فرنسية نادرة في نادي رؤساء المؤسسات الكبرى... من هي «كريستيل هايدمان» المرأة البرتقالية؟
تشغل كريستيل هايدمان منصب الرئيسة التنفيذية لمجموعة «أورانج» للاتصالات. حين وصلت إلى هذا المنصب المرموق لم تكن قد تجاوزت الخامسة والثلاثين من العمر، وهي اليوم في الحادية والخمسين، تمسك مقاليد عملها بيدين من حديد. ولتفسير هذه المسيرة اللامعة فإنها تختصر الأمر بالقول: «إذا لم تجد مكاناً للنجاح، فعليك أن تتحدّى نفسك»
مدام هايدمان هي خريجة مدرسة البوليتكنيك، المعهد الراقي الذي يدرس فيه شبان وشابات مؤهلون لتولي الزعامة في مستقبل فرنسا، الإداري والصناعي والحضاري. وترأس اليوم اللجنة التنفيذية لشركة «أورانج»، المؤسسة التي تندرج ضمن 40 مؤسسة من مؤسسات القمة في فرنسا. كما أنها ثاني امرأة تقود شركة بهذا الحجم. ولأن «أورانج» تعني البرتقال، فإن كثيرين يطلقون عليها لقب «المرأة البرتقالية». في مقابلة معها نشرتها المجلة النسائية الملحقة بصحيفة «الفيغارو»، سألتها المحررة:
متى تستيقظين؟
في السادسة والنصف صباحاً. وإذا سمح جدول أعمالي فإنني أوصل أطفالي إلى المدرسة.
ما هو عملك بالضبط؟
يسألني والداي السؤال نفسه، (تضحك)، فأجيب أنني أنتقل من اجتماع إلى آخر، وأقود لجنة تنفيذية. والأهم من ذلك، أن وظيفتي هي تقديم رؤية، وقيادة التحولات، واتخاذ القرارات، وإلهام الآخرين.
تضم «أورانج» 127 ألف موظف، ولها حضور في أكثر من 26 دولة، و290 مليون عميل، وإيرادات تبلغ 40.3 مليار يورو. فما هي مؤهلات رئيسة اللجنة التنفيذية؟
أنا الابنة الكبرى بين ثلاث شقيقات. وجدتاي كانتا من ربات بيوت، لم تخرجا للعمل. وكنت أسمعهما تردّدان باستمرار عبارة: «لو كان بإمكاني...». كانت فكرة التطوّر المهني والاستقلال المالي حاضرة دائماً في سنوات نشأتي. فوالدي، خريج المدرسة المركزية، عمل طويلاً مهندساً في الولايات المتحدة. ولطالما جسّدت لي الهندسة الحلم الأمريكي.
من هي الشخصية التي أوقدت شرارتك؟
والدتي، وهي خريجة جامعية ومُعلّمة رياضيات وعلوم حاسوب. لم يكن لديها صديقات سوى أصدقاء علماء مثلها. وبالنسبة لي، فإن ذلك الوضع كان طبيعياً.
هل كانت مثالك الأعلى ومرشدتك؟
نعم، كما كان لديّ في الأغلب بعض المديرين الرائعين. تعلمت القيادة من بن فيرواين، الرئيس التنفيذي لشركة «ألكاتيل»، كما تعلمت من جان باسكال تريكوار، الرئيس التنفيذي لشركة «شنايدر إلكتريك»، آنذاك. وعندما كنتُ مرشحة لوظيفة «أورانج» قال لي: «استعدي للخطوة التالية لأنني أعلم أنهم سيختارونك». كانت ثقته بي هامّة لي جداً.
أشجّع الموهوب على ملاحقة فرصته
ما الذي أسهم في تقدمك المهني؟
تعييني مديرة للموارد البشرية في شركة «ألكاتيل» المدرجة في مؤشر CAC 4، وكنت يومها في سن شابة. واليوم، عندما يأتي إليّ الموهوبون ليُعلنوا رحيلهم عن شركتنا لحصولهم على فرصة في موقع آخر، فإنهم يفاجأون دائماً بتشجيعي لهم. ففي سن الخامسة والثلاثين، إذا لم تجد مكاناً للنجاح، فعليك أن تتحدّى نفسك وتخلق فرصتك.
من كان أول من وثق بك ومنحك فرصتك؟
ستيفان ريتشارد، الرئيس التنفيذي السابق لشركة «أورانج». كنتُ عضواً في مجلس الإدارة عندما أضافني إلى المرشحين لمنصب الرئيس التنفيذي. لم يكن ليخطر ببالي هذا الأمر لولاه.
هل واجهت أيّ عقبات؟
إغلاق بنك «أورانج» قبل سنتين. كان ذلك من أجل المصلحة العامة. لقد وصلنا إلى مرحلة ركود، ولم نكن قادرين على تحقيق الأرباح. وما يؤلم في هذا القرار أنه شمل الكثير من الموظفين، ومليوني عميل. أعتقد أننا تعاملنا مع الأمور بمسؤولية.
امرأة في عالم رجالي
هل ترين نفسك امرأة وحيدة في عالم رجالي؟
في يومي الأول في كلية «البوليتكنيك»، أواسط التسعينيات، كانت نسبة النساء 12 في المئة بين الطلاب. وكنا جميعاً قلقات، ومتجمعات في قاعة للمحاضرات مع طالبات سابقات، قلن لنا إن الأمر سيكون على ما يرام. وبصراحة، لم أشعر بأي فرق في المعاملة حتى أصبحت مديرة عامة 2011، حينها، رأيت رجالاً يدخلون مكتبي ويطلبون المزيد من الترقيات، في حين أن النساء اللواتي يستحققن الترقية أراهن متردّدات ويردّدن: «لستُ كفؤة». يومها اكتشفتُ الفجوة في الأجور بين النساء والرجال، من بين أمور أخرى. تكشفت لي...
ما الذي ترغبين في تجاهله؟
أنا صريحة جداً، وأكره التمييز، أو ما يسمى «الصوابية السياسية». وكثيراً ما يقول لي الأجانب: «أنت لست فرنسية». ففي نظرهم، فإن لدى المدير الفرنسي غداءات عمل لا تُحصى، يتحدث فيها عن كل شيء، باستثناء مشكلات العمل. كما أنه لا يتخذ أي قرارات. لم تكن هذه طريقتي في العمل مطلقاً.
وعلاقتك بمواقع التواصل، هل أنت مدمنة رقمية؟
أتلقى سيلاً من الرسائل على قنوات مختلفة، بالبريد الإلكتروني، والواتساب، والرسائل النصية، وهو أمر عليّ إدارته... لكنني عندما أعود إلى المنزل، أضع هاتفي جانباً. ولحسن الحظ، فإن شركة «أورانج» لا تشتكي أبداً، إذا لم أرد. وزوجي يفعل ذلك أيضاً. (للعلم فإن كريستيل هايدمان متزوجة من أندريه بييتري، الذي يدير «المبادرة الأوروبية للفوضى الخلاقة»، وهي وكالة تعمل في حقل التقنيات المتقدمة. ولها منه ولدان).
وكيف تستثمرين وقت استراحتك؟
أجري وأنا أضع سماعات الموسيقى على أذنيّ. وأتأمل في مواضيع تتطلب وقتاً. وأحياناً أتوقف لأدوّن بعض الأفكار.
ما هي الفكرة التي تشغلك؟
إيماني بأن القائد ليس وحيداً. صحيح أنه يتخذ القرارات ويُجسّد الدور الأهم، لكن عليه أن يبقى على اتصال دائم ببيئتهن ومحيطه، داخلياً وخارجياً، وأن يتحاور مع أقرانه ليتوقع ما هو آتٍ، ويخطط للمستقبل.
بطاقة تعريف
- ولدت كريستيل هايدمان في ضاحية كلامار قرب باريس، وكان جدها ألمانياً ترك بلاده هرباً من الحكم النازي المعادي لليهود، وافتتح محمصة للقهوة في فرنسا. أبوها خريج معهد عال للهندسة، ووالدتها عالمة رياضيات وأستاذة جامعية.ـ
- في عام 1994 حصلت على لقب «القائدة الشابة» من المؤتمر الاقتصادي العالمي.
- درست في المعهد العالي للطرق والجسور ونالت شهادتها عام 1999.ـ
- في سِن 25 عاماً انضمت إلى مجموعة بوسطن للاستشارات في الولايات المتحدة.
- شغلت وظائف في عدة شركات فرنسية كبرى قبل عملها مديرة للموارد البشرية في «أورانج».
- حصلت على دعم الرئاسة والبرلمان لتصبح المديرة التنفيذية لمجموعة «أورانج» العالمية.
- يبلغ مرتبها السنوي الثابت 950 ألف يورو، عدا العلاوات في حال ارتفاع قيمة أسهم الشركة، حيث يصل المرتب إلى مليون و245 ألف يورو، وهو مبلغ يساوي ما كان يتقاضاه المدير السابق من دون تمييز جنسي في المرتبات والحوافز، كما هو حاصل في فرنسا.ـ نالت وسام الشرف الفرنسي من رتبة فارس عام 2018 ثم ترقت عام 2024 إلى رتبة ضابط.
