16 نوفمبر 2025

لمناسبة يومه العالمي... التسامح يزيد من قيمة الحب ويعزز السعادة الزوجية

محررة متعاونة

مجلة كل الأسرة

الحياة بين أيّ زوجين لا تخلو من المشكلات والأخطاء، مهما كان مدى سعادتهما، وتوفر التفاهم والمودة بينهما. ولا يمكن اعتبار الزواج ناجحاً إلا إذا توفرت له عوامل التماسك والاستقرار، والتي من أهمها التسامح والعفو، فمن منا لا يخطئ؟ ولكن بعض الأزواج قد يرون أن التسامح نوعاً من الضعف والإهانة.

خبراء العلاقات الزوجية يؤكدون دائماً، أن التسامح وتقديم الاعتذار للطرف الآخر من ضروريات الحياة الزوجية التي ينبغي على الزوجين تطبيقها، وكلمة آسف من أسهل الكلمات التي تنهي أي خلاف، مع الحفاظ على كرامة الطرف الآخر، أو تقديم الاعتذار بالأفعال. ويشدّدون على أهمية التسامح بين الزوجين، وأنه لا يعتبر ضعفاً أبداً، بل هو قوة تظهر مدى عمق الحب والاحترام، بمعنى أن يكون لديك القدرة على رؤية الخطأ، ولكن تختار البقاء إلى جانب من تحب، لأنك تؤمن بأن العلاقة أكبر من لحظة غضب، أو كلمة جارحة. ويرون أن الأمر يحتاج منا أن نفتح قلوبنا لنفهم أن كل منا معرض للخطأ، وأن الغفران هو بداية جديدة، وليس نهاية.

وبمناسبة اليوم العالمي للتسامح الموافق في 16 نوفمبر، سألت «كل الأسرة» عدداً من خبراء العلاقات الزوجية والأسرية: هل يمكن في هذا العالم المملوء بالضغوط والتحدّيات أن تبقى لغة التسامح والاعتذار هي الجسر الذي يربط بين قلبين يسيران معاً في رحلة الحياة، وتزيد المحبة والمودّة بينهما؟

مجلة كل الأسرة

لا تجعلوا ساعة الخصومة تهدم سنوات من المودّة

بداية، يؤكد الخبير النفسي الدكتور نور أسامة، استشاري الطب النفسي وتعديل السلوك بالقاهرة، أنه لا يوجد بيت بلا أخطاء، ولكن القلوب الكبيرة تعرف كيف تغفر، لأنها تدرك جيداً أن البيت السعيد لا يقف على المحبة وحدها، بل لابد أن تتبعها روح التسامح بين الزوجين، الأمر الذي لا يأتي بغير تبادل حسن الظن والثقة بين الطرفين، ويقول: «المرونة، والعقلانية، والتسامح، وضبط النفس، من الوسائل الإيجابية التي تحافظ على علاقة زوجية مستقرة، فكلما كان لنا قلب يغفر، ونفس تعفو، كان شريك حياتنا قريباً منا، لأنه سيشعر بالأمان، ولن يتعرض للوم والعتاب، لذلك لا يوجد في العلاقة الزوجية أمر هام بقدر التسامح الذي يعتبر أهم أساس في بناء علاقة زواج ناجحة، ليس فيها خلافات جسيمة».

ويشير الدكتور نور أسامة إلى أنه عندما نتسامح نعطي أنفسنا، وشريكنا، فرصة للنمو، ونتعلم أن نرى الجمال في النقائص، وأن نعيش بسلام مع ما لا يمكن تغييره، وأن نختار الحب كل يوم، حتى عندما يكون الأمر صعباً، ففي كل الأحوال سيبقى التسامح هو الهدية التي نقدمها لأنفسنا وشريكنا، عندما نقرّر أن نعيش بقلب مفتوح، وأن نعطي العلاقة فرصة لتزدهر من جديد.

مجلة كل الأسرة

فوائد التسامح بين الزوجين

ويشدّد الطبيب النفسي د. نور أسامة على أهمية وفوائد التسامح بين الزوجين، وتتلخص في نقاط عدّة:

- التسامح يعتبر أسمى أشكال الحب ويرسّخ الاستقرار، ويخلق جواً من الأمان والراحة النفسية بين الزوجين.
- التسامح والتغافل ضروريان في شكل العلاقات الأسرية، ونسيان الخطأ، والعفو، والتسامح بين الزوجين، تجدد الحياة، وتعيد الترابط بينهم.
- التغافل يعني تقبّل الآخر، بإيجابياته وسلبياته، وبالتالي، يزيد الحب والتقدير بين الزوجين، وهو أمر يختلف كثيراً عن التنازل، لأنه يعبّر عن لغة حب عظيمة تجمع الزوجين.
- التسامح ينشط العلاقة العاطفية بين الزوجين ولا يمحو الحديث العقلاني والنقاش البنّاء.
- يكون التسامح غالباً، خطوة هامة للتخلص من مسببات الخلافات الزوجية بعد الحوار، والنقاش العقلاني والمنطقي، والوصول إلى قرار المسامحة عند ارتكاب أحد الشريكين خطأ بحق الشريك الآخر يتم فتح صفحة جديدة وإغلاق الصفحة التي تحمل ذكريات، سيئة ومؤلمة.
- التسامح يمنع تراكمات المشكلات التي تؤدي إلى الفتور، أو الانقسام، ويجنب الزوجين الخلافات والمشكلات العائلية.

لكن في المقابل، يرى الاستشاري النفسي أنه ليس لزاماً على الزوجين أن يتبنيّا دائماً مبدأ التسامح واللين، ففي بعض المواقف يكون الحزم والحدة ضرورة نفسية لحماية الحدود الشخصية، ومنع تكرار الأذى، ويقول: «أحياناً يجب ألا تخاف من أن تكون مفاجئاً، وغير متوقع ومختلفا عن الصورة التي يرسمها الآخرون لك، فالتوازن بين التسامح والصرامة هو ما يحفظ كيانك النفسي سليماً».

لماذا يجب أن نغفر لشريك حياتنا؟

أما الدكتورة منى رضا، أستاذة الطب النفسي بجامعة عين شمس، فتؤكد، هي الأخرى، أن من الطبيعي جداً أن يمرّ الزواج بمراحل مختلفة من المد والجزر، الهام أن نتعامل مع أوقات الخلاف بهدوء، وتفكير عقلاني، للوصول إلى حل، لأن الخصام المتكرر، والعناد، ورفض الصلح توصل الطرفين إلى طريق مسدود، وغضب وانفعال يؤذي الجميع، والأفضل، في جميع الأحوال، هو تقليل الخصام الذي يسبب الفجوة بين الزوجين، وهذا لا يكون إلا بالعتاب الجميل.

وتوضح «الزواج الناجح يقوم بالأساس على التسامح والعفو بين الزوجين، وعدم الوقوف على أخطاء كل طرف، ولابد أن يعلم الزوجان أنه لا يوجد شخص في الدنيا ليس لديه أخطاء، لكن الخطأ الحقيقي هو أن يستمر الطرفان يكيل كل منهما للآخر الاتهامات، ويظلّان شهوراً في خصام، فلا تسامح ولا عفو، وبهذه الطريقة تكبر الفجوة بينهما أكثر وأكثر».

مجلة كل الأسرة

هل التسامح بين الزوجين ضعف وإهانة؟

وحول السؤال الذي يطرحه أيّ زوج، أو زوجة: هل التسامح والتغاضي يعتبر ضعفاً، ويظهر لدى الطرف الآخر أنه بلا كرامة؟. تجيب الدكتورة منى رضا: «هذا تفكير خاطئ يفوّت على الزوجين فرصاً كبيرة في الاستمتاع بالحياة معاً، فقد أطلق الله عز وجلّ، على الزواج في كتابه العزيز مسمى «الميثاق الغليظ»، لذا، لابد من المحافظة على هذا الميثاق حتى يظل الزوجان في معية الله تعالى، فالسعادة الزوجية تأتي بقرار من الزوجين اللذين يبحثان عن زواج موفق، ويصمد أمام أزمات الحياة وضغوطها، ما يتطلب جهوداً مشتركة يبذلها كلاهما، على مدار سنوات الزواج. ولن تتحقق سعادتنا الزوجية أبداً إلا بالرجوع إلى منهج الإسلام، والعمل بتعاليمه التي تحث على الصبر والعفو والتسامح بين الناس».

وتشير استشارية العلاج الزواجي إلى أنه «حين يدرك الزوجان أن العلاقة بينهما ليست ساحة معركة، بل هي رحلة شراكة وتفاهم، يصبح تقديم التنازل موقفاً نبيلاً، والاعتذار لمسة حانية تعيد دفء المشاعر».

مجلة كل الأسرة

5 خطوات تساعدك على التسامح مع شريك حياتك

وتحدّد د. منى رضا خمس خطوات لنتمكن من التسامح الحقيقي، هي:

أولاً: البحث عن الأسباب الحقيقية وراء الخلافات مع الطرف الآخر، ومواجهة النفس والأخطاء والاعتراف بها بالاعتذار، عندما يتطلب الأمر.

ثانياً: نسيان الماضي، والتغافل عن الأشياء والمواقف التي وقعت وعدم استرجاعها لاحقاً.

ثالثاً: إعطاء الطرف الآخر، الزوج أو الزوجة، بعض الوقت ليهدأ، ويستجمع شتات نفسه.

رابعاً: تذكير النفس بالمواقف الإيجابية للشريك، وعدم الانسياق وراء أيّ محاولات للوقيعة من الآخرين وقت وقوع الخلافات.

خامساً: البحث عن طرق لتحسين وتجديد العلاقة الزوجية واعتمادها، بخاصة في أوقات الخصام والزعل لإصلاح ما أفسده الخلاف.

متى يتعارض التسامح بين الزوجين مع الكرامة؟

وفي السياق نفسه، تؤكد الاستشارية النفسية والمتخصصة في العلاقات الزوجية والأسرية بالقاهرة د. أميرة الساعي، أن الزواج الناجح ليس خالياً من الخلافات، لكنه مملوء بالرغبة في تجاوزها، والقدرة على الاعتذار، والاستعداد للتنازل من أجل من نحب «الحياة الزوجية بحاجة إلى ثقافة التسامح بين الزوجين، فلا يمكن أن يقف الزوجان على الأخطاء، بخاصة الصغيرة منها، فهناك أخطاء يجب تفهّمها، وأخرى يجب معرفة أسبابها لتفاديها، وأخطاء يجب أن يتعهد شريك الحياة بعدم تكرارها، حفاظاً على كرامة شريك حياته، وعلى روح العلاقة في ما بينهما».

وترى د. أميرة الساعي، أن ما يهم في إشكالية التسامح بين الزوجين أن يقدّر الطرفان معنى التسامح والغفران، وأن يتذكّرا ذلك جيداً، حتى يدوم الود، والوفاق، والانسجام. كما أن هناك أموراً يجب أن تؤخذ في الاعتبار، وهي عدم استغلال أحد طرفي العلاقة للتسامح عندما يكون الطرف الآخر شخصية متسامحة بطبعه، فلا يصحّ أبداً أن يستغل الطرف الآخر هذه النقطة لاقتراف مزيد من الأخطاء في حقه، لأنه يعي مسبقاً ردّ فعل الطرف الآخر، خصوصاً أن الشخص المتسامح دوماً لن يقبل بتكرار الأخطاء كثيراً، ولن يقبل بأن يكون تسامحه سبباً في جرح كرامته.

ثقافة التسامح... كيف نتعلمها ونطبّقها؟

كلمة  آسف، أو أعتذر، لا تقلل أبداً من قيمتك أمام الطرف الآخر، لذلك، لا تبخل بها أبداً في الوقت المناسب، حتى لا تزداد التراكمات وتتسع الفجوة ويتحول الحب إلى جفوة لا تمحوها الأيام.

لا شك في أن الأزواج الذين يمارسون التسامح يعيشون حياة أقل توتراً. كما أن قراراتهم أثناء الخلاف تكون أكثر عقلانية وهدوءاً. لأن التسامح يقلل من ضغط المشاعر السلبية، كالغضب، والرغبة في الانتقام.

وينبغي أن يدرك الزوجان جيداً، أن التسامح الحقيقي لابدّ أن ينبع من قوة وليس من حالة اضطرار، وألا يرتبط التسامح بالمنّ، والمعايرة، والتشهير بالطرف المخطئ لدى العائلة، أو المحيطين به،  كما أن التسامح الزائد خطأ لأنه، أحياناً، يكون كأن لم يكن، وإنما يتم على أن يعترف الطرف الآخر بخطئه، حتى لا يتكرر مرة أخرى.

تعلموا تجاوز الأخطاء الصغيرة من دون جدال طويل، أو لوم مستمر، فالخصام المتكرر، واللوم المستمر، يميتان لذة كل شيء، وإن كان من غير قصد، لذلك امدحوا حسنات الطرف الآخر، وتجاوزوا عن الأخطاء، فإن الصلح والتسامح مثل المفاتيح التي تفتح قلوب المحبين.

والترجمة الحقيقية لمشاعر الحب بين الزوجين تكمن في الاحترام والتقدير المتبادل، وفي الإدراك التام لحقوق وواجبات كل واحد منهما تجاه الآخر، لكن هذا وحده لا يكفي، ومن دون التسامح وثقافة الاعتذار في الوقت المناسب لن تستقيم الحياة.

فالتسامح يمنح العلاقة الزوجية فرصة جديدة للاستمرار، لكن الأمر يستوجب الحوار والحديث بشفافية وصراحة، أو اتخاذ قرار بالانفصال بالتراضي، من ندون أيّ حقد، أو مشاعر سلبية.

ويجب على كلا الطرفين أن يتعلم الاستماع الجيد للشريك حينما يشرح وجهة نظره، فقد يكون جوهر المشكلة هو سوء تقدير الأمور، وفهماً خاطئاً للتصرفات، ما يستوجب الحوار، والحديث بشفافية، وصراحة، وصدق.

وأخيراً، تذكّروا دائماً، أن الابتسامة التي تتبادلها مع شريك حياتك بعد عاصفة خلاف هي أكثر قيمة من أيّ انتصار مؤقت. فالتنازلات والاعتذار بين الزوجين ليست دليل ضعف، بل هي فن من فنون الحب الحقيقي، ودليل على نضج عاطفي راقٍ.. إذن، علينا اختيار المغفرة دائماً.

اقرأ أيضاً:
- تسامح المرأة مع الخيانة... و5 خطوات لاستعادة التوازن
- احذروا زلة اللسان.. كلمات عابرة تهدم البيوت