بين الحب والواقع.. كيف يتجاوز الزوجان الاختلافات الطبيعية في بداية الزواج؟

كثيراً ما نسمع عن «سنة أولى زواج» أنها أجمل سنة يعيشها الإنسان في حياته، ولعلّ هذا صحيح بسبب الحب المشتعل الذي يجمع الزوجين في تلك الفترة.. لكنها أجمل سنة من هذه الناحية فقط، أما من جهات أخرى، فهي السنة الأصعب في كل الحياة الزوجية.
إذ إن بعض الأزواج والزوجات، في الفترة الأولى من حياتهم الزوجية، يواجهون ما يسمى بإحباطات بداية الزواج، والتي تنشأ بسبب اختلاف الطباع بين الزوجين، وهذا أمر طبيعي للغاية، فالإخوة الذين يعيشون في بيت واحد، ومع نفس الوالدين، تختلف طباعهم وتصرفاتهم كثيراً، فما بالك بشخصين نشأ كل منهما في بيت مختلف، وعاش فيه ما يزيد على الـ20 عاماً، حيث تكوّنت كل خصائص شخصيته؟
خبراء العلاقات الزوجية والعلاج الزواجي يؤكدون من جهتهم، أن العلاقات السوية بين الأزواج تتخللها خلافات عادية، وفيها اختلافات في الطباع ووجهات النظر، وفيها شخصان لدى كل منهما عيوب، وفيها شدّ، وجذب، ولوم، وعتاب، بخاصة في بداية الزواج.
ولهذا سألت «كل الأسرة» عدداً من هؤلاء الخبراء والمتخصصين للوقوف على الاختلافات الطبيعية بين الأزواج، والتي لا تشكل خطراً على العلاقة الزوجية، والتعرف إلى أبرز المشكلات التي قد تواجه الزوجين بسبب اختلاف الطباع، وكيف يمكن للزوجين التعامل معها، وتجاوز هذه الفترة بسلام وأمان:

اختلافات طبيعية واردة وأخرى يجب ألّا تحدث
في البداية، يؤكد الدكتور وائل وهبة، استشاري الطب النفسي والعلاقات الزوجية والأسرية، في القاهرة، أن الخلافات الزوجية أمر شائع لا تخلو منه أيّ علاقة زواج، كما أن الخلافات الزوجية ليست أمراً سيئاً دائماً، فهي تجعل الزوجين يعبّران عمّا يزعجهما حتى لا يتفاقم الأمر، وتزداد المشاعر السلبية داخلهما، ولكن لا بدّ أن تكون كمناقشة وليست كشجار، وعلى كل طرف أن يضع نفسه مكان الآخر، ويتفهم أسباب انزعاجه لمناقشة المشكلة، والوصول إلى حلول مُرضية لكليهما.
ويقول: «يتعرّض الزواج للعديد من المشكلات والمتاعب في كثير من الأحيان، وغالباً في السنوات الأولى، ويرجع ذلك لاختلاف الطباع والخصال بين الشريكين، وعدم تمكنهما من فهم واستيعاب بعضهما بعضاً، ما يجعل مهمة بناء البيت السعيد من أصعب المهام التي يواجهانها. ودائماً ما أؤكد للمقبلين على الزواج أن الزواج هو قبول الآخر بعيوبه، قبل مميّزاته، والزواج هو عِشرة، وحب، ومحاولات لإرضاء الطرف الآخر، ومع الحب، والصبر، والتحمل، تختفي الطباع السيئة وتظهر الحسنة».
لكن يرى د. وائل وهبة أن بعض الأزواج والزوجات، بخاصة في السنوات الأولى لزواجهم، لا يدركون أن الاختلافات بين الزوجين قد تكون طبيعية، وواردة جداً، بسبب اختلاف الطباع بينهما، والسبب في ذلك أنهم يتحوّلون إلى مدمني «سوشيال ميديا»، ذلك العالم الافتراضي الذي صنعه معظم الأشخاص لأنفسهم، حيث يقضون فيه معظم يومهم، يشاهدون حياة الآخرين، وكيف يقضون وقتهم بسعادة، ويسافرون إلى هنا وهناك، ما يسبب لهم العديد من المشاعر المتضاربة، فهم من جهة يفضلون العزلة التامة، والعيش في هذا العالم الافتراضي، وفي الوقت نفسه، يحسدون الآخرين ويشعرون بالغيرة تجاههم، لأنهم يستمتعون بوقتهم في نشاطات أخرى بعيداً عن مواقع التواصل الاجتماعي.
وينصح استشاري الطب النفسي الزوجين بأن يختارا منذ البداية أشباههما، ومن يجدان معهم لغة حوار متكافئة، وأن يكتشف كل طرف صاحبه: كيف يفكر، وما مستوى تفكيره، واهتماماته قبل الزواج، ويضيف «بعد الزواج سيكون الحوار والصداقة هما المدخل للتفاهم، والقضاء على الملل والفتور بين الزوجين، وسوف تكون كارثة إذا كان الحوار من طرف واحد فقط».

لماذا نختلف في الطباع؟ وهل التوافق بعد الزواج ممكن؟
من جانبها، تحذّر استشارية الطب النفسي الدكتورة نجلاء نبيل، مستشارة العلاقات الزوجية والأسرية وخبيرة التنمية البشرية في مصر، كل شاب وفتاة مقبلَين على الزواج، من التسرع في الارتباط بشريك حياة لا يعرف عنه الكثير، ولا عن طباعه، موضحة أن فترة الخطوبة، وإن كانت كلها تجمّل ورومانسية، إلا أنها جعلت خصيصاً لتحقيق التفاهم، واكتشاف اختلاف الطباع قبل الوقوع في قيود الزواج والأبناء، وحينها يصبح الانفصال سهلاً.
وتشدّد على أهمية الالتفات إلى اختلاف الطباع بين الزوجين قبل الارتباط، واتخاذ القرار السليم، من ناحية القدرة على تخطي هذه الاختلافات، والتعايش معها، أو أن ذلك سيكون صعباً.
وتحدّد د. نجلاء نبيل أهم الاختلافات بين الزوجين وأسبابها في نقاط عدّة:
1. الأحلام الوردية عن الزواج: حيث يفيق بعض المتزوجين بعد أشهر عدّة من الحلم الوردي، والأجواء الرومانسية، ليعودوا إلى أرض الواقع شاعرين بتغيير كبير، كأن الحب لم يعُد له وجود، أو أنه لم يكن هناك من الأساس، وربما كان مجرّد وهم وخيال.
2. اختلاف طريقة التعبير عن الحب: في بعض الأحيان يكون أحد الزوجين رومانسياً، يحب التعبير عن الحب بالكلام والورود، بينما يكون الآخر عملياً، لا يلتفت إلى تلك الأمور، لكنه قد يستطيع التعبير عن حبه بالأفعال، وقد يكون أحدهما شديد النظام، بينما الآخر شديد الفوضوية، بل الفارق حتى في العصبية، والهدوء، والصوت العالي، والصوت المنخفض، وغير ذلك.
3. الاختلافات الكبيرة بين الطرفين في فترة الخطوبة: بحجة أن الطرف الآخر، بخاصة الرجل، قد يتغيّر بعد الزواج، ولكن تكتشف الزوجة أنه لا يتغير بعد الزواج. لذلك، كل رجل فيه صفة سيئة، أو غير سوية، ولا تستطيع الزوجة تقبّلها، وتعتقد أن الزواج سيغيّرها، سيكون هذا اعتقاداً خاطئاً منها، حيث توجد نسبة قليلة فقط، هي التي من الممكن أن تتغيّر.
4. المهام المنزلية: إلقاء كل المهام المنزلية على الزوجة يشعرها بالضغط، ويزداد الأمر سوءاً إذا كانت عاملة، ومع عدم تقدير زوجها لجهودها.
5. المرأة أصبحت أقوى: بوضعها التعليمي والاجتماعي، وبوجود كيان لها، أصبحت أكثر قدرة على تقبّل، أو رفض أيّ أمر، وأيضاً أصبحت قدرتها على اتخاذ قرار الانفصال أسهل كثيراً.
6. انتشار حالات الطلاق من دون أسباب منطقية: لعوامل أخرى، كالإقدام على الزواج من دون استعداد، ومن دون وجود توافق بين الزوجين كـ«زواج الصالونات»، للخوف من العنوسة، حيث يكون هذا الزواج غير قائم على أسس سليمة، وعلى عجالة.
7. العناد بين الزوجين هو الأخطر دائماً: لأنه يحوّل اختلاف الطباع إلى حرب دائمة بين الطرفين، ويبعدهما عن الرجوع إلى نقطة الوسط، ويجب أن يعمل الطرفان على زيادة المساحة المشتركة بينهما، حتى يكون هناك نوع من المرونة تقرّبهما من بعضهما بعضاً.
8. برود المشاعر: من أكثر المشكلات الزوجية التي تواجه الأزواج والزوجات، لاسيما في السنوات الأولى من الزواج، بخاصة من قبل الرجل، وتبدأ معاناة الزوجة مع الزوج البارد عاطفياً، فهو لا يعرف كيف يعبّر عن مشاعره، أو يتجاهل مشاعر الزوجة، فتشعر كما لو أنها وحيدة في العلاقة التي تجمعها بزوجها.
9. عدم وجود الوعي والثقافة الخاصة بالزواج ومسؤولياته: وأيضاً طريقة التعامل بين الطرفين التي من الممكن أن تنهي الزواج، وعدم وجود سلطة ولا كيان للأسرة، وبالتالي، فإن فقدان السيطرة على الأبناء يؤدي إلى اتخاذهم قرارات خاطئة.
10. محاولة تغيير بعض الطباع السيئة في الشريك: لا مانع منه، ولكن يجب ألا يكون بصورة مستمرة حتى لا يملّ الشريك، ويفقد ثقته بنفسه.

هل توافق الطباع بين الشريكين يجعل الحياة الزوجية أكثر سعادة؟
أما الدكتورة أمل محسن، استشاري الصحة النفسية والعلاج الزواجي في مصر، فتؤكد أنه لا يوجد شخصان متفقان في الطباع نفسها، ولكن يوجد اعتقاد خاطئ يقول إن السعادة الزوجية قائمة على التناغم، واتفاق الطباع والصفات. وهذا الاعتقاد غير صحيح، فالاختلاف سنّة من سُنن الحياة، وأمر طبيعي بين الزوجين، ولكن يجب أن يتعلم الزوجان الاتفاق رغم الاختلاف، وكل ما يحتاج إليه الزوجان المختلفان في الطباع هو وجود احترام متبادل بينهما، قائم على أن لكل شخص حرية وخصوصية.
وتؤكد د. أمل محسن أن سنوات الزواج الأولى تحتاج إلى التحلي بقوّة التحمّل، والصبر على الطباع المختلفة، ومعرفة أن التفاوت في الطباع أمر وارد، ولا يفسد الحياة بين الزوجين، إذا ما كان هناك قدر معقول من التسامح، والتغاضي عن الأمور المتباينة، ومحاولة كل طرف التعرف، عن قرب، إلى الطباع الشخصية للشريك. وبعدها تأتي مرحلة تقبّل العيوب، وإيجاد أرضية مشتركة للتقبّل، والتفاهم، والمرونة في إدارة أمور الحياة بين الزوجين، ومتى وكيف يكون التنازل والتضحية والتغافل واجبة بين الزوجين. مع الحذر الشديد من تدخل الأهل في الحياة الزوجية، وسيطرتهم، ومعرفة كيفية وضع الحدود الصحيحة معهم، وحفظ أسرار المنزل.
وتقدم د. أمل محسن مجموعة من النصائح الزوجية للتعامل مع اختلافات الطباع بين الزوجين في السنوات الأولى، من أهمها:
- يجب أن يفرق الزوجان بين أنواع الخلافات، فهناك خلافات عابرة تتلاشى مع الوقت وتنتهي، وهناك خلافات تتطور، وتستمر، وقد تتسبب بالطلاق. وهنا تظهر أهمية التوفيق بين آراء الزوجين والتقارب كي تقلّ المسافات، ويحدث التفاهم والاتفاق، ولو في نقاط وسط، وهذا يحتاج إلى صبر وتفهم من الطرفين.
- أهمية التعبير عن الحب بين الطرفين، بخاصة في السنوات الأولى للزواج التي تنطفئ فيها مشاعر الحب المتوهجة التي استمرت خلال فترة التعارف والخطوبة، والأهم دائماً خلال هذه السنوات التي تزيد فيها حدة الخلافات بين الزوجين، بسبب اختلاف الطباع والعادات والنشأة، أن يحرص كلا الزوجين على تجديد علاقتهما وحبهما، ليخبرا بعضهما بعضاً بمدى أهمية كل طرف بالنسبة إلى الآخر.
- يجب أن يتغاضى كل طرف عن بعض هفوات الطرف الآخر، وأن نحكّم عقولنا قبل عواطفنا، لأن العناد في الحياة الزوجية رأس كل خطيئة، وأكبر معول هدم لحياة الأسرة.
- إلزام الشباب بتلقي الدورات التدريبية التي تؤهلهم لبدء الحياة الزوجية، وتمكنهم من تكوين أسرة ناجحة، وتوعيتهم بمعايير الاختيار الأمثل لشريك الحياة، مع مراعاة التكافؤ، والتفاهم، بعد الخلق والدين، وأن يكون هذا الاختيار قائماً على العقل متى حدث القبول، فكما يقال إن مرآة الحب عمياء، ولكنها في الواقع ليست عمياء، ولكن نحن من نتعامى عن الأخطاء والعيوب في كثير من الأحيان، ثم بعد الزواج نكتشف أننا لا نستطيع التأقلم مع تلك العيوب.
- الحل دائماً يحتاج إلى اهتمام متبادل من الزوجين، بتلبية احتياجات شريك الحياة من الحب والعواطف، التي تعتبر أمراً هاماً لاستمرار العلاقة الزوجية على أفضل ما يكون، وحتى لا يتعرض أحد الطرفين للإهمال العاطفي، والفراغ، والحرمان ، وكل هذه الأمور تؤدي إلى حدوث شرخ بينهما.
اقرأ أيضاً: نصائح للحفاظ على شحن بطارية الحب بعد سنوات الزواج الأولى