تظلّ قضية المشاركة المالية بين الزوجين من أكثر الموضوعات التي تثير نقاشاً داخل الأسرة، فهي ترتبط بشكل مباشر باستقرار الحياة الزوجية، وتوازن العلاقة العاطفية. وبينما يرى البعض أن على المرأة أن تمدّ يد العون لشريك حياتها، يؤكد الشرع والقانون أن النفقة واجب أصيل على الزوج، وأن مشاركتها تبقى خياراً شخصياً نابعاً من رغبتها الحرة، لا إلزاماً مفروضاً عليها.
توضح مريم الحنطوبي، الموجهة الأسرية في دار القضاء بالفجيرة، أن موضوع المشاركة المالية بين الزوجين يعد من أكثر القضايا التي يكثر حولها الجدل في البيوت، لأنه يرتبط بشكل مباشر باستقرار الأسرة، وتوازن العلاقة الزوجية، وتشير إلى أن «الشرع حمّل الزوج كامل المسؤولية عن النفقة، باعتبارها واجباً أصيلاً عليه، يشمل السكن، والمأكل، والملبس، وفواتير المعيشة الأساسية، بينما لم يُلزم المرأة بأي التزام مالي، مهما كانت حالتها، أو ظروف زوجها. كما أن القانون بدوره لم يضع أي نص يُلزمها بالإنفاق، حتى في حال كان الزوج عاطلاً عن العمل، أو دخله ضعيفاً، فالأصل أن الرجل هو المسؤول عن تأمين متطلبات الحياة، أما شريكة الحياة فدورها يتمثل في رعاية بيتها وأبنائها، وليس من واجباتها أن تتحمل الأعباء المالية».
كما تشير إلى أن مشاركة الزوجة في مصروف البيت تبقى خياراً شخصياً، تعبّر به عن حبها ودعمها، لا واجباً مفروضاً عليها، وتقول «عندما تختار المرأة أن تسهم من تلقاء نفسها في بعض الأمور الثانوية، مثل السفر، أو شراء مستلزمات للمنزل، أو تجديد بعض الأثاث، فإنها تفعل ذلك بروح راضية وسعيدة، وتشعر بالامتنان لأنها تضيف قيمة لعائلتها، وتخفف العبء عن زوجها. بل إن الأبناء يرون في هذه المبادرة صورة جميلة للتعاون الأسري، فيشعرون بالفخر بسلوك والدتهم. على العكس يحدث في حالة الإجبار، فإذا فُرضت على الزوجة المشاركة في المصاريف الأساسية، كأقساط المدارس، أو فواتير الكهرباء والماء، فإنها تشعر بالإرهاق النفسي والاستنزاف المادي، وحتى إن كانت قادرة مالياً، فإنها تتأثر عاطفياً، وقد تشعر بالضغط والغضب، ما ينعكس سلباً على عطائها داخل المنزل، وربما يؤدي مع الوقت إلى فتور في العلاقة الزوجية».
وتؤكد الموجهة الأسرية أن العديد من الحالات التي ترد إلى التوجيه الأسري تعاني هذه المشكلة بالذات، حيث تجد الزوجة نفسها مجبرة على الإنفاق من دون تفاهم مسبق، فتشعر بالظلم وفقدان التوازن، ما يفتح الباب أمام خلافات يصعب تجاوزها، وتضيف «الحل يكمن في الحوار والاتفاق المسبق بين الطرفين، فمن الضروري أن يكون هناك تفاهم واضح منذ البداية، سواء في فترة الخطوبة أو السنوات الأولى من الزواج، حتى يعرف كل طرف مسؤولياته، وإذا كانت الزوجة عاملة فمن الهام الاتفاق على ما إذا كانت ستسهم في المصروفات، أم لا، وإذا أسهمت، فما حدود تلك المساهمة، فهذا الوضوح يحمي العلاقة من التوتر، ويمنع المشكلات قبل وقوعها».
دعم المرأة المادي للأمور الثانوية في البيت يعزز روح التعاون الأسري
وفي نصيحتها للزوجات «على المرأة أن تدرك أن النفقة مسؤولية الزوج في الأساس، فهي غير مطالبة بتحمّل الأعباء الأساسية، لكن من الجميل أن تدعم أسرتها بمساهمات بسيطة في الأمور الثانوية، وغير الضرورية، فهذا يعزز روح التعاون من دون أن يُرهقها، نفسياً أو مادياً، والأهم أن تأتي هذه المساهمات من طيب خاطرها، لا من باب الإلزام».
حلول عملية لتجنب الخلافات حول المصروفات الزوجية
- الاتفاق المسبق: وضع تصور واضح لتوزيع المسؤوليات المالية منذ بداية الزواج.
- توضيح الأدوار: النفقة مسؤولية أصيلة على الرجل، بينما مساهمة الزوجة اختيارية.
- ترسيم حدود المساهمة: حصر مشاركة الزوجة في الأمور الثانوية غير الأساسية.
- الحوار المستمر: مناقشة التغيرات المالية أو الأزمات الطارئة بمرونة وتفاهم.
- الاحترام المتبادل: النظر إلى مساهمة الزوجة كدعم طوعي لا كواجب شرعي.
- مراعاة الجانب النفسي: إدراك أن الإجبار يرهق المرأة بينما الاختيار يسعدها ويقوّي الترابط الأسري.
وبين الواجب والاختيار، تظل القاعدة الأهم، كما تقول ميساء الحنطوبي، أن الزواج شراكة تقوم على المودة والرحمة قبل أيّ حسابات مادية، وأن حفظ هذا التوازن هو الضمان الحقيقي لاستمرار الحياة الزوجية، وجعل مقوماتها الاستقرار، والسعادة المنشودة.