تشير الدراسات الحديثة إلى أن فكرة الشراء تراود المرأة كل 60 ثانية، وأن 90 ٪ من النساء مصابات بهوَس الشراء، وهو الشراء الذي يبلغ معدلات تزيد على حاجتهنّ، من دون أيّ مبرّر منطقي، سوى أنهنّ يعانين اضطرابات مزاجية، أو قلقاً، أو عدم استقرار عاطفي، وربما أيضاً صعوبة التحكم في رغباتهنّ المتكررة.
وكذلك تؤكد الدراسات أن أغلب النساء أكثر عرضة للإصابة بهوس التسوّق من الرجال بنسبة تزيد على 75% ، وربما يرجع هذا إلى أن النساء أكثر تعرّضاً للضغوط النفسية من الرجال، وإلى اهتمام الرجال بالعمل بشكل أساسي، بينما تتولى المرأة مسؤوليات أكثر إرهاقاً.
ولكن الأمر يزداد سوءاً في خضم موجات التسوّق الإلكتروني، والمسابقات، والمراجعات المنتشرة، والجري وراء الخصومات، ما يجعلنا كأننا في سباق لشراء مستلزمات في الأصل لسنا في حاجة إليها.
طرحت «كل الأسرة» على خبراء الطب النفسي وتعديل السلوك عدداً من التساؤلات حول هوس التسوّق القهري، وكيف يحدث، وأهم أسبابه، وما هي العلامات التي تؤكد أنكِ مصابة به، وكيف تعالجين هوس الشراء القهري.
ما هو هوس الشراء؟ ولماذا يصيب النساء أكثر من الرجال؟
في البداية، يوضح الدكتور هشام ماجد، استشاري الصحة النفسية والمدير العلاجي في مستشفى العباسية للصحة النفسية، بالقاهرة، المقصود بهوس الشراء قائلاً: «التسوق القهري، أو اضطراب الشراء القهري، هو حالة نفسية غير صحية مرتبطة بالمزاج، والقلق، والأكل، وتبدأ بالظهور في نهاية فترة المراهقة، وبداية سن العشرين، وتتميز بالشراء المستمر، والمفرط، والاندفاعي، وغير القابل للسيطرة، ومن دون الاكتراث للعواقب المالية والاجتماعية، وأحياناً تتبعها حالة من الندم، وفي أحيان أخرى يستمر الشخص في ذلك من دون وعي».
ويؤكد الدكتور هشام ماجد أن «هذه الحالة تصيب النساء بنسب أكثر بكثير من الرجال، وتعاني المرأة فيها الشعور بالنشوة والإثارة، قبل التسوّق أو أثناءه، ولكن يتبعه الشعور بالذنب، والندم، والرغبة في التراجع ومحاسبة النفس والاكتئاب، وتدنّي احترام الذات. ويرى أن المولات تستهدف بالأصل جمهوراً من النساء، وعقليتهنّ، فهي التي تزرع فيهنّ شهوة الشراء، وتقرنها بالمتعة، وتضييع الوقت، وهي التي لا تزال «تتآمر» بكل عروضها، واستعراضاتها، وإعلاناتها، على جيب المرأة ، حتى صنعت من بعضهنّ كائناً استهلاكياً، لا همّ لها إلا أن تملأ عربتها، حتى ولو تركتها منبوذة قرب بوابة الكاشير: إنها عربات إطفاء شهوة الشراء».
هوس التسوق القهري... عندما يصبح الشراء نوعاً من الإدمان!
ويرجع الطبيب النفسي الدكتور هشام ماجد أسباب الإصابة بحالة التسوق القهري إلى عوامل عدّة، من أهمها:
- أحياناً، يكون الأمر له علاقة بالعوامل الوراثية في العائلة، فالأشخاص الذين لديهم تاريخ مرضي مع الوسواس القهري والاضطرابات والقلق، هم أكثر عرضة لتطوير سلوك الشراء القهري.
- تراكم المشاعر السلبية لدى المرأة قد يدفعها إلى الهروب بالخروج في جولات للأسواق والمحال، للتسوق بلا وعي ولا هدف، لتهدئة المشاعر المؤلمة.
- المرأة التي تتعرض للقهر، والإهانة، والمعاملة السيئة التي تصيبها بتدنّي احترام الذات قد تلجأ للتسوق بهدف الهروب من الواقع، وتعزيز صورتها الذاتية، وشراء الأشياء التي تعتقد أنها تشعرها بتحسن تجاه نفسها، كنوع من التطييب الذاتي، حتى ولو لم تكن بحاجة إلى ذلك، بسبب قلة الثقة بالنفس.
- رغبة بعض النساء في الوصول إلى مرحلة الكمال تدفعهنّ إلى شراء الأشياء للوصول إلى ذلك، مهما كلفها الأمر، وقد تشعر بأنها ليست جيدة بما فيه الكفاية، ما يدفعها لاستخدام التسوق كوسيلة لملء هذا الفراغ.
- من الممكن أن يكون الشراء القهري نوعاً من الإدمان، وقد تجد المرأة المدمنة على التسوق أنها غير قادرة على التحكم في إنفاقها، وحدودها الشرائية.
- الحرمان العاطفي في مرحلة الطفولة، فالتسوّق القهري قد يكون اضطراباً مرتبطاً بالحرمان العاطفي منذ الصغر، وعدم القدرة على تحمّل المشاعر السلبية، والحاجة إلى ملء الفراغ الداخلي، والبحث عن الإثارة.- تبعية بعض النساء لصديقاتهنّ وقريباتهنّ بشكل مفرط، قد تكون أحد الأسباب الهامة للإصابة بالتسوّق العاطفي.
الحاجة إلى التميز أو محاربة الوحدة
من جهتها، تلفت الدكتورة داليا عنبة، استشارية الأمراض النفسية وتعديل السلوك بالقاهرة، إلى أن الشراء القهري هو مصطلح نفسي يصف الرغبة القهرية في التسوق، ويعتبر أحد اضطرابات الاندفاع، وعدم القدرة على السيطرة والتحكم في الرغبة بالقيام بعمليات شراء جديدة، وبشكل مستمر، لأشياء ضرورية وغير ضرورية، مع الشعور بنشوة غامرة أثناء عملية الشراء، بغضّ النظر عن الحاجة أو الميزانية المالية المتاحة. وهذا لا يقتصر فقط على الأشخاص الذين يقضون وقتاً أكثر من اللازم في التسوّق، أو الذين يفكرون في شراء الأشياء بشكل مزمن، ولكنهم لا يشترونها، وفي أغلب الأحوال يكون السبب في ذلك هو الحاجة إلى الشعور بالتميز، أو لمحاربة الشعور بالوحدة، وأملاً بتغيير الحياة نحو الأفضل.
وترى الاستشارية النفسية د. داليا عنبة أن بعض النساء أصبحن يمِلن إلى التسوق في الخفاء، وذلك لشعورهنّ بالخجل من إدمانه، ويلجأن للكذب وإخفاء المشتريات، ما يزيد من سوء الحالة النفسية لديهنّ، بسبب زيادة الديون، وتوتر العلاقات مع أفراد الأسرة، والأصدقاء.
وللأسف، فإن إمكانية الشراء الإلكتروني عن طريق شبكة الإنترنت مكّنت الشراء القهري من أن يكون اتجاهاً مستقبلياً، يؤثر في المستهلكين، من كلا الجنسين.
كيف تعالجين هوس الشراء القهري؟
7 خطوات تحدثت عنها الدكتورة داليا عنبة يمكن أن تساعد المرأة على التغلب على الشراء العاطفي القهري، وهي:
أولاً: يجب تحديد مواعيد ثابتة للتسوق والقيام به برفقة أشخاص متوازنين لا يسرفون في عملية الشراء.
ثانياً: التوقف عن المتابعة المبالغ فيها للإعلانات التجارية الخاصة بالمنتجات التي تقبلين على شرائها بشكل زائد.
ثالثاً: أن يتم التعامل مع بطاقة ائتمان على أنّ لها حدّ ائتمان غير مبالغ فيه، لتقنين الشراء العاطفي.
رابعاً: عدم الذهاب إلى الأسواق والمولات من دون تحديد قائمة الشراء المطلوبة ومحاولة عدم الخروج عنها.
خامساً: جرد المتعلقات الشخصية والأشياء التي ندمن اقتناءها لتذكّرها، وعدم الإقدام على تكرارها قريباً.
سادساً: الاندماج في نشاطات اجتماعية وثقافية ورياضية تقلل من رغبتنا الملحّة في الشراء غير المبرر.
سابعاً: التوقف عن الخروج للتسوق في أوقات الملل بهدف تغيير المزاج وتمضية الوقت.
علامات تدل على إصابتك بهوس الشراء
أما الدكتورة أشجان نبيل، الخبيرة الأسرية واستشارية الطب النفسي بالقاهرة، فترى، من جانبها، أن إدمان التسوّق ليس مرضاً في حدّ ذاته، وإنما هو انعكاس لمشكلات نفسية يعانيها الشخص المدمن، وتقول: «نعم، النساء يحببن التسوّق، ويجدن فيه متعة كبيرة، أكثر من الرجال، ولكن قد تعاني بعض النساء هوس الشراء، ويصبح لديهن هاجس يسيطر عليهنّ لشراء كل مايرينه».
وتحدّد الاستشارية النفسية د. أشجان نبيل العلامات التي تدل على الإصابة بهوس الشراء في 7 نقاط هامة، هي:
1- صعوبة مقاومتك شراء الأشياء غير الضرورية، والتخلي عن جولاتك الشرائي، وشراؤك أشياء لا تحتاجين إليها إطلاقاً، ولا تستطيعين استخدامها في الوقت الراهن.
2- استجابتك للمشاعر السلبية وذهابك لشراء أشياء بدافع تمضية الوقت وإذهاب الملل.
3- إخفاء المشتريات عن الآخرين والشعور بالذنب والخجل من السلوك الشرائي.
4- شراء الأشياء لملء الفراغ العاطفي، أو لإقناع الآخرين بها.
5-مواجهتك لصعوبات مالية بسبب التسوّق غير المنضبط ومواجهة مشكلات في العمل والأسرة، ومع ذلك لا تتوقفين عن الشراء غير المبرّر.
6- الشعور براحة مؤقتة بعد القيام بالتسوّق، ثم تليها خيبة أمل لأنك قمت بتكديس أشياء عديمة الجدوى تتسبب بإحداث الفوضى في بيتك، بخاصة في الخزائن والأدراج.
7- الانشغال المستمر بالبحث عن الأشياء والعروض والخصومات وصعوبة مقاومة حملات التخفيضات.
نصائح من طبيبة نفسية للسيطرة على الشراء العاطفي
- حاولي أولاً فهم الدوافع وراء رغبتك في الشراء المستمر، هل تقومين بذلك من أجل تلبية احتياجات عاطفية؟ أم لتعويض نقص عاطفي؟ وكوني على دراية بمشاعرك، وعواطفك، وأفكارك، أثناء التسوق، وتساءلي دائماً حول مدى ضرورة الشراء.
- ضعي ميزانية واضحة لها حدود للإنفاق الشهري على الشراء، وحاولي دائماً ألا تتخطيها، أو تتجاوزيها، تحت أي ظرف من الظروف.
- قبل إجراء أيّ شراء فكّري في الآثار طويلة الأمد لهذا القرار في ميزانيتك وفي حالتك النفسية.
- التسوّق فن، وحتى تتمكني من اختيار مشترياتك بشكل ناجح عليك ترتيب أولوياتك، وما قد تحتاجين إليه حالياً، وما يمكن تأجيله للفترات المقبلة- التواصل مع المشاعر بصدق، اسألي نفسك: لماذا أرغب في شراء هذا الغرض؟ هل أحاول الهرب من مشاعري؟ هل أحاول إثبات شيء ما؟ هل أستثمر وقتي وطاقتي في أمر يهمني حقاً؟
- أقول للرجال: زوجتك قد تحتاج إلى جلسات نفسية لمعرفة الأسباب، والضغوطات، والمشكلات النفسية الكامنة وراء هذا الهوس، ومعالجته من جذوره، فقم بمتابعة حالتها مع مختص نفسي يحدّد، بدقة، مدى هوسها، ويساعدها على وضع برنامج للسيطرة على الشعور والرغبة في الشراء.
- يجب الحرص على تجنب هوس الشراء اللحظي بعدم الشراء مباشرة، والعودة في وقت لاحق وسوف تلاحظين أن رغبتك في شراء المنتج اختفت حتى لا تشعري بالندم بعد الشراء، بخاصة في المنتجات التي لا تكون قابلة للإرجاع.
- ممارسة تمارين التنفس في حال انتابتك الرغبة القهرية لشراء غرض ما قد لا تحتاجي إليه.
- يجب على كل أم أن تربي ابنتها، منذ طفولتها، على القناعة، وعدم تشبيعها بأفكار تخص الحياة المملوءة بالملابس، وحب الاقتناء، والتباهي، والجري وراء الإعلانات التجارية.
- الدعم الأسري، فمن الهام أن تتحدثي مع زوجك بصراحة عن مشكلتك، ورغبتك في التغلب عليها، فقد يكون دعم الأسرة عاملاً هاماً في تعزيز عزيمتك والمساعدة على مراقبة الإنفاق، وتذكيرك دائماً في الوقت المناسب.
- تذكّري دائماً قبل كل عملية شراء أن متعة الشراء قد تمنحك شعوراً مؤقتاً بالسعادة، لكن سرعان ما تزول هذه الراحة، وتتحول إلى إحساس بالذنب، أو الندم.
- تذكّري دائماً أنه حتى تنجحي في حياتك ويصبح لعملك قيمة عليك ادّخار بعض الأموال عن طريق جعل إنفاقك أقل من دخلك، وعلى الرغم من أن الأمر يبدو للكثيرات بسيطاً، لكنه ليس كذلك إذا لم تتمتعي بضبط النفس للقيام به.
اقرئي أيضاً: اختبري نفسك: هل أنتِ مهووسة بالشراء عبر الإنترنت؟
