
تبدأ الحياة الزوجية بالسعادة، والهناء، والاستقرار بين الزوجين، ولا تكاد تمضي الشهور حتى تنتهي مدة السلم، وتبدأ «الحروب» الطاحنة، والصراعات المريرة، بين الزوج الوافد والغريب والحماة، تلك المرأة القوية المتسلطة، وصاحبة النفوذ الطاغي في عقل ووجدان ابنتها، بل صاحبة الأمر والنهي، فإما أن يخضع الزوج، ويستسلم، وينفذ الأوامر، ويطيعها طاعة عمياء، هي وابنتها، وإمّا أن يستعد لحياة تنغّص عليه العيش.
ففي بعض الحالات، تعتبر الأم ابنتها ملكية خاصة لها هي فقط، مبرّرة ذلك بأنها هي من أنجبت، ومن ربّت، وتفانت في حبّها وتربيتها إلى أن صارت شابة، وامرأة رائعة. ومن هنا تأتي غيرة الأم التي تنشأ بمجرد بدء الابنة بالتفكير في الزواج، لأن ذلك يعني دخول شخص آخر إلى حياتها، وهو ما لا تتقبّله بعض الأمّهات بسهولة، وحينذاك، يبدأ الصراع الأبدي بين الحماة وزوج ابنتها.
ناقشت «كل الأسرة» أسباب ودوافع الصراعات بين الزوج وحماته، وما مدى خطورة استسلام الزوجين لتدخلات الأهل، بخاصة أم الزوجة، وهل تعتبر تدخلات أم الزوجة سبباً رئيسياً لزيادة نسبة الطلاق؟

تدخّل أمّ الزوجة... طريق للمشكلات لا للحلول
بداية، يؤكد الدكتور أحمد فوزي صبرة، استشاري الطب النفسي والعلاج الزواجي وتعديل السلوك بالقاهرة، أن هناك معاناة حقيقية يعيشها بعض الأزواج، خصوصاً الشباب منهم، سببها تدخّل أم الزوجة في حياة ابنتها، الأمر الذي يسبب دمار الكثير من الأسر، حتى يصل الأمر إلى الطلاق، ويقول: «أغلب المشكلات التي نراها بين الزوج وزوجته يكون سببها تدخل الأهل، والحماة تحديداً، سواء أمّ الزوج، أو الزوجة، ولكن هذا لا يعني أبداً أن وجودهم داخل العلاقة الزوجية غير مرحّب به، إن كان خيراً وفيه ودّ ورحمة».
وحول أهم الأسباب التي تدفع أم الزوجة إلى إفساد العلاقة بين الزوجين، يحدّدها الدكتور أحمد فوزي صبرة في نقاط عدّة، منها:
1. كثرة المكالمات والزيارات بلا داع، واطّلاع الأهل على تفاصيل الحياة الخاصة من دون مبرر، ومن ثم استسلام أحد الطرفين لهذه التدخلات، ما ينتج عنه صراع بين العائلتين، وضياع خصوصية الحياة الزوجية.
2. ضعف شخصية الزوج، أو عدم إدراك الزوجة أنها تعيش حياة مستقلة عن حياتها السابقة، (بيت الأهل السابق)، واعتماد الزوج، أو الزوجة، بشكل زائد على الأهل في اتخاذ القرارات الخاصة بهما.
3. يرى بعض الآباء والأمّهات أن هذا التدخل ما هو إلا نوع من الاهتمام بالابن، أو الابنة.
4. السبب الأكثر أهمية إخبار أحد الزوجين أهله كل شيء يحدث بينه وبين شريك حياته، وهنا نخص بالذكر الزوجة التي ينبغي أن تميز بين الأشياء التي يمكن أن تقال، وتلك التي لا يجب لأحد معرفتها، خصوصاً ما قد يتسبب بجدال بينها وبين زوجها.
5. كما يوجد سبب مهم وهو خوف الآباء من فقدان أهميتهم في حياة الأبناء، خصوصاً في حالة كان الزوج الابن الوحيد، أو الزوجة البنت الوحيدة.
6. عدم الاستقلال المادي، وقلّة السعي الكافي للزوج لسد حاجة البيت، فهذا يؤدي إلى تدخّل أهل الزوج، أو الزوجة، في كيفية إنفاق المال، والتصرف فيه.
7. يشعر الزوجان في بداية الزواج بعدم التعوّد على الحياة الزوجية الجديدة حيث المسؤولية الجديدة، وأسلوب الحياة الجديد بينهما، وهذا يجعلهما في مزاج صعب، وتوتر دائم.
لذلك عند حدوث أيّ خلاف بين الزوج والزوجة تلجأ الزوجة أولاً لأمها، حيث الملاذ الدائم لها، للكلام، والتحدث عن المشكلة، لكن من الأفضل الجلوس مع الزوج والتحدث بأسلوب راقٍ، والمشاركة في موضوع الخلاف، ومحاولة إيجاد حلّ له حتى التعوّد على الحياة الزوجية معاً.
ويرى د. صبرة أنه إن حدثت مشكلة وتصالح الطرفان فبعد الصلح ونسيان ما حصل بين الزوجين تحدث فجوة بين زوجها وأهلها، ولا تصبح النفوس صافية، وقد يصل الأمر إلى قطع صلة الرحم بينهم، بل يصل الأمر إلى تحريم الزوج على زوجته الذهاب إلى بيت أهلها إلا للضرورة القصوى، وبعد إلحاح كبير.

السبب وراء 95% من حالات الطلاق
وتتفق معه الدكتورة الدكتورة رشا عطية، استشارية العلاقات الزوجية والعلاج الزواجي بالقاهرة، في أن تدخلات ونصائح بعض الأمّهات المدمّرة لحياة بناتهنّ تُعد من أكثر الأسباب التي تهدد استقرار البيوت، وتهز أركان الزواج، ولعل أكبر خطأ يقع فيه الزوجان في بداية الزواج، هو السماح للأم، أو الأخت، أو أيّ قريب، بالتدخل في كل صغيرة وكبيرة، ما يؤدي غالباً إلى تعقيد الأمور، بدلاً من حلها، وربما تفكيك العلاقة، وحتى الطلاق.
وتلفت الاستشارية الأسرية د. رشا عطية إلى إن السبب الحقيقي في الخلافات الكبيرة التي تحدث بين الزوجين قد تكون خلافات بسيطة، ثم تتحول إلى خلافات حادّة، وربما تتحول إلى حياة لا تطاق، وربما ينتهي الأمر في الطلاق، بسبب تدخل الأهل، بخاصة الحموات في شؤون الزوجين، وللأسف هذه الظاهرة متفشية في مجتمعاتنا.
وتضيف «العلاقة الزوجية مثل البيت إذا تركت الأبواب مفتوحة للغرباء، أو حتى أقرب الأقارب، ستدخل الرياح والمشكلات من كل اتجاه. فليكن بيتكما مغلقاً، إلّا على المحبة، والتفاهم، والحكمة.. لا توجد زوجة مثالية ولا زوج مثالي، لكن هناك زوجة ذكية وزوج ذكي، يستطيعان احتواء بعضهما بعضاً، ويفهمان جيداً نفسية أهلهما، ويتعاملان طبقا لذلك، ويتفقان على طريقة تضمن للجميع الراحة. ولكن كي يصل الاثنان إلى هذه المرحلة يجب أن يكونا فعلاً ذكيين، لأنه على الرغم من سهولة الأمر لكنه للأسف بات صعباً وسط تنوّع، وتباين، واختلاف العقول».
وتشدد د. رشا عطية على أن تدخّل الأهل في الحياة الزوجية خلال السنوات الخمس الأولى من الزواج يُعد أحد أهم الأسباب الرئيسية المؤدية إلى الطلاق. وقد أكدت الدراسات الاجتماعية التي أجريت، أن 95% من قضايا الطلاق تكون بسبب التدخل اللامحدود من قبل الأسرة، ويكثر التدخل من قبل أم الزوجة، ظناً منها أن خبرة ابنتها قليلة في التعامل مع الزوج، وهي تريد، من باب الحرص غير المبرر، أن يكون بيت ابنتها مملكة سعيدة، وأن يكون لابنتها شخصيتها القوية داخل بيتها، ولا تنعدم قراراتها في مملكتها.
وتستطرد: «ولكن في الحقيقة أن هذه التدخلات تكون في البداية بنوايا خيّرة، لكنها سرعان ما تنعكس سلباً على الزوجين وتؤدي إلى خلق الحساسية بين الزوج وزوجته، وبين أهل الزوجين. وعليه، لابد من الموازنة في العلاقة الزوجية والعلاقة مع الأهل، وعدم إشراكهم في جميع المشكلات، سواء كانت بسيطة، أو كبيرة».
ومن هنا يأتي تصحيح فهم آية قرآنية كريمة في سورة النساء، قد يستدل الأهل أن لهم الحق المشروع في التدخل بحياة أبنائهم، إذ قال تعالى (وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكماً من أهله وحكماً من أهلها إن يريدا إصلاحاً يوفق الله بينهما إن الله كان عليماً خبيراً). إذ يتبين من الآية أنه ليس للأهل التدخل المفرط في الحياة الزوجية لأبنائهم بشكل دائم، إلا بعد أن يكون الأمر قد وصل إلى طريق مسدود، ومبهم، وحياة لا حلول لها إلا بتدخل الأهل، وليس التدخل في حياة زوجين متفاهمين فيقلبانها جحيماً بأفكار قد تكون ليس لها أساس من الصحة، استناداً إلى أنهم عاشوا هذه الحياة الزوجية، وأنهم أكثر تفهماً لهذه الحياة.

نصائح لحماية الزواج من هذه التدخلات
من جهتها، تؤكد الدكتورة منى رضا، أستاذة الطب النفسي بجامعة عين شمس، بالقاهرة، أن الحياة الزوجية لابد فيها من مشاركة الطرفين في الحديث، بكل حب وحنان. ويجب على الزوج أن يستخدم رومانسيته وذكاءه عند التعامل مع زوجته...
وإليكم بعض النصائح الواجب اتّباعها أول الزواج لتجنب الصدام بين الزوج وأمّ زوجته وحدوث المشكلات:
- احفظوا خصوصية العلاقة الزوجية، ولا تفتحوا الأبواب لأحد، مهما كان قربه. وهنا ينبغي على الأهل ترك الحياة الزوجية للزوج وزوجته، ويجب على الزوج والزوجة أن يتأهلا جيداً لحل المشكلات الزوجية مستقبلاً بينهما، من دون تدخّل من أحد.
- على الزوج وضع حدود لتدخّل أهله بينه وبين زوجته، وكذلك الزوجة وأهلها، حتى تستقر الحياة الزوجية وتكلّل بالنجاح، ولا يتم هدم البيت لمثل هذا السبب.
- ينبغي عند الضرورة التلميح للأم بأنه إن استمر التدخل في حياتهما فسوف يمنعها الزوج من زيارة ابنتها، أو الاتصال بها، وبذلك تظهر قوة شخصية الزوج والزوجة، فيكون هذا مانعاً للأم من التدخل السلبي في حياتهما.
- التوجه بالنصيحة المباشرة إلى الأم من قِبل البنت وزوجها، بعدم التدخل في حياتهما، وأن هذا التدخل قد يسبب الفراق بين الزوجين.
- مشاورة البنت لأمها في بعض الأمور، وطلب نصحها فيها، حتى تبقى الصلة بينهما بحدودها المقبولة، وحتى تعلم أن تدخلها ليس مرفوضاً كله، وأنهما قد يحتاجان إليها في بعض الأمور، وهذا يعطي الثقة بها، ويبقي على التواصل، ويمنع من تدخّلها السلبي.
- ضرورة التفاهم بين الزوجين على تجاوز هذه المشكلة، وعدم تفرّد واحد منهما بحلها دون الآخر، وتخفيف الزيارات والاتصالات بالأم، وإذا حصل هذا الاتصال فإنه يستثمر في الكلام المفيد، والنصح، والتذكير بالطاعات، والبعد عن المعاصي واقتراف السيئات.
- لا تشركا أحداً في خلافاتكما إلا إذا وصلت الأمور إلى طريق مسدود تماماً. حينها فقط يتم اللجوء إلى «حكم من أهله وحكم من أهلها» بحكمة ورضا من الطرفين.
وأخيراً، دور الأم في حياة ابنتها بعد الزواج هو دور محوري جداً، بخاصة عندما تكون الأم منصفة، وعادلة، ومتزنة، وسوية نفسياً، حينها ستكمل الحياة الزوجية مسيرتها (حتى لو كان الزواج فيه مشكلات).
ويؤكد الخبراء المتخصصون في العلاج الزواجي أن التدخل الإيجابي للأم في حياة ابنتها بعد الزواج يكون بطلب من الزوجين، بحدود واضحة، أما التدخل المستمر، أو القسري، فيؤدي إلى توتر العلاقة وفقدان الخصوصية. ونجاح الزواج يعتمد على أن يظل القرار النهائي بيد الزوجين، مع إبقاء «الحماة» في دور الدعم لا التحكم. لذلك، اختاروا الأهل وطباعهم كما تختارون الزوجة نفسها، وانظروا هل تستطيعون التكيف والتأقلم معهم، وكيف يرى الطرف الآخر دورهم وحدودهم في الحياة الزوجية، وكيفية التعامل حال تجاوز هذه الحدود وابذلوا في هذه المسائل جهوداً كالتي تبذلونها في الأشياء الأخرى، أو أشد.
ونصيحة للأمّهات:
زوج ابنتك ليس ابنك، هو رجل له كلمة، وقرار، ورأي، وأنت بالنسبة إليه محل احترام، فكوني خفيفة قدر المستطاع، وأيضاً عاملي زوجة ابنك كما تحبين أن تعامل ابنتك، أو أحسن، والتفرقة في هذا المقام تسيء إليك أنت أول الناس، قبل أي أحد.