مذكرات ملك إسبانيا السابق تكشف وتكسر وتجبر... الحكاية الحقيقية لعلاقة خوان كارلوس بالأميرة ديانا
هذا واحد من الكتب المرشحة لأن تُسيل الكثير من الحبر. إنها مذكرات ملك إسبانيا، خوان كارلوس، الذي تنازل عن العرش لابنه فيليب، وابتعد عن الأضواء ليعيش شيخوخة هادئة. ومع صدور الطبعة الفرنسية من المذكرات عن منشورات «ستوك» في باريس، راحت العيون النهمة تفتش ما بين السطور عمّا يمكن أن يخرج عن المألوف، ويشكّل ولو فضيحة صغيرة. فهل تحققت الرغبة في الإثارة، أم خيّب صاحب المذكرات أماني المتلصّصين؟
اختار العاهل المتنحّي البالغ من العمر 87 عاماً، لمذكراته عنوان «المصالحة». فهل هي مصالحة مع العائلة التي أقلقها بتصرفاته، أم مع قرينته الملكة صوفيا التي تمادى في إثارة غيرتها، أم مع الشعب الإسباني الذي كان يتابع أخبار مغامراته وصفقاته بعين الغضب؟ لا شك في أن للملك ما يقول، لكن كل الجوانب السياسية، والعلاقات الدولية، وخفايا القصور، وبلاطات الحكم، لن تسترعي الانتباه بقدر الصفحات التي يكشف فيها روايته الخاصة، ومن وجهة نظره، للإشاعات التي تحدثت عن علاقة مزعومة له مع الأميرة البريطانية الراحلة ديانا سبنسر، طليقة الملك الحالي تشارلز. ثم هناك الصفحات التي يشير فيها إلى التوتر الذي كان قائماً بينه وبين كنته، ليتيسيا، زوجة ولي عهده الملك الحالي، فيليبي السادس.
بعد قرابة 40 عاماً أمضاها جالساً على عرش واحدة من أعرق ممالك أوروبا، أصبح خوان كارلوس متحفظاً للغاية في تصريحاته لوسائل الإعلام. وقد جاء هذا الانسحاب من الأضواء بعد فضائح لا حصر لها أضرّت بسمعة المحيطين به، وبلاده بشكل خاص. ولكن بعيداً عن أعين الجمهور، كان «الملك الفخري» يعكف على تحرير مذكراته المثيرة التي نحن بصددها.
شعبية عريقة ثم اتهامات
ولد خوان كارلوس في العاصمة الإيطالية روما، قبل نهاية الأسبوع الأول من عام 1938. والده هو الأمير خوان دو بوربون، كونت برشلونة، ووالدته هي ماريا دو لاس مرسيدس، سليلة نبلاء بوربون أيضاً. وهو حفيد الملك ألفونس الثامن، وعضو في الفرع الإسباني من سلالة بوربون العريقة. وكان ملكاً شديد الشعبية منذ جلوسه على العرش في عام 1975. وجاءت شعبيته من تمسكه بالديمقراطية، ورفضه للانقلاب الذي وقع في عام 1981.
لكن شعبيته تراجعت مع مرور الزمن بسبب قضايا، مالية وعاطفية، لاحقته وشوّهت صورته، حتى انتهت بتخليه عن العرش في صيف 2014. وكانت القطرة التي طفح بها الكأس هي سفره في رحلة صيد باذخة إلى بوتسوانا، في الوقت الذي كانت فيه بلاده غارقة في أزمة اقتصادية خانقة. وقد وجهت له المحكمة العليا الإسبانية اتهامات بتلقي أموال مشبوهة، لكن كل القضايا تم حفظها قبل 3 سنوات.
لم تكن صحافة بلاده رفيقة به، بل لاحقته بالإشاعات، باعتباره زير نساء. والحقيقة أن خوان كارلوس كان الأكثر وسامة بين ملوك العالم، يتمتع بالثروة، والنفوذ، والشباب، وكلها من العوامل التي تجذب الفراشات للضوء. لكنه اليوم يقرر أن يروي قصته مع كل تلك المزاعم، ويكشف عن روايته لبعض علاقاته الغرامية المزعومة، وأبرزها تلك التي يُقال إنه أقامها مع الأميرة ديانا، الزوجة السابقة للملك تشارلز الثالث. وكانت ديانا ذات شهرة وشعبية، وبريق تنافس فيه كبار زمانها، ولم تخلُ حياتها من مغامرات وفضائح، قبل أن تلقى مصرعها بشكل مأساوي، في حادث سيارة في نفق بباريس عام 1997.
حقيقة علاقته مع الأميرة ديانا
من الواضح لمن يطلع على المذكرات أن الملك العجوز، الذي رزق من زوجته الملكة صوفيا بابن وابنتين، لم يكن يحمل تقديراً كبيراً لزوجة ولي عهد بريطانيا. مع العلم بأن أميرة القلوب أمضت إجازات صيفية عدّة، مع زوجها وولديها وليام وهاري في ضيافة العائلة المالكة الإسبانية، بين عامي 1986 و1990، في قصر ماريفينت، مقر إقامة خوان كارلوس الصيفي في جزيرة بالما دي مايوركا. ولكن لماذا يكتب صاحب المذكرات عكس ما حفظته لنا الصور العائلية الملتقطة خلال تلك العطلات السعيدة؟
تُظهر لقطات الأرشيف تقارباً ملحوظاً بين أفراد العائلتين المالكتين. لكن الواقع، حسب رواية خوان كارلوس، كان مختلفاً تماماً. فبينما تركت ديانا انطباعاً لدى عموم الناس، في بريطانيا وخارجها، بأنها شابة حيوية، ومملوءة بروح الدعابة والحنان، فإن الملك السابق يؤكد أن ديانا سبنسر كانت معه «باردة، صامتة، ومنعزلة إلا في حضور المصورين». هل هي محاولة كريمة منه لإبعاد الشبهات عن سيدة لم تعد من هذه الدنيا، واحتراماً منه لذكراها ومكانتها في أعين ولديها، وأحفادها؟
لعل ما كتبه الملك السابق هي محاولة منه لدحض ادعاءات الليدي كولين كامبل. وكانت كامبل قد نشرت في التسعينيات سيرتها الذاتية «ديانا الحقيقية» التي زعمت فيها أن والدة الأميرين هاري وويليام أرادت التقرب من خوان كارلوس «لإثارة غيرة تشارلز»، إذ كان زوجها قد انصرف عنها بقلبه، ولم يقطع علاقته بحبيبته التاريخية كاميلا باركر بولز. تزوج تشارلز من كاميلا عام 2005، بعد وفاة ديانا، في حفل مدني في قاعة وندسور جيلدهول، بعد عقود من العلاقة الغرامية التي لم تكن خافية على أحد.
من جانبها، لم تكن الليدي ديانا أقل انتقاداً لخوان كارلوس. فقد روت في صفحات سيرتها الذاتية التي كتبتها بالاشتراك مع أندرو مورتون: «شعرت بعدم الارتياح لتركي وحيدة معه في غرفة، مع أنني أؤكد لكم أنه لم يحدث شيء». فإذا كان الطرفان ينكران الإشاعة، كل من جانبه، فلماذا الإصرار عليها؟
محاولة المصالحة مع العائلة
الجانب الثاني المثير للاهتمام، هو طبيعة المشاعر التي قابل بها خوان كارلوس حكاية الحب التي قامت بين ولي عهده فيليبي، وبين النجمة التلفزيونية ليتيسيا التي أصبحت اليوم ملكة للبلاد، ورزقت بابنتين من زوجها الملك. إنه يكتب في مذكراته: «آمل أن أحظى بتقاعد هادئ في حياتي، وأن أُعيد بناء علاقة منسجمة مع ابني، والأهمّ من ذلك كله، أن أعود إلى إسبانيا، إلى وطني. أعيش على أمل إعادة اكتشاف تلك الألفة مع المناظر الطبيعية، والناس، والروائح».
هل هذا يعني أن الملك المتقاعد كتب هذه المذكرات لكي تتم مصالحة حقيقية يرفع فيها الراية البيضاء، ويمد يد المحبة لأفراد أسرته، ويطلب منهم الصفح؟ من السابق لأوانه الجزم بذلك. أما في ا يتعلق بالتوترات مع ابنه الملك فيليبي السادس، فهو لا يستطيع الاعتماد على دعم زوجة ابنه، ليتيسيا، مع اعترافه بأن علاقته طيبة بابنتيه الأميرتين إلينا وكريستينا. إن القلوب تحمل ما تحمل من خيبات لا يغسلها العتاب، ويصعب معها الغفران والنسيان. وباعترافه الشخصي، يكشف خوان كارلوس أنه ليس قريباً من كنته الملكة الحالية.
يروي في الصفحات الأولى من كتاب «المصالحة»: «للأسف، لم أتمكن قط من الخروج بمفردي في مدريد مع حفيدتيّ ليونور وصوفيا. ولم تتمكن زوجتي الملكة صوفيا من استقبالهما بمفردهما في بالما، كما تفعل عادة مع جميع أبناء عمومتهما الآخرين». ووفقاً لخوان كارلوس، فإن السبب في ذلك هو المسافة التي تركها فيليبي السادس وزوجته ليتيسيا، فهو لم يتمكن من التوافق معهما حتى الآن، على الرغم من مرور كل تلك السنوات على تركه البلاد. وهو في مذكراته يعرب عن حزنه وأسفه لأنه لم يتمكن من «بناء علاقة شخصية» مع حفيدته ولية العهد التي من المقدر لها أن تكون ملكة إسبانيا المستقبلية، ولا مع شقيقتها الصغرى، ليروي لهما الحكايات، ويسافر معهما ويحضر المباريات... كما يفعل حتى اليوم مع بعض أبناء الأقارب الذين يستضيفهم.
لا يريد الملك أن يبدي رأيه في صهريه، لكنه يعترف بأن وصول ليتيسيا قد زعزع استقرار الأسرة، وهو يوضح قائلاً: «لم تُسهم في تماسك علاقاتنا العائلية». كما يعبّر عن أسفه قائلاً: "ظللتُ أقول لها إن باب مكتبي مفتوح لها دائماً، ويمكنها أن تأتي متى شاءت. لكنها لم تأتِ أبداً». ويبدو أن التواصل بين الاثنين قد انقطع، حيث أكد خوان كارلوس وجود خلاف شخصي، لكنه كان يُفضّل الحفاظ على صورة إيجابية، حتى لا يُشوّه أعمال المؤسسات الملكية التي أسّساها، ويوضح: «بذلتُ قصارى جهدي لتجاوز خلافاتنا ،لأن نجاح الزوجين الأميريين كان ضمانة لمستقبل التاج».
اليوم، يبدو خوان كارلوس في مرحلة التصافي والتصالح. وهو يعوّل على هذا الكتاب لكي يضع نقطة النهاية لخلافات الماضي قبل الرحيل الأخير، لا عن إسبانيا، بل عن الدنيا.
