31 يوليو 2025

خبيرة تجميل النجوم تكشف أسرارها.. هكذا يخرج الجمال من بين أنامل روبي مازويل

كاتبة صحافية

مجلة كل الأسرة

توصف بأنها الساحرة التي تُعيد ابتكار مهنة تقوم على لعبة الضوء والظلال. وهي اليوم مطلوبة من كبريات شركات الأزياء ومستحضرات التجميل: أنجيل، شانيل، لوبوتان، وحتى من متحف اللوفر. كل هذا، وهي لم تتجاوز السادسة والعشرين من عمرها. لكنها بارعة في المزج بين تقنيات كبار الرسامين، والأزياء الكلاسيكية، وثقافة البوب، لتجعل من المكياج فناً قائماً بذاته.

مجلة كل الأسرة

اسمها روبي مازويل. تقابل زوارها وهي تحتضن كلبتها «ماجي». تقيم في شقة تقع في الدائرة الثانية عشرة من باريس، منطقة تشبهها في أنها تجمع بين الطابع الشعبي. كل موجودات الشقة هي محاولة للعب على التناقضات: أرضية الخشب العتيق، والمصباح الذهبي المعلّق بكرات زجاجية بلون الحليب، وملصق ياباني من توقيع كوساما، وعلى طاولة القهوة، مصباح برتقالي يُضيء الغرفة كديكور فيلم. نحن في منزل خبيرة تجميل معروفة في ميدانها، ويتحدث عنها الجميع. لكن ثيابها بسيطة، وشعرها مربوط إلى الخلف مثل طالبات المدارس، وكحلها خفيف مرسوم بدقة. الكل يثق بها، ويبحث عن لمستها وحدسها. فهذه الشابة الصاعدة تؤمن بأن مهنة التجميل تتجاوز التعب بالأصباغ. إنها رؤية خاصة تدافع عنها بالقول: «المكياج ليس مجرّد تلطيف لوجوه البشر. إنه يسرد قصة، ويترجم مشاعر، على الرغم من أنه فن زائل، مثل رسم لوحة على الجلد».

التجميل رسم على الوجه
التجميل رسم على الوجه

من هي روبي مازويل؟

روبي ليس اسمها الحقيقي، فقد ولدت باسم أمبر. واختارت اسم الشهرة حين كانت مراهقة شاركت في مسرحية، وأعجبها اسم روبي. كانت روبي هي الشخصية الحالمة التي تمسكت بها لتنتقل إلى مكان أبعد. فقد نشأت في بلدة قريبة من باريس، وفي منزل مملوء بالكتب. والدها، مصور فوتوغرافي سابق، كان يجمع المجلات، وغرس في ابنته حب الصور. أما والدتها، فقد علّمتها حب الجمال والأناقة. وقالت لها إن الذوق السليم يكمن في البساطة، وأن يناسب الثوب صاحبته.

في سنٍّ مبكرة، رغبت روبي في أن تصبح خبيرة تجميل. أرسلت رسوماتها، وهي في الثامنة من عمرها، إلى صديقة والدها، خبيرة التجميل في لندن، كارولين بارنز. وكم كانت فرحتها كبيرة حين تلقت، في المقابل، طرداً يحتوي على مستحضرات ماكس فاكتور، وماسكارا بألوان الباستيل.. تقول: «كنت أسعد طفلة في العالم من شدة فرحي بتلك الهدية». تلك كانت لحظة البداية لولادة هذه الموهبة. لكن والديها أصيبا بصدمة عندما أخبرتهما أنها تريد أن تصبح خبيرة تجميل. كانا يتوقعان أن تصبح رياضية تحترف التزلج على الجليد.

مجلة كل الأسرة

من احتراف التزلج إلى التجميل

فقبل اهتمامها بالفرشاة والأصباغ، كان الجليد شغلها الشاغل، وكانت تمارس التزلج بمستوى عال، بين سن الخامسة والثامنة عشرة، وتتدرب ست عشرة ساعة أسبوعياً، كما أنها خاضت المنافسات، وعانت الإصابات، وتعوّدت على غرفة تبديل الملابس. وهي عندما تتذكر تلك الفترة من حياتها لا تنكر أنها كانت تخطط لأن تكون متزلجة محترفة. بل إنها ما زالت تصف تلك الرياضة بكثير من الحب حين تقول: «لم أكن أمشي، بل أنزلق، لأن الجليد مادة مختلفة عن الأرضية العادية، وهي طريقة أخرى لعيش الفراغ». لكن حلم الاحتراف تبدّد بعد كسر في عظم الذنب، فأصبح التجميل هو اللغة الوحيدة المتاحة. وفي الثامنة عشرة من عمرها، انضمت إلى ورشة دولية للمكياج في جامعة ريبوبليك. كما استدانت لتغطية تكاليف دراستها. وتعلّمت كل شيء: الملمس، ودرجات لون البشرة، وأنواع الفرش، والظلال، وقياس الألوان، وتصبح شاعرة حين تقارن مهنتها بالفنون التشكيلية وتقول: «نحن رسامو بشرة ووجوه».

مجلة كل الأسرة

خطوط وألوان وأشكال

في البداية، كانت تتولى تجميل الفنانين الذين يظهرون في تسجيلات موسيقى الراب. صوّرت فيديوهات غنائية لعدد من المغنين الشباب: واحدة تلو الأخرى، دامسو، حمزة، نيسكا، نينهو. كانت في العشرين من العمر، وتريد عملاً يوفر لها لقمة العيش. تنقلت بين غرف الملابس والجولات الفنية، وتعلمت كيف تحمل فرشاتها في السيارات المتحركة، وتضع البودرة خلف الكواليس، في غضون خمس دقائق فقط. لكن ما تصبو إليه هو الموضة. تحضر العروض وتشاهدها. تصقل ذوقها بالتجربة. ثم في أحد الأيام جاءتها فرصة غير متوقعة. التقت بفنانة تدعى جويندولين، وهي خبيرة سابقة تعمل معلمة في محترف للتجميل، ومتخصصة في ترميم المنحوتات الآسيوية، امرأة صارمة بقدر ما هي مبدعة، تطوّعت لتعليم روبي كل شيء، قالت لها: «راقبي اللوحات، اقرئي الطيّات، الظلال، الأضواء. كل شيء موجود هناك».

بدأت روبي تنبش أعداد المجلات القديمة، وتتأمل صور الممثلات لكي تستخلص الخطوط، والألوان، والأشكال. كانت تتعلم من القديم لكي تبتكر الجديد. وهي تعترف بأن كل ما تفعله اليوم ينبع من هناك، وتؤكد أن «فن المكياج هو قراءة للعالم». لقد كانت في الثالثة والعشرين من عمرها حين ظهر أول عمل لها على غلاف مجلة GQ، مع لوكا بوث. كان أحد المصممين قد ألغى موعده مع المصور فتم استدعاء روبي على عجل، لكي تنقذ الموقف. وصادف أنها كانت تتسوق عندما تلقت الرسالة. لكنها تركت كل شيء وأسرعت إلى العنوان المحدّد.

مجلة كل الأسرة

لقاء مع أنجيل.. وعلامة مميّزة

ثم جاء لقاؤها مع المغنية أنجيل الذي غيّر كل شيء. لقد تعرفت إليها بفضل صديق مشترك، وكانت النتيجة ثلاث سنوات ونصف السنة من التعاون، والولاء النادر. كان ذلك مع بدء الجائحة، حيث رصدت المغنية أعمال روبي على «إنستغرام» خلال فترة الحجر، وتأكدت من موهبتها. أصبحت روبي شخصية مميّزة في عالم أنجيل، حاضرة في جولاتها، وفيديوهاتها الموسيقية، وحملاتها، وقصصها المنشورة بانتظام على مواقع التواصل. كانت صديقتها بقدر ما هي خبيرة تجميل، بل شخصية جمالية موازية تهتم بها الصحافة.

في أول زيارة لها لمنزل المغنية، لاحظت روبي تشابه ذوقيهما «كانت لنا الكراسي والمصابيح نفسها، ونشترك في اعتماد تصاميم السبعينيات، والخطوط الكلاسيكية، والتفاصيل الصغيرة. لقد نشأ بيننا نوع من التخاطر. أفهمها من دون شروح. تخاطبني بكلمة فأعرف ما إذا كانت تعني إطلالة طبيعية، أو كحلاً حادّاً، أو أحمر شفاه مطفياً». وفي الجولات، وجلسات التصوير، وعلى السجادة الحمراء، تتوقع روبي احتياجات أنجيل، وتستعد لها كما تتوقع مزاجها. تصبح نظرتها أكثر رقة إن كانت ضعيفة، وأكثر صرامة إن كانت تشعر بالحزم. وكثيراً ما كانت المغنية تقول إن روبي تقرأ أفكارها. والحقيقة أنها لم تكن عرّافة، بل تجيد الاستماع إلى من تشتغل على وجوههم.

تتشارك الشابتان أيضاً في حبّهما لكحل العيون الواضح غير المموّه، والقصّات الأنيقة للشعر، وللبشرة الناعمة. لقد رسمتا، معاً، صورة لأناقة عصرية جذبت العلامات التجارية الشهيرة، ولا سيما «شانيل». ومع الوقت، أصبحت روبي علامة مميّزة، من دون أن تنكر دور أنجيل في تلميع اسمها كخبيرة تجميل. فالمغنية تتمتع بقدرة على ترجمة المشاعر إلى مكياج، والتكيّف من دون مبالغة. وحتى في جلسة تصوير كبيرة ومهمة، لا تفقد أبداً تلك اللمسة الغريزية القائمة على ثقتها بروبي. ويحدث أن تأتي أنجيل للتصوير مرهقة بعد ليلة لم يغمض لها فيها جفن. لكنها تعرف أن روبي تستطيع أن تجعل وجهها مشرقاً في أقل من نصف ساعة.

بلغت علاقتهما ذروتها في عام 2023 عندما رافقت روبي أنجيل إلى حفل «ميت جالا»، الحدث الأكثر ترقباً في عالم الموضة. كانت الأجواء في منتهى التوتر. وهناك نجمات يأخذن المصعد معك فجأة، مثل كريستين ستيوارت، أو ماريون كوتيار، أو أميرة موناكو، أو حتى الممثل الأمريكي جاريد ليتو مرتدياً زيّ قطة. وفي مساء الحفل لم تنشغل روبي سوى بمكياج أنجيل، لكنها تحركت بين الأيقونات، وتفرجت على كل ما يجري في الكواليس. كل شيء مصمم بدقة، ومحسوب بالثانية. وهي كانت جزءاً من الصورة، ولكن من دون أن تظهر في دائرة الضوء.

مجلة كل الأسرة

مطبخ روبي

تصف روبي مازويل تلك اللحظات النادرة على حسابها الذي يتابعه 26 ألف شخص، وهو رقم يعتبر استثنائياً في هذا المجال، حيث غالباً ما يبقى فنانو المكياج في الظل. وهي تعرض رسوماتها، وأبحاثها، وتجاربها، في مواقع التواصل، وتقول: «أرسم دائماً قبل جلسة التصوير. أحتاج إلى الخيال والتأليف لأن المكياج كالنغمة الموسيقية، عليكِ تدوينه». وهي لا تتوقف عن إجراء تجارب واختبارات على نفسها، أي على وجهها، وتمزج الأصباغ مثل عالمة كيمياء صغيرة، أو رسامة ماهرة، عدّتها الفرشاة والأصباغ التي تمزجها لكي تحصل على ما تريد من ألوان، وانعكاسات ضوئية. وهناك اليوم «مطبخ روبي»، وهو سلسلة فيديوهات أطلقتها على مواقع التواصل الاجتماعي، تنقل فيها تجاربها في تحويل خيالاتها إلى إطلالات مكياج دقيقة. وهي تتولى توثيقها كما لو كانت تؤلف كتاباً فنياً.

«كل الحياة مكياج»، هذا ما قاله لها فنان مُخضرم. وهي عبارة جعلت منها شعارها الخاص. كل حلقة فيديو مستوحاة من لوحة، أو حركة فنية، أو مشهد من الأخبار. إنها تريد أن تبرهن أن المكياج يُمكن أن يكون شكلاً من أشكال الذكاء البصري. إنه فكر، وثقافة، وتاريخ، وليس مجرّد جماليات. وفي إحدى الحلقات أعادت النظر في ألوان الرسام كليمت. وفي حلقة ثانية استلهمت لوحة «الجارية الكبرى» لإنجرس، حتى أنها أقامت شراكة مع «اللوفر». وبكت يوم اتصلوا بها من المتحف طالبين التعاون معها. لم تصدّق في البداية، لكنها قالت لنفسها لا بأس من التجربة، طالما أنهم فتحوا لها أبوابهم.

عملها يثير الإعجاب حيثما حلّت. وعندما تعمل مع مصور فأنها تستعد لجلسة التصوير بإحضار كتبها ورسومها. وتبني جسوراً بين العصور، وتسعى لأن تكون كل إطلالة مكياج قصة في حدّ ذاتها. وتستشهد بالعارضة الشهيرة السوداء جريس جونز، وبروثكو، والمطبوعات اليابانية، وبأحمر الخدود الذي يصل إلى الجبين. وتعرض طائراً أحمر وأرجوانياً، وضلالاً للعينين أعادت ابتكارها بدرجات اللون نفسها. وفلسفتها تتلخص في أن «الطبيعة موصلة للألوان، وعليك اتباعها فقط».

اليوم، وبصوت خافت، تواصل روبي تطوير مهنتها، وتناضل من أجل الاعتراف بفناني المكياج الفرنسيين، كما هو الحال في الولايات المتحدة، أو بريطانيا، حيث حققت بات ماكجراث، وإسامايا فرينش شهرة واسعة. وطموحها هو الاستمرار في سرد القصص من خلال الضوء، والأصباغ، والألوان. فالمكياج قد يدوم، أحياناً، ساعة أو ساعتين ثم يُزال، لكن الصورة تبقى، وتنقل المشاعر كاللوحة الفنية.