
تنتهي بعض حفلات الزفاف بـ«دراما»، وتخفي الكواليس الكثير من المواقف الضاغطة على العروسين، وتصل في بعض الحالات إلى خلافات عائلية لا تُحمد عقباها.. فما هي كواليس ما وراء «الزفاف»؟ وكيف نخرج بأقل الخسائر بحيث تمرّ «ليلة الفرح» بسلام وفرح؟

على الرغم من الصورة الحالمة لحفلات الزفاف، إلا أن كواليسها تحمل، في بعض الأحيان، مواقف درامية، تبدأ باختلاف الأذواق، ولا تنتهي عند تدخلات الأهل.
تفتح مصممة الأعراس هيفاء المري، التي راكمت خبرة سنوات في تصميم وتنظيم حفلات الزفاف، كواليس هذا العالم أمامنا، وتكشف عن مواقف واقعية عايشتها، مشيرة إلى أن «الشيطان كثيراً ما يدخل الفرح». وثمة مواقف حقيقية عايشتها هيفاء «جاءني عروسان يختلفان في الذوق، ورغم التباين اتفقا على المضي قدماً بتصميم مشترك يرضي الطرفين، وبالأخص أن العروس كانت ترغب في تصميم غريب، وغير مألوف. لكن الموقف لم ينتهِ عند هذا الحد، فقبل أسبوع من الزفاف، زارني العريس برفقة والدته التي أبدت امتعاضها، مطالبة بتغيير الألوان والتفاصيل، الأمر الذي رفضته، وشرحت للوالدة بكل احترام أن الوقت لا يسمح بإجراء تغييرات، والأهم من ذلك التزامي بالاتفاق»، لافتة إلى أن «مثل هذه المواقف تتطلب التعامل بحزم ولياقة في آن».

لكن الموقف الأصعب كان مفاجأة من العيار الثقيل «في إحدى حفلات الزفاف التي كنت أنظمها لعروس اتضح، لاحقاً، أنها الزوجة الثانية، دخلت فجأة الزوجة الأولى، وكانت في حالة انهيار وغضب. بدأت بالصراخ والتكسير، وسط ذهول الحاضرين. حاولت تهدئتها، لكنها ظنّت أنني أنا العروس، وعندما أوضحت لها أنني المصممة، سخرت قائلة: حتى في زواجه الثاني يستعين بمصممة؟ وكان هذا الموقف من أقسى التجارب التي مررت بها».
تتعدد المشكلات خلف الكواليس، من تأخر مصففة الشعر في اللحظة الأخيرة، أو تأخر المصور، أو الـ«دي جي»، إلى تدخل شقيقة العريس، أو أم العروس، في قرارات تم الاتفاق عليها مسبقاً، كاختيار الألوان، أو تنسيق الطاولات، مشيرة إلى أن «بعض العائلات قد تدخل في خلافات خلال الحفل بسبب توزيع المقاعد، أو حتى الاختلاف على نوع الموسيقى، أو توقيت العشاء، ما يحوّل المناسبة من لحظة فرح إلى ساحة جدل».

وتوضح مصممة الأعراس أن حلّ هذه المشكلات يبدأ بالاحترافية، والتنظيم الدقيق «أتعامل مع شخص واحد فقط، مفوّض من العروسين، وأوقّع معه عقداً يضمن وضوح المسؤوليات، ما يمنع تدخلات اللحظة الأخيرة، كما أن التفاهم المسبق، والاحترام المتبادل بين جميع الأطراف، إضافة إلى وجود جهة تنظيمية محايدة واحترافية، تمنع الدراما، وتجنب العروسين إفساد فرحة الزفاف».
وتضيف «في شركتي، نعمل باحترافية عالية على جميع التفاصيل، الفنية والتنظيمية، ونضع سيناريو متكاملاً للحفل لتفادي أي خلل، أو سوء تنسيق يمكن أن يعكّر صفو المناسبة، وأحرص على التعاون مع جهات موثوقة، وأوجّه العروسين إلى أفضل مصممي الأزياء، وأمهر مهندسي الصوت، ما ينعكس إيجاباً على تجربة الحفل ككل».
وتوجز المصممة هيفاء المري «التنسيق المسبق بين جميع الأطراف، والاعتماد على خبرات احترافية، هو ما يجعل من يوم الزفاف لحظة لا تُنسى خالية من الدراما. فالزفاف يجب أن يكون لحظة فرح خالصة، وأحرص دائماً على أن تبقى كذلك، مهما كانت العقبات، والتعامل الذكي مع هذه المواقف يخفف من وطأتها، ويمنع تحوّلها إلى شجار، أو دراما».
حفلات الزفاف اليوم باتت مشحونة بالتوتر
في كثير من الأحيان، تتحوّل حفلات الزفاف إلى مصدر كبير للتوتر، سواء لعدم التوافق في الاختيارات، أو تدخّل الأهل، أو المقارنة مع تجارب الآخرين، أو الافتقار إلى الحوار والتفاهم، ما يفقد يوم الزفاف معناه الحقيقي، ويحوّله إلى مسرح دراما.
تؤكد الدكتورة نورة القصير، رئيس المجلس الاستشاري الأسري الإماراتي ومستشارة تربوية وأسرية، أن حفلات الزفاف في الوقت الحالي باتت مشحونة بالضغوط والتوتر، سواء من قبل المقبلين على الزواج، أو من قبل أطراف خارجية، كأهل العروسين.
على صعيد العروسين، ترصد د.القصير «مكامن» التوتر، و«الفتيل»، وهي:
- عدم التوافق بين العروسين في اختيارات تفاصيل الزفاف، وفي «الصورة النهائية» للحفل.
- عدم دراسة الإمكانات المالية المتاحة، والتوجه نحو المبالغة، مع عدم مراعاة ظروف الطرف الآخر.
- تأثير المقارنات مع تجارب الأصدقاء أو الأقارب.
وتعقّب د. نورة «هذه الأمور تؤدي إلى فقدان قيمة الفرح في الزفاف، وتزيد من الضغط النفسي على العروسين». ولا تغفل المستشارة الأسرية آثار تدخل أهل العروس، وطلباتهم المتكررة، مثل «نبي كذا ونسوّي كذا»، ومحاولة فرض الرأي على أهل العريس، ما يؤجج الخلاف.
وتشرح «صراع السيطرة بين أم العروس وأم العريس، من أبرز مسببات الخلافات، خصوصاً حين تصرّ كل واحدة على تنفيذ رأيها الخاص، وحتى تتجاوز رغبات العروسين نفسيهما، بحيث أنّ تدخل الأهل في اتخاذ قرارات جوهرية، والمبالغات من الطرفين يضع العروسين في مواقف محرجة، ويمهد لأجواء درامية قد تفشل حفل الزفاف وتحوّله إلى «دراما».

ولكن ماذا عن قواعد لتجنب ضغوط الزفاف؟
توصي د. نورة القصير المقبلين على الزواج وأهاليهم ببعض القواعد:
- ضعوا خطة واضحة: يجب أن يكون هناك تخطيط، مسبق وواقعي.تبعاً للإمكانيات المتاحة.
- تفاهم بين الزوجين: الزوجة تراعي إمكانيات الزوج، والعكس كذلك، لتفادي التصادم في الرغبات.
- تراضٍ متبادل: أي قرار يتعلق بالزفاف يجب أن يكون نابعاً من الطرفين الأساسيين دون ضغوط خارجية.
- وضع حدود للتدخلات: المشورة من الأهل مرحّب بها، لكن لا يجب أن تتحول إلى تدخل زائد قد يفسد الأمور.
- المناسبة ليست ميدانا للمنافسة: الزفاف ليس ميدانًا لاستعراض من يقوم بالأفضل، بل بداية لحياة جديدة يجب أن تبنى على التفاهم.
وتوجّه د.القصير رسالة خاصة لأم العروس: “الله يرضى عليكِ، العرس هو يوم فرح، ولا نحتاج فيه لانتقادات أو التقليد المبالغ فيه".
نصائح لجعل ليلة العمر مبهجة
من جانبها، تؤكد الدكتورة هبة شركس، استشارية الصحة النفسية ومعالجة نفسية، أنّ «من المفترض أن تكون حفلات الزفاف احتفالات مبهجة ببداية جديدة، ولكن في كثير من الحالات تنقلب هذه الليلة إلى دراما مملوءة بالتوتر والانفعالات، نتيجة ضغوط نفسية عميقة، وتداخل أدوار لم تُضبط من البداية».
وتروي «في الاستشارات النفسية، كثيراً ما أستمع إلى روايات لعروسين انتهت ليلتهما الأولى بمشاعر خيبة، أو قطيعة عائلية، والسبب الظاهري قد يبدو بسيطاً، لكنّه في العمق يعكس قضايا أعمق بكثير».
ففي إحدى الجلسات، روت لها العروس أن والدتها أصرّت في يوم الزفاف على أن يتقدّم أحد الأقارب لإلقاء كلمة أمام الحضور، وهو أمر لم يكن متفقاً عليه. الزوج اعترض بشدة لأنه شعر بأن خصوصيته كعريس تُنتهك، وأن أحداً ما، يفرض عليه صورة معيّنة في أول لحظة من زواجه. المشادة تصاعدت بين الأم والعريس، وانتهى الأمر بأن دخلت العروس القاعة باكية، وانسحب بعض الحضور من الحفل.
تعلّق د. هبة «هذه القصة ليست مجرّد سوء تفاهم، بل هي تعبير عن اختلاف في القيم، فالأم ترى في هذه الكلمة «ردّ اعتبار اجتماعي» لعائلتها، بينما يرى العريس أن الحفل يجب أن يعكس شخصيتهما كزوجين، لا كبطولة عائلية. كما أنها تكشف عن ارتباك في الأدوار: من صاحب القرار؟ من يملك الحق في إدارة اللحظة؟ وهل يدرك الجميع أنهم «ضيوف شرف» في حياة بدأت لتوّها؟».
الزفاف اختبار مبكر لعلاقات القوة والدعم بين الزوجين ومن المهم ترك المساحة للحب ليتنفس
لا تقف تداعيات الموقف عند هذا الحد، حيث ترصد الاستشارية النفسية هواجس العروس في مثل هذه الحالات «تواجه العروس قلقاً عميقاً مرتبطاً بهويتها الجديدة: هل سيكون زوجها داعماً؟ هل تستطيع التوفيق بين رضا والدتها، وسلام علاقتها الزوجية؟ هذه الأسئلة، غير المعلنة، هي ما يثقل لحظة الزفاف ويحوّلها من احتفال إلى حقل ألغام».
نصائح للمقبلين على الزواج:
توجّه استشارية الصحة النفسية نصائح لأطراف المعادلة:
*للعروس: لا تحاولي إرضاء الجميع على حساب نفسك. هذه ليلتك، وليست ساحة مجاملات. حددي أولوياتك، وعبّري عنها بوضوح.
*للعريس: كن حاميًا لا متفرجًا. دعمك النفسي في هذه الليلة أهم من أي تفصيل تنظيمي.
*للأهل: تذكّروا أن دوركم هو الاحتفال، لا الإدارة. تدخلكم قد يُفسر كتسلّط لا كحب.
وتوجز د. هبة شركس «الزفاف اختبار مبكّر جداً لعلاقات القوة والدعم في حياة الزوجين. فكل لحظة توتر، أو تصعيد، تحمل خلفها قصة أعمق عن الاحتياج، أو الغضب، أو الصراع بين الولاء للأصل، وبناء الفرع الجديد. فمن أراد أن يحتفل بالحب، فليدعِ المساحة للحب أن يظهر، لا أن يختنق».