01 يوليو 2025

تأخير قرار الزواج.. نضج أم تخوّف؟

محررة في مجلة كل الأسرة

مجلة كل الأسرة

تتصدر قضية تأخر سنّ زواج النساء واجهة النقاشات الاجتماعية، وتدفع إلى إعادة التفكير في أسبابه، ليتبدّى السؤال: هل تأخر الزواج اختيارٌ نابع من ذكاء ونضج المرأة، ووعيها بمسؤوليات العلاقة؟ أم أنه قناع تخفي خلفه مخاوف عاطفية، أو ضغوطًا نفسية؟

مجلة كل الأسرة

في هذا السياق، تستعرض المستشارة النفسية والأسرية د. هالة الأبلم، أبعاد هذه الظاهرة، وتأثير تقاطع العوامل النفسية والاجتماعية في تشكيل قرار المرأة في قضية توقيت الزواج، وما تحمله هذه الخطوة من إيجابيات، وسلبيات.

وتوضح الفرق بين المرأة الذكية والمرأة الناضجة، في نظرتها إلى الزواج بقولها «يكمن الأمر في زاوية المقاربة، ومعايير الاختيار. فالمرأة الذكية غالباً ما تنظر إلى الزواج كمشروع اجتماعي يحتاج إلى تخطيط عقلاني، ودراسة متأنية، تركز فيه على تفاصيل مثل الكفاءة التربوية، والتوافق الشخصي، والاستقرار المالي، ما قد يدفعها إلى تأجيل قرار الارتباط، حتى تجد الشريك الذي يحقق طموحاتها. أما المرأة الناضجة، فتقارب الزواج بنظرة عاطفية واعية، تمنح المشاعر دورها من دون أن تنجرف خلف الانبهار، بل تزن العلاقة بميزان التجربة، والقدرة على المشاركة، وتحمّل المسؤولية». كما تشدد على أن «توقيت الزواج لا يمكن ربطه بالذكاء، أو النضج، وحدهما، بل يتشكل من مزيج بينهما، إلى جانب تأثيرات السياق الاجتماعي، والفرص المتاحة، وظروف كل امرأة، من النواحي النفسية والمعيشية».

مجلة كل الأسرة

أما عن أسباب تأخير بعض النساء الزواج، فتؤكد د. هالة «تأخير الزواج لا يمكن قراءته دائماً كدليل على وعي أعمق بالعلاقة، ومسؤولياتها، ولا اعتباره، بالضرورة، نوعاً من الهروب العاطفي المغلّف بالحكمة. لأن الأمر غالباً ما يرتبط بالنوايا والدوافع وراء هذا التأجيل، فهناك من تؤخر الزواج عن وعي وقناعة، إدراكاً منها لثقل المسؤولية، ورغبة في خوض التجربة بنضج واستعداد، بعيداً عن ضغوط المجتمع، وفي المقابل، قد يكون التأخير ستاراً يخفي خلفه خوفاً من الفشل، أو الرفض، أو الفقد، فتتزين العزلة بشعارات الحكمة، والتمهّل. ويبقى الفارق الحقيقي بين الحالتين تحدّده نية التأخير، وأسبابه، هل هو نتيجة رؤية واضحة ونضج متكامل، ترافقه حياة مملوءة بالتجارب  الناجحة؟ أم هو انعزال هادئ يخفي تردّداً عاطفياً، وتخوفاً من خوض التجربة؟».

مجلة كل الأسرة

وتشير، المستشارة النفسية والأسرية، إلى أن الزواج في عمر متأخر يمكن أن يكون له جوانب إيجابية، إلى جانب بعض التحدّيات على المستويين، العاطفي والاجتماعي، منها:

 الفوائد المحتملة لتأخير الزواج

  •  الاستقلال المالي والنفسي: غالباً ما تكون المرأة التي تؤخر الزواج قد حققت استقراراً مهنياً ومادياً، يجعلها أكثر ثقة بنفسها، وأقلّ عرضة للذوبان في شخصية الشريك، هذا الاستقلال يمنحها قدرة أكبر على رسم حدود العلاقة، وبناء شراكة متوازنة تقوم على الاحترام المتبادل.
  • وضوح الأولويات في العلاقة: في عمر متقدم، تكون المرأة قد تجاوزت مرحلة الانبهار بالمظاهر، أو الانجراف خلف الأوهام الرومانسية، بالتالي، تصبح أولويّاتها أكثر واقعية، من حيث التركيز على التفاهم، والتكافؤ، والقيم المشتركة، ما يقوّي احتمالات نجاح الزواج، واستمراريته.
  • النضج في التواصل وإدارة الخلافات: في هذه الفترة تكون المرأة قد اكتسبت مهارات أكبر في التعبير عن مشاعرها واحتياجاتها بوضوح، كما تعرف متى تصمت، ومتى تبقي على العلاقة، أو تغادرها بسلام. ما يساعدها على تجاوز الأزمات الزوجية المحتملة بروح مسؤولة، وبعيدة عن الانفعالية.
مجلة كل الأسرة

التحديات الحقيقية لتأخير الزواج

  • الفجوة في التوقعات والتجارب: يمكن أن تجد المرأة صعوبة في التكيّف مع شريك أقل منها خبرة، أو مرونة فكرية، هذه الفجوة يمكن أن تقود إلى اختلافات في أسلوب التفكير، أو إدارة المواقف اليومية، بالتالي، يتطلب جهداً إضافياً لتحقيق التوازن في العلاقة.
  • نظرة المجتمع والضغوط النفسية: لا تزال بعض المجتمعات العربية والشرقية تنظر إلى تأخير الزواج بنوع من الريبة، أو تعتبره تقصيراً من جانب المرأة، ما يخلق ضغطاً نفسياً يشعر المرأة بأنها في موضع محاسبة دائمة، حتى من أقرب الناس إليها.
  • مسألة الخصوبة والإنجاب: يمثل هذا الجانب أحد التحديات البيولوجية المرتبطة بالعمر، لكنه كثيراً ما يستخدم بشكل مجحف لتقييم «صلاحية» المرأة للزواج، أو الأمومة. وعلى الرغم من تطور الطب، ووجود حلول علمية متعدّدة، إلا أن المجتمع لا يزال يحمّل المرأة أعباء هذه المسألة بشكل قاسٍ، أحياناً. 

وتشير د. هالة الأبلم إلى أن «الزواج المتأخر ليس بالضرورة ميزة، أو نقيصة، بل هو تجربة تحمل إيجابياتها، وتحدّياتها، ويتوقف نجاحها على وعي المرأة بذاتها، ومدى قدرتها على إدارة العلاقة بمرونة، وحكمة. وأن نضج المرأة وذكاءها قد يكونان سبباً في تردّد بعض الرجال في الارتباط بها، بينما يجدهما آخرون مصدر جذب وإعجاب، فالرجل الذي ينظر إلى الزواج كمساحة للتفوق الذكوري، أو السيطرة المطلقة، قد ينفر من المرأة التي تفكر بعقلانية، وتحلل، وتناقش بمنطق، لأنه يشعر بأنه سيكون في مواجهة دائمة لإثبات ذاته، بينما يرى الرجل الذي يؤمن بالشراكة الحقيقية في المرأة الذكية والناضجة، شريكة داعمة، وإضافة حقيقية لحياته».