ابنة صياد فرنسي وأم تبيع الثياب... «فيجي سيمو» المرأة المتفوقة في عالم الذكاء الاصطناعي

هناك قصص حياة تفوق الخيال، أو لنقل إنها تصلح لفيلم سينمائي من النوع الذي يحفز الأمل في النفوس، ويعلي من شأن الاجتهاد والطموح. فيجي سيمو، تملك واحدة من هذه القصص. من كان يصدّق أن ابنة صيادين من بلدة سيت الساحلية، جنوب فرنسا، تقفز فوق كل موانع وضعها الاجتماعي المتواضع، وتعبر المحيط إلى الولايات المتحدة الأمريكية لتصبح إيقونة في وادي السيليكون، أي في البقعة التي تتجمع فيها كبريات شركات التكنولوجيا الحديثة؟

إنها ذكية إلى درجة العبقرية، نعم، لكن الذكاء وحده لا يكفي من دون سهر، وتعب، وعمل، ومثابرة. لكن فيجي موهوبة أيضاً في ميدان الذكاء الاصطناعي، وقد جرى اختيارها قبل أيام لتكون الرقم 2 في OpenAI، وهي الشركة الأم التي تملك تطبيق «تشات جي بي تي». لقد راهن عليها مارك زوكربيرج، صاحب شركة ميتا (فيسبوك سابقاً)، ويمكن القول إنه أعاد اكتشافها. وهي تعترف بذلك، وتؤكد أن مارك آمن بقدراتها قبل أن تنتبه هي لتلك القدرات.

البداية... من سوق السمك
حين تعود فيجي إلى زيارة قريتها الساحلية في فرنسا، فإن أول طقوسها هو الذهاب إلى سوق السمك، حيث لا يزال عمها يعمل هناك. وطبعاً، فإنها تحرص على حضور المزاد الصباحي المبكر للأسماك والقواقع، وتهفو نفسها إلى تذوّق فطيرة الأخطبوط. وهي أكلة محلية معروفة. وعلى عادة الجنوبيين، فإن هذه الشابة ذات الشعر الأسود الكثيف، تتحدث مستخدمة الكثير من حركات يديها. كما أنها لا تحب الخروج من دون زينة جذابة، ومساحيق فاقعة. تتحدث الإنجليزية بطلاقة مع لكنة فرنسية واضحة. وقد نصحوها عند بدء عملها في «فيسبوك» بأخذ دورات في جامعة ستانفورد العريقة، لكي تتخلص من لكنتها الثقيلة، لكن ذلك لم يتحقق لها. ويطيب لابنة الصيادين أن تقول إن لكنتها هي علامتها التجارية.
لكن يجب عدم الانخداع بالسحر الطبيعي لهذه المرأة، وبروح الدعابة الملازمة لها. فالحقيقة أنها سيدة قوية، تعمل بجد واندفاع، تمكنت وهي لم تبلغ الأربعين بعد، من تسلّق كل درجات وادي السيليكون لتصل إلى منصبها الرفيع في شركة OpenAI، الشركة الأم لـ ChatGPT. فقبل أيام قلائل لم تكن معروفة لعامة الناس، ثم أصبحت المديرة العامة للتطبيقات، وهذا يعني بالمختصر المفيد اضطلاعها بمهمة خطرة، هي تطوير تطبيقات الشركة، وتحقيق الدخل منها، وبالأخص تطبيق المحادثة الذي دخلت من خلاله ثورة الذكاء الاصطناعي في حياتنا.

جنّدها سام ألتمان لإنقاذ OpenAI
إنه تحدٍّ كبير واجهته فيجي سيمو. ففي عام 2024، وعلى الرغم من أكثر من 500 مليون مستخدم نشط أسبوعياً، كان OpenAI غير قادر على تحقيق الربح، بل إنه كان سيخسر 5 مليارات دولار (مقابل 3.7 مليار دولار من الإيرادات). لكن سام ألتمان، مؤسس الشركة الناشئة، يشعر بالتفاؤل اليوم، ولا يتوقف عن امتداح مجنّدته الجديدة الآتية من بيئة صيادين فقراء في جنوب فرنسا.. لنسمعه يقول عنها: «إنها تجمع بين ذكاء استراتيجي نادر، وإتقان ملموس للتحدّيات المتعلقة بالمنتجات والعمليات، مع رغبة حقيقية في جعل التكنولوجيا مصلحة عامة».
وبذلك وصلت الفرنسية الثلاثينية إلى أحد المناصب الأكثر استراتيجية في مجال التكنولوجيا، على المستوى الدولي. لكن هذه الهالة لم تهبط عليها من غيمة عابرة. وطوال ما يقرب من 15 عاماً، عملت فيجي سيمو بهدوء على بناء سمعتها. بعد أن درست الإدارة في HE فرنسا، انتقلت في منتصف العقد الأول من القرن الحادي والعشرين إلى كاليفورنيا، والتحقت بجامعة UCLA، ثم توظفت في شركة eBay رائدة التجارة الإلكترونية، في سان هوزيه، أي في قلب وادي السيليكون، حيث قضت ثلاث سنوات في تحسين الاستراتيجية. وفي عام 2011، حصلت على فرصة العمر، وانضمت إلى فيسبوك (قبل أن يصبح ميتا). وكان ذلك بفضل جرأتها الكبيرة، حيث أشاعت أنها قضت عطلة عيد الشكر في إعداد صفحة «منتجات» مزيفة.
لم يكن الذكاء وحده ما خدمها، بل كونها امرأة شابة ذات طموح كبير. فقد كانت شيريل ساندبرج هي مرشدتها. وساندبرج هي الرقم المؤثر الثاني في فيسبوك، والمديرة التي تشجع الموظفات النسويات الواعدات. ولم يذهب التشجيع سدى، حيث حققت فيجي المعجزة، وأصبحت مسؤولة عن تحقيق الإيرادات وتطوير الإعلانات عبر الهاتف المحمول، ثم الفيديو، من خلال إطلاق «التشغيل التلقائي»، وميزة «فيسبوك لايف». وبحلول عام 2019 أصبحت مسؤولة بشكل كامل عن تطبيق فيسبوك، تدير 6000 موظف، وهو عمل جعلها قريبة جداً من مارك زوكربيرج، الرئيس الذي تعترف بأنه دعمها، وكان وراء اكتشاف قدراتها.

تطوير «عربة التسوق المتصلة إلكترونياً»
بعد عامين، تركت مهمة تحقيق الأرباح، وانطلقت لتتولى قيادة عملاق آخر في منطقة خليج سان فرانسيسكو، وهو إنستاكارت، أي خدمة توصيل المنتجات الغذائية المعروفة جيداً في الولايات المتحدة. وقد لقي هذا العملاق رواجاً كبيراً خلال سنوات الجائحة، وبقاء الناس في البيوت. ويعود الفضل إلى فيجي في تطوير «عربة التسوق المتصلة إلكترونياً». وبناء عليه تم إدراج إنستاكارت، ثاني أكبر بورصة في العالم بعد بورصة نيويورك.
تحرص فيجي على التذكير بأن نجاحها يعود في المقام الأول، إلى والديها اللذين علماها أنه من خلال العمل يمكن للمرء أن يصل إلى كل شيء. وفي الربيع الماضي، تلقت دعوة من مدرستها السابقة في فرنسا، ووقفت أمام الخريجين الجدد مرتدية قبعة تقليدية لتتحدث بشغف، عبر الشاشة، عن التحول التكنولوجي الذي يمثله الذكاء الاصطناعي. كما روت لهم كيف أن زملاءها في الجامعة الأمريكية لم يصدقوا أن والدها صياد بسيط للسمك، وتصوروا أن تلك هوايته، وليست العمل الذي أنفق منه على أسرته، وعلى دراسة ابنته.

طفلة لا يمكن إيقافها
أخبرتهم أن أباها ليس الصياد الأول في العائلة، فالمؤسس، روكو مورييلو، قدم من صقلية في الخمسينيات واستقر في جنوب فرنسا، وكانت ترى والدها يغادر في وقت مبكر من الصباح على قاربه الصغير. في حين كانت والدتها تدير دكاناً لبيع الثياب، وهي التي اختارت لها اسمها مثل اسم عطرها المفضل. وبالفعل، تحدثت الأم لصحيفة محلية وقالت: «كانت فيجي طفلة مفرطة النشاط، ولا يمكن إيقافها. كان هناك دائماً ما تفعله. وقد تعلمت القراءة منذ أن كانت في الرابعة، بحيث أدركنا أن مصيراً مدهشاً ينتظرها».
حصلت البنت على البكالوريا في السادسة عشرة من عمرها (كانت الوحيدة في عائلتها التي حصلت على البكالوريا)، وكان طموحها يتجاوز بلدة سيت الساحلية المتواضعة. وقد تميزت منذ صباها بميلها للألوان الغامقة، والزينة الواضحة، ولم ترغب في تغيير مظهرها عند وصولها إلى فيسبوك، حيث نصحها المسؤولون، بلطف، بإعادة النظر في ملابسها. وهي اليوم تميل إلى ارتداء تصاميم دار «ديور»، طالما أن راتبها يسمح بذلك. إنها امرأة في عالم رقمي يهيمن عليه الرجال، وكان عليها أن تتكيف لتفرض نفسها، مستعرضة أنوثة فاتنة. ثم إن صراحتها تتناقض مع العادات الأمريكية، فهي حملت بابنتها ويلو التي أنجبتها من زوجها ريمي ميرانس، الذي كان زميلاً التقت به في أول يوم من سنوات الدراسة.
اقرأ أيضاً:
- تجاوزت تايلور سويفت وصنعت نفسها بنفسها.. من هي لوسي جاو أثرى شابة في العالم؟
- الذكاء الاصطناعي يهدّد الإبداع.. يلحّن ويؤلّف ويخرج ويكتب رواية