في كتابي «للأشياء أوانها» قلت: «نحن لا نقع في الحب، نحن نصعد مع الحب، نحلق عالياً، إلى أعلى ما يمكن». يبدو لي أن الوقوع يعني السقوط، والسقوط على الأغلب مرتبط بالاصطدام بالأرض، وقد يكون هذا السقوط مدوياً، فيما مفردة الصعود قرينة التحليق عالياً. الفرح لا يليق به السقوط وإنما التحليق، وكذلك الحب، لا يليق به إلا التحليق، لكن جرت العادة أن يقال عمن يكونون في ذروة اندفاعهم العاطفي بأنهم قد «وقعوا في الحب».
ذروة الاندفاع العاطفي هذه، برأي محمود درويش، بين الأشياء التي من أجلها تُستحق الحياة. أليس هو القائل:
«علَى هَذِهِ الأَرْض مَا يَسْتَحِقُّ الحَياةْ
تَرَدُّدُ إبريلَ، رَائِحَةُ الخُبْزِ فِي الفجْرِ
آراءُ امْرأَةٍ فِي الرِّجالِ، كِتَابَاتُ أَسْخِيْلِيوس، أوَّلُ الحُبِّ».
ولكن قد يصدمنا أن عمر «أول الحب» هذا ليس دائماً وقد لا يكون طويلاً.
الشعراء والحساسون لا يريدون أن يصدقوا ذلك، ولكن من ندعوهم بالمحللين النفسيين لا يكترثون بذلك، فحسب مدونة «فيشر» فإنه، ولسوء الحظ، لا يدوم الوقوع في الحب دائماً إلى الأبد، ويقول علماء النفس إن مرحلة النشوة المبكرة لا تدوم أكثر من ثلاث سنوات، فقد يحدث ما يوصف «فقدان الشرارة»، كون لحظة اتقاد هذه الشرارة غير دائمة، فهي إما أن تتطور إلى علاقة طويلة الأمد يسميها المختصون «التعلق»، أو تتبدد وتذوب العلاقة.
يصرّ هؤلاء المختصون على وصف الأمر بـ«الوقوع في الحب»، ويرون أن دماغ الشخص أثناءه يبدو مختلفاً تماماً عن الشخص الذي يعاني مجرد شهوة، كما أنه يختلف عن دماغ شخص ما في علاقة ملتزمة طويلة الأمد. والأمر ليس محض حالة وجدانية، فعندما يكون المرء في حالة حب يبدأ في التفكير في أن الحبيب فريد من نوعه، ويقترن الاعتقاد بعدم القدرة على الشعور بالعاطفة الرومانسية لأي شخص آخر، وينتج هذا الشعور عن مستويات مرتفعة من الدوبامين المركزي، وهي مادة كيميائية تشارك في الانتباه والتركيز في العقل.
وكما في أشياء أخرى كثيرة، يحضر العامل الجندري هنا أيضاً، ووفقاً لإحدى الدراسات فإن الرجال الذين يقعون في حالة حب لديهم مستويات سيروتونين أقل من الرجال الذين ليسوا كذلك، في حين أن العكس ينطبق على النساء، وجد أن الرجال والنساء الذين وقعوا في الحب يفكرون في أحبائهم لمدة 65 في المئة من الوقت الذي كانوا فيه مستيقظين، وفي حالات كثيرة فإن الأفراد الذين يبلغون عن «الحب» يقولون إن شغفهم لا إرادي ولا يمكن السيطرة عليه، وهذا أمر غير قابل للدوام. بعده لا ينتهي الحب بالضرورة، لكن الحياة تعيده إلى رشده.