
على الرغم من التحوّلات الكبيرة في أدوار المرأة وطموحاتها، تبقى فكرة «السّن المثالية للزواج» راسخة في أذهان كثيرين، متجاهلة الأسباب الواقعية التي تدفع العديد من الفتيات إلى تأجيل هذه الخطوة، سواء لأسباب تعليمية، أو مهنية، أو شخصية، الأمر الذي يجعلهن عرضة للتساؤلات، والتعليقات التي لا تخلو من الضغط النفسي والاجتماعي.. فكيف تتلافى الفتاة هذه الضغوطات؟ وما دور الأسرة في دعمها؟

تشاركنا الرأي الدكتورة ياسمين الخالدي، استشاري الصحة النفسية والعلاقات الأسرية، وتقول «لا تزال نظرة المجتمع تقيّد المرأة بسنّ مثالية للزواج، وتربط تأخر هذه الخطوة بالقلق، أو الفشل، ما يعرّض كثير من الفتيات لتساؤلات وضغوطات نفسية كبيرة من أقرب الأشخاص إليهنّ، على الرغم من أن الأسباب في كثير من الأحيان ترتبط باختيارات شخصية، أو أولويات مهنية، أو تعليمية، أو حتى ظروف اجتماعية خارجة عن الإرادة. ويُعد ربط هذا التفسير المجتمعي لتأخر تلك الخطوة كفشل شخصي مشكلة كبيرة، فمن تربط قيمتها منذ الصغر بدورها كزوجة فقط، تشعر بالضياع إن تأخر هذا الدور...
فزيادة الإحساس بأن الإنجاز الشخصي لا يحتسب من دون زواج تفقدها قيمتها الفردية، وتؤدي إلى ضغوط نفسية ومشاعر متضاربة، تزيد من شعورها بـ:
- الخوف من المستقبل أو الوحدة.
- القلق المستمر من نظرة المجتمع.
- الإحباط نتيجة الشعور بأن ما تفعله من نجاحات لا يُقدّر.
- الغضب، أو التمرّد الداخلي ضد هذه النظرة المجتمعية.
- الشعور بالذنب أو العيب، على الرغم من أنها لا تملك السيطرة على التوقيت.
البيئة الأسرية تزرع الأفكار والفتاة تُعيد إنتاجها لاحقاً في قراراتها
يقودنا الحديث إلى تساؤل مهم وهو: كيف يمكن للفتاة أن تبني مناعة نفسية تجاه الضغط المجتمعي المرتبط بمتى تتزوجين؟ تجيب د. الخالدي «إذا نشأت الفتاة في بيئة تعتبر الزواج غاية أساسية للأنوثة، فإنها سترى نفسها ناقصة من دونه، أما إذا نشأت في بيئة تزرع فكرة الطموح، وبناء المستقبل، والاختيار الواعي، والشراكة المسؤولة، فستنظر إلى الحياة نظرة متفتحة، وإلى الزواج كخيار ناضج وليس هدفاً وجودياً. فالبيئة الأسرية تزرع الأفكار والفتاة تُعيد إنتاجها، لاحقًا، في قراراتها، وللأسف، المجتمع يربط الزواج عند الفتاة بـ«العمر المناسب»، و«الفرصة التي لا تُعوّض»، بينما يمنح الشاب مرونة في التوقيت، ويُقيّم بناء على الإنجاز، هذه الفجوة تخلق شعوراً بالضغط غير المتكافئ عليها، وهو ما يجب التصدي له بالعمل على تحصين نفسها من تداعياته، من خلال تحديد الأهداف الشخصية البعيدة عن توقعات الآخرين، كأن تهتم أكثر بدراستها، أو تتقدم في وظيفتها، كما يجب عليها بناء هوية قوية تستند إلى الإنجاز، والنمو الذاتي، إلى جانب إعادتها لصياغة مفهوم الزواج كخيار، لا كضرورة، وبلا شك يعزز تكوين دوائر دعم من صديقات، أو نساء لديهنّ نفس الرؤية من موقفها».

«يمر الإنسان بمراحل تركيز مختلفة في حياته مرتبطة بـ (دراسة، عمل، اكتشاف الذات)، ما يلزم الأسرة أن تكون سنداً لأبنائها جميعاً، بخاصة الفتيات اللاتي يكنّ في أمسّ الحاجة إلى الدعم. فيجب على أفراد الأسرة أن يحترموا أولويات ابنتهم، وأن يعززوا من إحساسها بالقبول غير المشروط، وألّا يفسروا عدم اهتمامها، أو تأخير فكرة الزواج بعدم اتزانها فكرياً، بل على العكس، هو مجرد خطوة تسبقها خطوات هامة يجب إعطاءؤها الأولوية».

8 نصائح للأهل لدعم ابنتهم
يتعيّن الأهل على أن يكونوا مصدر دعم نفسي لمن تواجه نظرات المجتمع الجارحة، من خلال:
- تعزيز الثقة بقدرات ابنتهم وحكمها الشخصي على الأمور.
- التوقف عن المقارنات مع الأقارب أو الأخوات.
- التركيز على التواصل الداعم لا الانتقاد أو التلميح السلبي.
- إعطاء الفتاة مساحة للاختيار واتخاذ القرار.
- الإيمان بأن النضج والاستعداد لفكرة الزواج أهم من التوقيت.
- تشجيع الفتاة على استخدام ردود حازمة مثل «أنا أقدّر قلقك، لكن الزواج قرار شخصي أختار توقيته بنضج».
- دعمها عند التحدث عن أولوياتها الحالية، فالصراحة الهادئة مفيدة بخاصة مع المقرّبين، لتصحيح الفهم وتجنب الضغط.
- تجاهل الأشخاص الفضوليين أو غير المعنيين، لتقليل الاستنزاف العاطفي، وحماية السلام النفسي.
«على الأهل أن يستوعبوا نقطة هامّة، وهي أن أعظم الهدايا التي يمكن أن يمنحوها لابنتهم، ليست التعليم، أو المأكل والملبس فقط، بل هي الصحة النفسية السليمة، فالفتيات لسْن مجرّد صغيرات يكبرن، بل هنّ زوجات المستقبل، وأمّهات الجيل القادم، وركائز الاستقرار في الأسرة والمجتمع، وبلا شك، طفولتهن الآمنة، المملوءة بالحب، والدعم، والتقدير، تُشكّل شخصيات قوية، واثقة، قادرة على تكوين بيتٍ متوازن، وأسرة تنعم بالطمأنينة.. فزيدوا من كلمات التشجيع أكثر من اللوم، وأصغوا إلى المشاعر والأحاسيس، وأعطوا مساحة للتعبير، واجعلوا الاحترام أساس التربية، حتى تساعدوا ابنتكم على اختيار شريك حياة يحترمها، ويقدّرها، وكونوا لها مصدر الأمان قبل أن تطلبوا منها أن تكون قوية، فالاستثمار في نفسية الفتيات هو استثمار في أجيال قادمة، تنعم بالاستقرار الأسري».