19 يوليو 2025

الخصوصية بين الزوجين.. ما هي الأسرار التي لا تجب مشاركتها مع شريك الحياة؟

محررة في مجلة كل الأسرة

مجلة كل الأسرة

يبرز احترام الخصوصية بين الزوجين كعامل أساسي في بناء علاقة متزنة ومستقرة، فالحياة الزوجية لا تعني الذوبان الكامل في تفاصيل الطرف الآخر، بل تتطلب مساحة شخصية يحتفظ فيها كل طرف ببعض قراراته وأسراره، ما دامت لا تمسّ جوهر العلاقة، ولا تلحق ضرراً بالطرف الآخر.

وبين الواجب والمباح تصبح الحكمة في التعامل مع الخصوصيات الزوجية ضرورة لحماية العلاقة من التوتر وتعزيز الاستقرار في المنزل، بعيداً عن الانفعالات والتأويلات السلبية.

مجلة كل الأسرة

في هذا الإطار، يقول المستشار الأسري والمأذون الشرعي الدكتور سيف الجابري «لا شك في أن الحياة الزوجية تقوم على الشراكة والتفاهم، غير أن ذلك لا يلغي وجود مساحات خاصة لكل من الزوجين، لاسيما في ما يتعلق بالحرية الشخصية، وبعض القرارات الخاصة. فهناك أمور تُعد من خصوصيات الإنسان الذاتية، لا تتعدّاه إلى غيره، ولا تستوجب المشاركة أو الإخبار، ما لم تكن ذات أثر مباشر في الطرف الآخر. وبين الواجب والمستحب والمباح، تبرز الحاجة إلى التوازن بين الشفافية والاحترام المتبادل. فالواجبات بين الزوجين تتطلب التزاماً واضحاً، في حين أن بعض المسائل، كقرارات الشراء الشخصية، قد تُعد من المباحات التي تترك للحرية الفردية، طالما أنها لا تمسّ جوهر العلاقة ولا تتسبب بضرر».

وضمن سياق الخصوصية لكل من الزوجين، يوضح د. الجابري «لا بد من الإشارة إلى أن للرجل، بحكم طبيعة حياته العملية وتعدّد مسؤولياته داخل المنزل وخارجه، له خصوصيات متعدّدة لا يمكن حصرها، لذلك لا يمكنه مشاركة زوجته كل تفاصيل يومه، أو قراراته، بخاصة تلك التي لا تمسّ العلاقة مباشرة. لهذا، فإن وجود بعض الجوانب غير المصرّح بها لا يُعد تجاوزاً، بل يدخل ضمن إطار المشروع والمباح، ما دام لا يترتب عليه ضرر أو خداع. بل إن احترام هذه المساحة الخاصة قد يجنب الشريكين الوقوع في مظاهر سلبية، مثل الظنون السيئة، أو الغيبة، أو النميمة، أو حتى التعدّي اللفظي، ما يسهم في حماية العلاقة من التوتر وسوء الفهم».

ويكمل «تصبح الخصوصية بين الزوجين من ركائز الاستقرار الأسري، إذا ما قامت على احترام الحدود الشخصية من دون الإخلال بمبدأ الشفافية الهادفة. فعندما يحرص الزوج على مصارحة زوجته بما تقوم به، مستخدماً الكلمة الطيبة والنصيحة الهادئة، فهو بذلك يحافظ على جوّ من الأمان والثقة، مع الحفاظ على هذه الخصوصيات ضمن نطاقها الطبيعي، داخل حدود البيت. كما يفضل أن تناقش في المساحات الخاصة، كغرفة النوم، بعيداً عن تدخلات الآخرين للحفاظ على الثقة المتبادلة، وتجنب فتح الباب لتأويلات، أو خلافات لا ضرورة لها».

مجلة كل الأسرة

معايير الحفاظ على الخصوصية بين الزوجين

أما عن المعايير الشرعية والأخلاقية والقانونية، فيشير د. الجابري إلى أن «الحفاظ على السّر بين الزوجين يُعد من أسمى صور الوفاء والاحترام المتبادل، فالاحتفاء بالخصوصية لا يكتمل إلا بصون أسرار الحياة الزوجية، سواء ما يتعلق بالأبناء، أو الأمور المالية، أو تفاصيل الحياة اليومية. وتبنى هذه العلاقة على قيم راسخة، أبرزها الصدق في المعاملة، والأمانة في الحوار، إذ ورد في الأثر «المجالس بالأمانة»، فالمحادثات التي تجري بين الزوجين يجب أن تبقى في إطار الثقة، بعيداً عن النشر، أو الإفشاء، ليشعر كل طرف بأن ما يقال له أمانة في عنقه. فالتزام الزوجة بحفظ أسرار زوجها، ومقابلتها هو بالمثل، يعزز من الاستقرار الأسري، ويقوّي الروابط العاطفية، ويؤسس لحياة زوجية قائمة على السكينة والتفاهم».

«من هنا تتجلى أهمية الحوار الأسري كركيزة أساسية في نجاح العلاقة الزوجية، فالحوار الناجح بين الزوجين لا يقتصر على تبادل الكلمات، بل يشمل فنّ الإصغاء والتقدير المتبادل. فعندما تتعامل الزوجة مع المواقف بحكمة، مستخدمة أسلوباً راقياً في الحديث، وصمتاً واعياً أمام الانفعالات، فإنها بذلك تسهم في تهدئة الأجواء، وتفادي التصعيد. ولكن من الأخطاء التي تهدّد استقرار العلاقة، استغلال الزوجة صراحة زوجها في لحظات الضعف، كأن تعيّره بمواقف سابقة، أو تذكّره بعيوبه، على الرغم من أنه قد ائتمنها على تلك الأسرار، هذا السلوك لا يهدم الثقة فحسب، بل يزعزع أركان الأسرة، ويحوّل الحوار من وسيلة بناء إلى أداة هدم، ما يؤدي إلى فتور العلاقة، وغياب الأمان العاطفي بين الطرفين».

ويؤكد المستشار الأسري أن «فهم العلاقة الأسرية بين الزوجين ينبغي أن يبنى على مجموعة من القيم الراسخة، منها القيم الدينية، كالالتزام بالسنّة، والطاعة المبنية على المحبة والاحترام، وحفظ الأسرار، والمشاركة الفعلية في تربية الأبناء، وبناء مجتمع متماسك. هذه القيم ليست مثالية، بل هي حاجة ملحّة في واقعنا المعاصر، لما لها من دور في حماية الأسرة من التفكك، والانجراف نحو الخلافات. فعندما يغيب هذا الفهم، تتحول المشكلات الزوجية من نطاقها الضيق داخل البيت إلى نطاق أوسع، يشمل الأهل والأصدقاء، وتبدأ الخصوصيات بالتسرّب لتتحول إلى مادة للقيل والقال، فتفقد الحياة الزوجية مصداقيتها، ويتحول الفضاء الأسري من بيئة آمنة إلى ساحة للفهم السطحي، والتأويلات المغلوطة التي لا تمت بصلة لجوهر العلاقة بين الزوجين».

مجلة كل الأسرة

أسرار لا تفشى بين الزوجين

لكن ما هي الأسرار التي لا ينبغي للزوجين مشاركتها؟ ولماذا؟ يوضح «حفاظاً على التوازن النفسي والعاطفي بين الزوجين، لا يفضل أن يُطلع الزوج زوجته على كل ما يدور في محيطه الاجتماعي، بخاصة ما يتعلق بمشكلات أصدقائه، أو تفاصيل العمل، أو ما يثار بين الرجال من أحاديث خاصة، فهذه أمور تبقى في إطارها المجتمعي، ومن غير اللائق، أو الحكمة، نقلها إلى الحيّز الأسري. وكذلك الحال بالنسبة إلى الزوجة، فهناك مسائل قد تخصّ أسرتها، أو محيطها لا تستوجب مشاركتها مع الزوج، مهما بلغت درجة القرب بينهما، لتجنب إثارة الحساسيات، أو المقارنات التي قد تؤدي أحياناً إلى نتائج عكسية، قد تحدث، من دون قصد. فالفطنة في حفظ الأسرار، وتمييز ما يجب مشاركته من عدمه، هي من علامات النضج الأسري، وهي ما يحفظ قدسية العلاقة، ويمنع تسرّب التوترات من خارج البيت إلى داخله».

ويختم د. الجابري بالقول «الخصوصية بين الزوجين لا تبنى على النية الطيبة فقط، بل تحتاج إلى معايير واضحة تقوم على الصمت الحكيم، والأخلاق الرفيعة، والقدرة على حفظ الأسرار بحق. وليس من الخلق أن تطوى الأسرار لفترة، ثم يعاد نبشها في لحظة غضب، أو خلاف، فهذا السلوك يهدم الثقة، ويقوّض أركان العلاقة. الخصوصية الحقيقية تعني احترام ما قيل في وقت الصفاء، وعدم استخدامه كسلاح في وقت الخصام، فإن حسن التصرف في ما يقال، وما يحفظ».