04 سبتمبر 2025

الخلافات بسبب الأبناء «دمار» بطيء للعلاقة الزوجية

محررة في مجلة كل الأسرة

مجلة كل الأسرة

أمر طبيعي أن تحدث الشجارات بين الإخوة، بل صحيّ أيضاً، لكن من غير الطبيعي أن تؤثر هذه الشجارات في العلاقة الزوجية، بحيث ينقلب الخلاف بين الأبناء إلى معركة بين الزوجين، مخلّفاً شرخاً في العلاقة بينهما.

هذه المقدمة تدعمها قصة (س. م) التي جاءت إلى عيادة أسرية طالبة إنقاذ علاقتها الزوجية، وعائلتها التي باتت على حافة الضياع، قائلة «في كل مرّة يتشاجر الأطفال، يتحوّل الخلاف إلى صراع بيني وبين زوجي، أقف إلى جانب ابني، وهو يقف إلى جانب ابنتنا، كأننا لم نربّهما معاً، نبدأ بتبادل الاتهامات، وعوضاً عن علاج المشكلة نغرق في جدال حول من هو المخطئ، ومن هو المحق، حتى بدأت علاقتنا بالتآكل، وأصبحنا أكثر بعداً، نختلف على أتفه التفاصيل، كأننا أغراب يعيشون في منزل واحد».

مجلة كل الأسرة

في هذا الإطار، تكشف استشارية العلاقات الزوجية وتطوير الذات الدكتورة هنادي علي «لا شك في أن خلافات الأطفال تنعكس بشكل مباشر على علاقة الزوجين، إذ ينتقل التوتر من ساحة الأبناء إلى العلاقة الزوجية، فتتراجع العلاقة، ويتحول الحوار من الأسري إلى الانشغال المستمر بمشكلاتهم. ويزداد هذا الضغط عندما يختلف الوالدان في أسلوب التعامل، فبينما يميل أحدهما إلى الحزم، يفضل الآخر اللين، فتنتج نقاشات حادة تتكرّر، محدثة فجوة عاطفية تباعد بين الزوجين مع مرور الوقت، حيث تصبح المشاعر والتواصل في المرتبة الثانية، بعد أولوية حل مشكلة الأطفال».

 وعن الجانب النفسي، تتحدث «يخلق القلق المستمر نوعاً من التوتر الداخلي الذي يمكن أن يتحول إلى ضغط نفسي مزمن، يضعف من القدرة على الصبر والتحمّل. فيشعر أحد الوالدين، أو كلاهما، بالذنب أو المسؤولية، ما يزيد من الشعور بالإحباط، ويؤثر في جودة العلاقة. وفي حال استمرار المشكلة من دون حلول فعّالة، قد يتطور الأمر إلى حالة من القلق أو الاكتئاب الذي يزيد من التباعد العاطفي بينهما».

مجلة كل الأسرة

 وتوضح د. هنادي «في كثير من الأحيان، تتحوّل خلافات الأطفال إلى «سبب ظاهري» للمشكلة، بينما يكشف الواقع عن وجود خلل أعمق في العلاقة الزوجية، مثل اختلاف الأفكار والقيم، أو تراكم ضغوط الحياة من دون حوار. هنا لا يكون الأبناء سبب المشكلة، بل مرآة تعكس ما يعانيه الزوجان من اضطراب، أو فجوة في التناغم العاطفي والتربوي». وتكمل «عندما يغيب الاتفاق المسبق على أسلوب التربية، تنشأ الخلافات بشكل علني أمام الأبناء، فيتحوّل الموقف التربوي إلى صراع لإثبات مَن هو الطرف الصائب، بدلاً من التركيز على مصلحة الأطفال. وأحياناً، ينحاز أحد الوالدين لرأي، بينما يصرّ الآخر على أنه مخطئ، هذا الاختلاف يعمق الانقسام داخل العلاقة، ويكرّس مفهوم «أنا الصّح وأنت المخطئ». ويخلق الانقسام هنا شعوراً بعدم وجود دعم متبادل، ويؤثر في الثقة والاحترام بين الزوجين. ومع تكرار هذه المواقف، تتحوّل الخلافات التربوية إلى صراعات شخصية تترك أثراً عاطفياً يعمّق الفجوة، ويزيد من التباعد بين الزوجين».

نصائح لوضع حد للخلاف بسبب الأبناء

توجّه المستشارة الأسرية نصائح عدّة للأزواج لحظة تصاعد الخلاف بسبب الأبناء:

  • تجنب رد الفعل المتسرّع والجدال أمام الأبناء لحظة الانفعال وتأجيل النقاش حتى تهدأ الأجواء.
  • المحافظة على موقف متماسك أمام الأطفال وتأجيل النقاش لوقت لاحق، حتى لا يشعر الأبناء بوجود فجوة بينكما.
  • التركيز على المشكلة السلوكية للأطفال وتجنب محاولة أثبات من المخطئ منكما.
  • يجب على كل طرف أن يعطي الآخر فرصة لشرح وجهة نظره، وأن ننتبه إلى أن الهدف هو إيجاد حل، وليس إثبات مَن هو على صواب.
  • وضع قاعدة مشتركة للتربية من ناحية القيم، القواعد والعقوبات لتقليل حجم الخلافات.
  • من المهم أن يرى الأطفال أن والديهم متعاونان في حل مشكلاتهم.
مجلة كل الأسرة

في تفاصيل البيوت، وتحت سقف العائلة، تتكرر مشاهد الخلاف بين الإخوة.. خلاف على لعبة، صراخ يتصاعد في الممر، أو صمت متوتر بين أخوين لا يتحدثان. قد يبدو هذا عادياً للعين الخارجية، لكنه غالباً ما يخفي وراءه تجاذبات نفسية تؤثر في مستقبل الأبناء، وتمتد بعمق لتطال العلاقة الزوجية وتستنزف طاقة الأم والأب على حد سواء.

في هذا الإطار، تقول المتخصصة في القياس والتقويم النفسي والتربوي، الدكتورة أسماء نزار أدلبي «في علم النفس التربوي، تُعد العلاقة بين الإخوة أول «بيئة اجتماعية مصغّرة» يختبر فيها الطفل مهاراته، العاطفية والسلوكية. فمن خلال تفاعله مع إخوته، يتعلم الطفل كيف يعبّر عن مشاعره، ويدافع عن حقه، ويتفاوض، ويتنازل، ويعتذر. لكن حين يغيب التوجيه التربوي الواعي، تتحول هذه البيئة من مساحة تعليمية إلى ساحة صراع مزمنة، تنغرس فيها مشاعر الرفض، أو الخوف، أو العدوانية. وهذه المشاعر، التي لم تُفهم أو تنظم في وقتها، يمكن أن تترك أثراً طويل الأمد، تنعكس لاحقاً في علاقاته المستقبلية، بما في ذلك العلاقة الزوجية».

مجلة كل الأسرة

وتواصل الشرح «تشير نظرية التعلم الاجتماعي إلى إن الخلافات بين الإخوة ليست خطراً في ذاتها، بل فرصة تربوية. وإذا أحسن الوالدان توجيهها، فإن الطفل سيتعلم كيف يعبّر من دون أن يؤذي، ويقبل الاختلاف، ويسامح بعد الغضب. أما إذا أهملت، فإنها تقود إلى نمو عاطفي غير مكتمل. من جانب آخر، تؤثر هذه الخلافات في توازن الوالدين. وغالباً ما تواجه الأم ما يسمى بالاحتراق الوالدي، نتيجة الاستنزاف العاطفي اليومي، بينما يشعر الأب بالعجز أو الإحباط، إذا لم ينجح في فرض النظام. ومع تكرار التوتر، يختل مناخ البيت، ويضعف معه الشعور بالأمان الأسري.

وهكذا، يتحوّل اختلاف الأساليب التربوية بين الزوجين إلى صراع، صامت أو علني، يهز استقرار الأسرة. فحين تصرّ الأم على اللين، ويتمسك الأب بالحزم من دون حوار أو اتفاق، يفقد الأبناء وضوح الرؤية، ويبدأ كل طرف برؤية شريكه كعقبة تربوية لا كحليف. فتتضرّر علاقة الوالدين، ويختل الانسجام اليومي. ومن هنا تبرز أهمية الوصول إلى أرضية تربوية مشتركة، لا تعني تنازل أحد الطرفين، بل ممارسة المرونة الواعية، على أن يكون الشرط الأساسي هو مصلحة الأبناء، لا إثبات الرأي. فإظهار موقف موحّد أمام الأبناء، حتى مع وجود اختلاف خلف الكواليس، يزرع في الطفل شعوراً بالثبات والاتساق، ويمنع الانقسام الداخلي في البيت».

وأخيراً، تشير د. أسماء إلى أنه من أجل «حماية العلاقة الزوجية وسط التحدّيات التربوية، ينصح بأن يخصص الزوجان وقتاً منتظماً للنقاش التربوي الهادئ، بعيداً عن لحظات التوتر، وأن يتعاملا كـ«تحالف تربوي» لا كخصمين، بأن يقولا «اتفقنا على هذا»، بدلاً من «أنا كنت ضد القرار». فقبول الاختلاف، والوعي التربوي المشترك، وتذكّر أن الأبناء سيغادرون يوماً ما... كلها عوامل تساعد على صون العلاقة التي ستبقى بعد رحيلهم. وخلافات الأبناء حين تدار بوعي تكون فرصاً لنمو الطفل، لا عبئاً على الأبوين، وتمهيداً لعلاقات زوجية أكثر نضجاً ومرونة في المستقبل».