحدَّث في شأنه كان هذا النقل حراماً، وسلوكاً منبوذاً من الناقل، لأن هذا النقل يؤدي إلى مفاسد بين المتحدِّث، والمتحدَّث عنه، وكم من المشكلات والجرائم وقعت بسبب نقل كلام من هذا النوع. أما إذا كان هناك خلاف بين شخصين، وسمع أحد الناس كلاماً طيباً في شأن أحدهما ونقل هذا الكلام عنه للطرف الآخر، بقصد الإصلاح بينهما، أصبح النقل هنا مباحاً شرعاً، لأنه يستهدف الإصلاح بين الطرفين، وهو هدف راقٍ يدعمه الإسلام، ويحث عليه. كما يجوز نقل ما يحدث في المجالس إذا كان الأمر يتعلق بشهادة أمام القضاء، أو جهات التحقيق، حرصاً على تحقيق العدالة.

سلوك مرفوض

بعض الناس يحقرون آراء الآخرين في مجالسهم بحثاً عن الشهرة.. كيف ينظر الشرع إلى هؤلاء؟

يقول عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر «هذا سلوك مرفوض شرعاً، فديننا العظيم يرسّخ كل صور الرقيّ والتحضر في الحوار بين الناس، سواء في مجالسهم، أو عبر وسائل الإعلام، ومواقع التواصل الاجتماعي، حيث يلزم الإنسان أولاً بالتحاور مع الآخرين بأدب، وعدم تحقير آرائهم، مهما كانت بساطتها، أو عدم جديّتها، والمسلم في حواره مع الآخرين يلتزم الصدق، ويتحرّى الحقيقة، ويلتزم بالموضوعية، وعدم الخروج عن الموضوع الذي هو محل النزاع، أو الخلاف، وإبراز الأدلة والبراهين التي تدعم رأيه، وأن يتسلّح في كلامه بالمنطق السليم، فضلاً عن التواضع، وتجنب الغرور، والتزام الأسلوب المهذب، وإفساح المجال أمام المناقش أو المعارض لكي يعبّر عن وجهة نظره من دون مصادرة لقوله، أو إساءة إلى شخصه، وفي الوقت نفسه إعطاء الحرية للجانب الآخر، لكي يردّ على المخالف له، بأسلوب مهذّب، وبمنطق سليم، وبأدب جم، وبحرص تام على تبادل الاحترام فيما بينهما».