02 يونيو 2025

د. حسن مدن يكتب: النساء أكثر تأنياً

كاتب بحريني، يكتب زاوية يومية في جريدة "الخليج" الإماراتية بعنوان "شيْ ما"، صدرت له مجموعة من الكتب بينها: "ترميم الذاكرة"، "الكتابة بحبر أسود"، "للأشياء أوانها"، &a

مجلة كل الأسرة

أيّ من الجنسين، النساء أم الرجال، أسرع في الوقوع في الحب؟، وهل يجوز التمييز بين تجليات العاطفة على أساس جندري، فيما المفترض أن شكل تجلي العاطفة يختلف بين حالة وأخرى، بصرف النظر عن جنس الشريك؟ ففي حين يحدث أن المرأة تكون هي الأسرع في التعلّق برجل ما، في حالة معيّنة، يحدث العكس في حالة أخرى، أي أن الرجل يكون هو السابق في التعلّق بالمرأة التي يجد نفسه منجذباً إليها.

لكنّ الشغوفين بمثل هذا النوع من الأسئلة زعموا، في نتيجة دراسة أجروها رغبة منهم في «فك شفرة الاختلافات بين الجنسين في تجربة الحب»، أن الرجال يقعون في الحب قبل النساء، بنحو شهر كامل في المتوسط، محطّمين بذلك الصورة النمطية عن عاطفة المرأة. ولم تكن غاية القائمين على الدراسة التقليل من قوّة التعلق العاطفي لدى النساء مقارنة بالرجال، على الرغم ممّا انتهوا إليه من خلاصة، لكون الدراسة نفسها لاحظت أن «النساء يُظهرن مستوى أعلى من التعلق العاطفي، والتركيز على الشريك، بمجرّد وقوعهن في الشباك العاطفية»، حتى لو كان الرجال يقعون في الحب أسرع.

وحسب الدراسة التي أجراها فريق مشترك من أستراليا ونيوزيلندا، وشملت 33 دولة مختلفة في أوروبا، وأمريكا الشمالية، وجنوب إفريقيا، فإن «30% من الرجال أقرّوا بأنهم وقعوا في الحب قبل أن تصبح العلاقة رسمية، مقارنة بأقل من 20% من النساء»، وقد تعكس هذه الفجوة الزمنية اختلافات عميقة في كيفية معالجة الجنسين للمشاعر، أو تفاعلهم معها، حيث يميل الرجال إلى التسرّع العاطفي، بينما تتأنّى النساء في تقييم العلاقة. وتبدو هذه الخلاصة منسجمة أكثر مع الانطباع السائد حول حكمة النساء، وتريثهنّ في تقييم الأمور بصورة قاطعة، ربما لشعورهنّ الأعلى بالمسؤولية تجاه مسألة بناء الأسرة، الذي يتطلب مسؤولية كبيرة، تضطلع النساء بالحصة الأكبر فيها، لأسباب عدّة، بينها الحمل والولادة، وغيرهما، وهذا ما يفسر لماذا تحافظ النساء على حذر عاطفي أكبر، مقابل درجات من التهوّر، والعجلة، والاندفاع، يظهرها الرجال، لا في العلاقات العاطفية وحدها، وإنما في مجمل سلوكهم في مختلف مجالات الحياة.

ومن أهم الجوانب التي وقفت عندها الدراسة، تأثير البعد الاجتماعي في العلاقات العاطفية. صحيح أنّ للحبّ الرومانسي أهميته المركزية في تشكيل العلاقات الأسرية والثقافات البشرية، إلا أنه ما زال من أقلّ الظواهر العاطفية فهماً علمياً، كما يقول أحد المشرفين على الدراسة، ولا يمكن إدراك ذلك بإغفال تأثير العوامل الاجتماعية في هذه الظاهرة، ذلك أن «المجتمعات التي تتمتع بمستويات أعلى من المساواة بين الجنسين تشهد انخفاضاً في وتيرة الوقوع في الحب، ودرجة الهوس العاطفي»، وهذا ما يحمل على القول إن ما يمكن وصفه بالكبت العاطفي في المجتمعات المحافظة، أو المنغلقة، قد يؤدي تلقائياً إلى شدّة وسرعة التعلق العاطفي، من جانب الرجال بخاصة، بصرف النظر عن مآل العلاقة التي تنشأ بسببه، في حال نتجت عنه علاقة، وهذا الاكتشاف هو الذي قاد أصحاب الدراسة المذكورة إلى القول إننا بصدد «نظرية جديدة تربط بين التحرّر الاجتماعي وتبريد المشاعر الرومانسية»، ما يشير إلى أن الحب، شأنه شأن مشاعر أخرى عدّة، «ليس مجرّد ظاهرة بيولوجية بحتة، بل هو نتاج معقد للتفاعل بين الغرائز والتأثيرات الثقافية».

اقرأ أيضاً: د. حسن مدن يكتب: أوّل الحب