08 ديسمبر 2025

إنعام كجه جي تكتب: يفترقان لكي يلتقيا

صحافية وروائية عراقية تقيم في باريس

مجلة كل الأسرة

هي ليست بِدعة فرنسية جديدة. فقد قال العرب في أمثالهم القديمة: «زدْ غباً تزددْ حباً». أي أن غيابك يؤجج الشوق إليك، ويجّدد، بالتالي، محبتك في القلوب. أيّ قلوب؟ إنها تلك التي تحمل لك الودّ، وكل المشاعر الطيّبة.

ماذا عن الفرنسيين الذين طلعوا علينا بهذه التجربة التي تنصح الزوجين المصابَين بالملل، بأن يفترقا لفترة من الزمن، لكي يتجدّد الشغف، ويعودا سِمناً على عسل؟ يتحدث خبراء العلاقات العاطفية، وينثرون النصائح بخفة الفراشات كأن الحياة نهر رائق يعوم فيه المرء مثلما يشاء، وكما يحلو له. هل الفراق قرار يسير يؤخذ بالضغط على زر إلكترونيّ؟ وما الذي يضمن استعادة العلاقة بعد فترة الغياب؟

حسناً، لنذهب مع الكذاب حتى باب الدار. إن منصور وسامية يمرّان بمرحلة من فتور المشاعر. وهما يريدان تجربة النصيحة الفرنسية لكي ينقذا حبهما من التبلّد والجمود. ستأخذ سلمى حقيبتها وتسافر. إلى أين؟ وكيف تحصل على إجازة مفتوحة من عملها؟ والأهم من هذا، لمن تترك ولديها اللذين ما زالا في سِن رياض الأطفال؟

منصور أمره أسهل من سامية. فهو يملك شركة خاصة به، ويستطيع أن يديرها من بعيد، في حال تغيّب عن الدوام، لأسبوع أو أسبوعين. لكنه لن يسمح لزوجته بأن تأخذ الطفلين معها. بل لن يوافق على ذهابها بعيداً عن البيت والولَدين... وعنه.

في فرنسا، تستطيع الزوجة أن تركب القطار وتذهب للإقامة عند جدتها في الريف. أو في فندق صغير على الساحل الجنوبي. لن يحاسبها أحد، ولن يتطفل على وحدتها. ويستطيع الزوج أن يطير إلى إسبانيا، ويتمتع بشمس الأندلس، ويجدّد نشاطه. لن تلفت رحلته انتباه أيّ كان، بل سيكون السائح المنشود المرحّب به.

وفي فرنسا، لن تتحرك الأنوف التي تدسّ رؤوسها في شؤون الغير، وتصفق لرائحة الفضيحة. كل واحد يلتفت إلى شؤونه، ويحترم خصوصية الأقارب، والجيران، وزملاء العمل. أما في حالة منصور وسامية، فإن ألف أخٍ وابن عم، سيتدخل طرفاً في الخلاف، كأن ناراً شبّت في بيته، وامتدت إلى ثيابه، وسيُهرع لإطفائها، ولإصلاح ذات البين.

يمكن، في فرنسا وعموم أوروبا، أن تتعرف الزوجة إلى رفيق في المكان الجديد، وأن ينشأ بينهما استلطاف، يتطور إلى كارثة تنسف بيتها الزوجي. والأمر نفسه يمكن أن يصادف الزوج تحت سماء غرناطة. وفي حال قرّرا الانفصال فإنهما مسؤولان عن نفسيهما، باعتبارهما بالغَين وراشدَين. لن تلطم والدة الزوجة على رأسها، ولن يثور والد الزوج ويهدّد باحتجاز الحفيدَين لديه.

جميلة ووردية هي الصورة التي ترسمها لنا البدعة الفرنسية. يفترقان ثم يعودان، وكل منهما يغنّي للآخر: «صحّاك الشوق من نومك...». وتواصل الحياة مجراها بعذوبة، ومن دون سين وجيم، و«بلاش عتاب يا حبيبي». أما المثل العربي المذكور في أوّل المقال، فإنه مخصّص للمعارف والأصدقاء، وبالتأكيد ليس للأزواج. 

اقرأ أيضاً: من الملل إلى النفور... كيف تنقذ زواجك قبل فوات الأوان؟