هل يعتبر تبادل الحديث العاطفي خيانة؟
صاحبة السؤال سيدة فرنسية متزوجة وهي تطرحه على خبيرة اجتماعية، أي على متخصصة في العلاقات بين الجنسين. ومع ما نعيشه من ثورة في مواقع التواصل فإن هذا النوع من الأسئلة لا يخص تلك السيدة الفرنسية وحدها، بل يشمل ملايين الرجال والنساء في أنحاء العالم، شرقاً وغرباً.
إنهم يتبادلون الرسائل النصية مع أشخاص افتراضيين. يتعرفون إليهم في الفضاء الرقمي، وتنشأ بينهم صداقات أو علاقات تبدو حقيقية، وهي قد تكون مجرد تهويمات لا يسندها واقع. ويحدث أن يتبادل الطرفان معلومات حقيقية عن هوية كل منهما، واسمه، وعمره، ومكان سكنه، وحالته الاجتماعية. متزوج. أعزب. مُطلّق. شاب. كهل. أبيض. أسمر. مهندس. مضيف طيران. عاطل عن العمل.. وغير ذلك من تفاصيل تتراكم مع استمرار المراسلات.
نعرف جميعاً ونسمع عن قصص حب نشأت بالكتابة أو بالصوت. وهناك من يتمادى ويتبادل الصور. وكم من مآسٍ حدثت بسبب استغلال بعض المنحرفين صوراً وصلتهم من فتيات وقعن في فخ الحب والوعود الكاذبة. لكن هذا ليس موضوعنا. نحن نتحدث عن امرأة مرتبطة تعيش حياة مستقرة، وليس في نيتها ترك زوجها ولا خيانته. ومع هذا فإنها تقيم علاقة عاطفية مع رجل آخر، عبر المراسلات لا غير. لم يلتقيا، وليس بينهما ولا حتى لمسة يد.
قانونياً لا أعرف ما الحدود الموصوفة للخيانة الزوجية. لكن شرعياً ومنطقياً فإن تبادل الحب مع شخص غريب ليس بالأمر البريء، مهما حاولت صاحبته تبريره. ستقول إن زوجها لا يُسمعها الغزل الذي يغدقه عليها حبيب «النت». وستقول إنها تتسلى، وما هذه العلاقة سوى نوع من تزجية وقت الفراغ. لكنها لن ترضى بقطع العلاقة إلا إذا خافت من انكشافها.
يبحث كل إنسان عن مشاعر تؤكد له أنه حيّ ومرغوب فيه وليس غصناً يابساً. وقد جاءت ثورة الاتصالات لتقلب الطاولة على رأس الذين ناموا ثم استيقظوا على واقع لم يخطر ببال أحد. لقد فقدوا خيوط رقابتهم على كل شاردة وواردة تجري في بيوتهم. هل يقطعون الاتصالات، ويمنعون الهواتف، ويحطمون الحواسيب؟
السيدة الفرنسية تدرك أن علاقتها الرقمية تهدد حياتها. أنت لا تستطيع تجزئة عواطفك ما بين حب واقعي ملموس وآخر هلامي يجري عبر القمر الصناعي وموجات الأثير. هذا ما تقوله الخبيرة الاجتماعية في ردها على السؤال. والخيانة أيضاً لا تتجزأ. وهي ليست مادة للتسلية. نعم. إن علاقة من هذا النوع قد تجدد مسام صاحبتها، وتملأ فراغها، وتعزز ثقتها بنفسها، ولكن إلى حين. بعد ذلك سيكون الانقطاع مؤلماً يستنزل دموعاً حقيقية وليست رقمية.
اقرأ أيضاً:
- الحياة الزوجية في عصر الـ«سوشيال ميديا».. تعزيز للتواصل أم أزمة ثقة؟
- التربية في عصر التواصل الاجتماعي.. آباء تائهون وأبناء مشتّتون