31 يوليو 2025

تدخّل الأم في اختيار زوج ابنتها.. بين الدعم النفسي والضغط العاطفي

محررة في مجلة كل الأسرة

مجلة كل الأسرة

في رحلة اختيار شريك الحياة، تقف الأم على مفترق طرق، إمّا أن تكون سنداً حقيقياً لابنتها، وإما أن تتحول، من دون قصد، إلى عبء نفسي، متخطيّة دورها في تقديم المشورة والنصح، معتبرة ابنتها امتداداً لمشروعها الشخصي الذي لا يكتمل إلا بتطبيق معاييرها الخاصة.

مجلة كل الأسرة

يشاركنا برأيه فهيد السويدي، أخصائي نفسي، ويقول «علاقة الأم بابنتها في مسألة اختيار شريك الحياة لا تختبر الحب بينهما فقط، بل تختبر النضج، والوعي، والقدرة على احترام الفروق الفردية بين جيلين. فالمسألة لا تتعلق بمجرّد رأي في شخص، ولا بمجرّد قلق أمومي مشروع، بل بجوهر التربية نفسها: هل ربّت الأم ابنتها لتكون قادرة على اتخاذ قرارات مصيرية؟ أم أنها من دون أن تدري أعدّتها لتكون نسخة مكرّرة منها؟ فوعي الأم هو حجر الأساس في علاقتها مع ابنتها، بخاصة في المرحلة التي تسبق الزواج، وإذا كانت تلك العلاقة سوية، فلن تحاول أن تفرض عليها شريك حياة يشبه طموحاتها، بل سترافقها كداعم ومرشد، لا كقائدة تحمل جهاز تحكّم عن بُعد، صنعته من تجاربها الخاصة».

مجلة كل الأسرة

 ويشدد السويدي على أن نمط العلاقة بين الأم وابنتها هو ما يحدّد مدى تقبّل الابنة لأيّ توجيه، ويلفت «العلاقة التي بُنيت على الحب والاحترام والتقبّل تثمر بنتاً تصغي، وتنصت، وتفكر في ما تسمعه من والدتها، أما العلاقة المتوترة فستنقلب فيها أيّ نصيحة إلى اتهام، وأيّ حرص إلى محاكمة. كما يلعب التوقيت والأسلوب في تقديم النصح دوراً هامّاً، فلا يمكن للأم أن تقتحم عقل ابنتها في لحظة انفعال أو خوف، بل عليها أن تختار اللحظة المناسبة، وتستخدم لغة غير مباشرة، تخلو من النقد أو الاستعلاء».

«وعلى الرغم من أن نية معظم الأمهات غالباً ما تكون طيبة، فإنها قد تتحول إلى ضغط نفسي خفي عندما تُفرِط الأم في التركيز على مشاعرها تجاه الشريك المقترح، أو عندما تسقط عليه أحكاماً مبنية على تجاربها الخاصة، وتنسى أن لكل جيل تجربته، وأن معايير الزواج اليوم قد لا تشبه تلك التي عرفتها، فالحب الحقيقي لا يُلقَّن، بل يُكتشف، ودورها أن تساعد ابنتها على فهم الفروقات بين الحب الناضج والانجذاب السطحي، لا أن تملي عليها كيف تحب، ومن تحب».

لا بأس في أن تعبّر الأم عن وجهة نظرها بشرط أن تترك القرار الأخير للابنة

ويشير السويدي إلى أن الطريقة المثلى لحديث الأم مع ابنتها عن معايير اختيار شريك الحياة، هي النقاش العفوي المنطقي، فليس مطلوباً منها أن تقدم قائمة جاهزة بالصفات المثالية، بل أن تفتح حواراً مرناً يناقش القيم، والتوقعات، والمواقف الحياتية، ولا بأس في أن تعبر عن وجهة نظرها، بشرط أن تترك القرار الأخير للابنة.

مجلة كل الأسرة

ماذا لو رفضت الأم شريك حياة ابنتها؟

الرفض بحدّ ذاته ليس مشكلة، بل إن طريقة التعبير عن هذا الرفض هي التي تحدّد مدى تأثيره، السلبي أو الإيجابي «إذا كان رفض الأم مبنياً على أسباب منطقية واضحة، سواء دينية أو اجتماعية، أو حتى نفسية، فعليها أن توضحها بهدوء، لا أن تستخدم التهديد، أو التأنيب العاطفي. وللأسف، تقع كثير من الأمّهات في فخ التوجيه القاسي، أو المتعالي، حيث يتحول الحوار إلى أوامر، والنصيحة إلى تسلط، فحين تقول الأم لابنتها «أنت لا تفهمين، دعيني أقرر عنك»، فإنها بذلك تدمّر ثقتها بنفسها، وتزرع في داخلها شعوراً بالعجز والارتياب، فالانتقاص من الفتاة، من حيث مظهرها، أو تفكيرها، أو اختياراتها العاطفية، من أكبر الأخطاء النفسية التي تُرتكب باسم التربية، فالقمع يدفعها إلى المقاومة لمجرّد إثبات ذاتها، وربما تتمسك بعكس قناعتها، لتثبت أحقيّتها في الاختيار وتحديد المصير، أما الفتاة التي تُحترم حريتها وأحقيّتها في اتخاذ القرار، فسوف تفكر ملياً، وربما تعيد النظر في اختياراتها».

متى تترك الأم القرار بالكامل؟

يرى السويدي أن التربية الواعية تزرع منذ الطفولة بذور الثقة والاستقلال، ويوضح «الفتاة التي نشأت في بيئة تسمح لها بالخطأ والتعلّم، وتكافئ التفكير النقدي، وتستمع لرأيها، ستكون قادرة على اتخاذ قرار زواج ناضج، أما إذا كانت العلاقة مبنية على التبعية والاعتماد المطلق، فإن قرار الزواج سيكون إمّا هروباً، وإما خضوعاً».

ويختم فهيد السويدي «التدخل المبالغ فيه من الأمّهات قد يبدو في ظاهره حرصاً واحتواء، لكنه في العمق قد يزرع التردّد والارتباك في نفس الفتاة، ويجعلها غير قادرة على التمييز بين رأيها الذاتي، والآراء المفروضة عليها، وهنا يكمن الخطر، حين تفقد الابنة بوصلتها الداخلية، وتصبح قراراتها مرهونة برضا الآخرين، لا برضاها عن ذاتها. وفي المقابل، حين تعي الأم دورها كمرشدة لا مقرّرة، ومستشارة لا موجّهة، فإنها تعزز من ثقة ابنتها بنفسها، وتمنحها الدعم الحقيقي الذي تحتاج إليه، فالحياة الزوجية ليست مشروعاً تشارك فيه الأم والبنت معاً، بل هي رحلة فردية للابنة وحدها، عليها أن تتحمل مسؤولياتها، وتختبر مشاعرها، وتبنيها على وعي لا على خوف، وعلى اختيار لا على امتثال».