ليس هناك أصعب من الوصول إلى نجوم ونجمات السينما والغناء، ونيل ثقتهم. لكن ما أسهل التأثير فيهم بمزاعم حمايتهم من الحسد، وتمتين علاقاتهم، مع الحبيبة أو الحبيب، وتوطيد محبة الجمهور لهم.
كيف نفسر علاقات جاي شيتي الوثيقة بالمشاهير؟ وكيف أصبح هذا الرجل الذي كان شبه مجهول لعامة الناس، قبل بضع سنوات فقط، الشخص الأمثل للتطوير الشخصي، والأهم من ذلك، أنه بات شخصية بارزة على وسائل التواصل الاجتماعي، له 18 مليون متابع على «إنستغرام»؟
جاي شيتي، مواطن بريطاني من أصل هندي، وهو راهب هندوسي سابق، صار بقدرة قادر كاتم أسرار عدد من المشاهير. كان له مساره المهني غير التقليدي، تضاف إليه الهالة، أو المزاعم المتقنة التي نسجها حول نفسه، هو ما مكّنه من تحقيق نجاح باهر. إنه يزعم أنه منجّم، وأن النجوم تخبره بكل شيء. وتكفي رؤية صوره التي تنشرها الصحف للتأكد من أن ثلاثة أرباع سرّه تكمن في نظرته الجذابة، وصفاء عينيه اللازورديتين، أيّ المتراوحتين بين الخضرة والزرقة. إن لونهما يتناقض مع شعره الأسود الفاحم. وهما تلفتان انتباهك حين تتصفح «تيك توك»، أو «إنستغرام». أما حين تنصت بانتباه إلى كلماته التي يلقيها بوضوح وثقة، فإنك ستتصور نفسك أمام أستاذ يخاطب طلابه، أو بالأحرى، مُرشد يخاطب تلاميذه.
التسلل داخل حياة المشاهير
يتمتع جاي شيتي بسحرٍ وجاذبية واضحين، وهو يشعّ بهالة شبه غامضة، ويمتلك قوة روحية هادئة، لكنها تُثير الفضول. قوة لا يمكن لأحد الهروب منها، بدأت مع «البودكاست» الناجح الذي يبثه تحت عنوان «عن قصد مع جاي شيتي». وفيه يقدم نصائح عملية لبلوغ عيشة رضية، ونجاح باهر. ففي الأسابيع الأخيرة، أجرى هذا المرشد البالغ من العمر 38 عاماً، والذي أصبح الآن نجماً في مجال التنمية الشخصية، مقابلات مع مشاهير من النادر أن يظهروا في وسائل الإعلام، بمن فيهم نجمة البوب الأمريكية مادونا التي لم تُجر أي مقابلة منذ أكثر من 10 سنوات، وكذلك مع مغنية الراب كاردي بي، ومع الممثلة إيما واتسون.
تكمن لمسته الفنية في طرح أسئلة شخصية عميقة بأسلوب بارع، بدءاً من تجارب عامة حول الحب، والندم، والحزن، وهي البداية التي تمهد هؤلاء الأشخاص الذين غالباً ما يكونون متحفظين، لكي ينطلقوا ويثرثروا بحرية، ومن دون الشعور بأن هناك من يستمع إليهم، وقد يحكم عليهم من خلال كلامهم. ففي الصيف الماضي، مثلاً، في مقابلة مع جاي شيتي، تحدثت الممثلة التي لعبت دور هيرميون جرانجر، وللمرة الأولى، عن صراعها مع مؤلفة «هاري بوتر» جيه كيه رولينج، بشأن المتحوّلين جنسياً، وهو موضوع حساس للغاية، ومشحون عاطفياً. وسرعان ما انتشر هذا المقتطف على وسائل التواصل الاجتماعي، بل وأعاد إشعال الجدل الدائر حول مقاطعة سلسلة كتب «هاري بوتر». وكانت تلك التصريحات بمثابة دفعة دعائية مضمونة لبودكاست جاي شيتي، الذي وجد نفسه في دائرة الضوء.
في الأسبوع نفسه، كشفت مادونا لخبير التنمية الذاتية الوسيم، أنها فكّرت في الانتحار عام 2016 أثناء طلاقها من المخرج جاي ريتشي، لشدّة حزنها على احتمال فقدان حضانة ابنهما روكو. ولم يكن أحد من قبل قد شاهد مغنية أغنية «لايك أ فيرجن»، بهذا الضعف خلال مقابلة مصورة.
من الطيش والحماقة إلى «الرهبانية»
ولد جاي شيتي في لندن عام 1987، ونشأ في عائلة من الطبقة المتوسطة، ومن أصل هندي. وما بين سن الحادية عشرة إلى الثامنة عشرة درس في مدرسة «كوين إليزابيث»، وهي مدرسة مرموقة للبنين تقع في منطقة بارنيت، بلدة صغيرة في الضواحي الشمالية للعاصمة. كان الولد متمرداً في سنّ المراهقة، كثير التغيّب عن الدروس، يفضل الشرب والتدخين على دراسة شكسبير. وقد تم إيقافه عن الدراسة ثلاث مرات، وتهديده بالفصل. وهو يصف تلك الفترة بالقول: «كنت تائهاً حقاً في ذلك الوقت، ولم أكن أعرف ما الذي أفعله. لم تكن الحماقة ممتعة، بل كانت مملوءة بالخوف والذنب». هذا ما اعترف به بعد سنوات في مقابلة عام 2020، مع صحيفة «الغارديان».
قرر جاي شيتي التوقف عن الشرب في سن الثامنة عشرة، لأنه لم يعد قادراً على تحمّل سلوكه الذي يصفه بالحقير. وفي عام 2005 التحق بكلية «كاس» للأعمال في لندن، على أمل العمل في مجال التمويل. لم يكن يعلم أن خططه ستُقلب رأساً على عقب بسبب حدث واحد. فقد استضافت مدرسته مؤتمراً حضره راهب هندوسي، يدعى غورانجا داس. وقد جاء الضيف ليتحدث عن الإيثار، وأسلوب حياته البسيط. كان ذلك الحدث بمثابة اكتشاف حقيقي لجاي شيتي: «في ذلك المساء، وبينما كنت أستمع إلى الراهب وهو يتحدث عن تجربته، وقعت أسير أفكاره»، هذا ما كتبه في كتابه «فكّر كراهب»، الصادر قبل 5 سنوات عن دار نشر «ثورسونز هاربر»، والذي بيع منه 2.5 مليون نسخة.
انبهر الشاب البالغ من العمر 21 عاماً، بالضيف المتحدث. وبعد المؤتمر سأله إن كان بإمكانه الانضمام إليه في بقية جولته الخطابية في جميع أنحاء المملكة المتحدة. كانت بداية لرحلة روحية استمرت بعد تخرجه في الجامعة، إذ قرّر جاي شيتي أن يسافر إلى الهند ليصبح راهباً. وهو يزعم أنه أمضى ثلاث سنوات هناك في المركز الروحي «أشرم»، حيث يعيش الباحثون عن السلام الروحي تحت إشراف معلم. كما يؤكد أنه درس الفلسفات الشرقية، وعاش وفقاً لمبادئ صارمة. كان يحلق رأسه، وينام على الأرض، ويستيقظ الساعة الرابعة صباحاً للتأمل. وبعد هذه التجربة عاد جاي شيتي إلى العيش مع والديه في لندن، ووجد وظيفة في المدينة. كانت فترة من حياته شعر فيها بالاكتئاب، والخجل من تركه الحياة الرهبانية، و«خيانة» مجتمعه.
تمرّ الأشهر ويستجمع الشاب قواه لينطلق في مسيرته المهنية كمدرّب حياة وتنمية ذاتية، ونشر أول تسجيلاته عن العافية والعيش الصحي على «يوتيوب». وفي عام 2016، تغيرت حياته جذرياً، بعد أن لفت انتباه أريانا هافينجتون، الإعلامية المشاركة في تأسيس صحيفة «هافينجتون بوست». لقد وظفته في نيويورك لإنتاج فيديوهات عن الروحانية والتنمية الشخصية. وفي ذلك العام نفسه، تزوج جاي شيتي من شريكة حياته رادي ديفلوكيا شيتي، وهي طاهية متخصصة في المأكولات النباتية، وأخصائية تغذية معتمدة، ومستشارة صحية لديها الآن أكثر من مليوني متابع على «إنستغرام».
ترك الزوجان كآبة لندن خلفهما، واستقرّا أولاً في نيويورك، ثم في لوس أنجلوس، حيث تمتعا بأشعة الشمس والمحيط الهادي، وصقلا مهاراتهما التجارية. أصبحت علاقتهما مصدر إلهام للمحتوى الذي يقدمانه. إنهما يناقشان بصراحة الدروس التي تعلّماها عن تجاوز الخلافات، وكيفية الحفاظ على شرارة الحب بعد سنوات من الزواج. وفي مطلع الشهر الجاري، أجرى جاي شيتي مقابلة بودكاست مع زوجته للحديث عن الضغوط المحيطة بالأمومة، والتي تشعر بها المرأة، مثل العديد من النساء الثلاثينيات بعد سنوات الزواج الأولى.
اليوم، على مسافة آلاف الأميال من الدير الهندي الذي غيّر نظرته إلى العالم والحياة، يبني جاي شيتي إمبراطورية حقيقية، وشبكة صداقات مع أكثر النجوم تأثيراً في العالم، بمن فيهم جينيفر لوبيز التي أشرف على حفل زفافها إلى بن أفليك عام 2022. وكذلك كيندال جينر، وإيفا لونجوريا، وجو جوناس، وليلي كولينز، وسيلينا جوميز، وويل سميث الذي حلّ ضيفاً على الشارقة، أخيراً. كما وطّد صداقته مع زوجة الأمير البريطاني هاري، ميجان ماركل، التي دعته إلى المشاركة في حلقة من الموسم الثاني من مسلسلها عن الطبخ على «نتفليكس». إن دفتر عناوينه مثير للإعجاب بالتأكيد، لكنه يثير أيضاً التساؤلات. وبعض الصحفيين الناطقين باللغة الإنجليزية متشككون، ويطرحون السؤال: ماذا لو كذب جاي شيتي بشأن رحلته الروحية لخدمة مصالحه الشخصية وتحقيق الشهرة فقط؟
السؤال الآخر: «هل يمكننا أن نتخيّل راهباً يتخلى عن الحياة الروحية ليصنع مقاطع فيديو وينشرها على الملأ، ويقضي أوقاته مع المشاهير؟». إنه يمشي عكس المسار المعروف عن الزهد والفلسفات الروحانية. وهذا بالضبط، ما تطرحه فريحة رويسين، مؤلفة كتاب «لمن الصحة؟»، في تحقيق نشرته صحيفة «الجغارديان» اللندنية، انتقدت فيه جاي شيتي بشدّة، مشيرة إلى تناقضات في سرده لرحلاته إلى الهند. ورغم أنه سافر بالفعل إلى هناك، إلا أن إقاماته كانت أقصر، أو متقطعة بشكل واضح. وهناك ظلال أخرى تشوّه حلمه الأمريكي، واتهامات بالانتحال تتعلق باقتباسات نشرها على مواقع التواصل الاجتماعي، ولم تكن من تأليفه. لكن كل هذا لم يعرقل الصعود الصاروخي للراهب السابق الذي جعل من هذه العبارة أحد ركائز تعاليمه: «أنا لا أخسر أبداً. إما أفوز، وإما أتعلم».
