04 مايو 2025

الاتفاق على أدق التفاصيل قبل الزواج.. أساس لبناء أسرة سعيدة

محررة في مجلة كل الأسرة

مجلة كل الأسرة

يسعى من يُقبل على الارتباط إلى إقامة علاقة زوجية، سليمة وناجحة، تضمن بناء أسرة، سعيدة ومتزنة، تقف صامدة في مواجهة تحدّيات الحياة، وضغوطاتها، إلا أنه غالباً ما يفقد البعض البوصلة التي توجهه لتحقيق ذلك، ألا وهي تلك المرتبطة بوضع الخطوط العريضة منذ البداية، فربما تقود جلسة مصارحة صحية تتضمن اتفاقاً على شروط محدّدة تشمل أدق التفاصيل، وما يأمله كل طرف من الآخر، إلى حياة هادئة ومستقرّة، قوامها السعادة المنشودة.

ترصد خولة البوسميط، مستشار أسري ونفسي وعلاقات زوجية، ومدرّب دولي في العلاقات الإنسانية، أهمّ النقاط التي يجب أن يتفق عليها الشريكان «أكثر العلاقات الزوجية في بدايتها تكون وردية وإيجابية، ولكن مع مرور الأيام، وتغيّر الأحداث، وظهور التحدّيات، تبدأ المشكلات والعقبات بالظهور، ما يحثنا على أهمية وجود ما يسمى بالصراحة الصحية، التي لابد منها كخطوة أولى في سبيل ترسيم حياة زوجية سليمة، خالية من إخفاء للحقائق الواجب معرفتها، أو محاولة تزيينها بارتداء الأقنعة التي تنكشف، لا محالة، مع التعرّض لأيّ مطبّات. وبلا شك، فإن وضع الخطوط العريضة لشكل العلاقة قبل الزواج يُعد خطوة أساسية تعكس الأمان للحياة الزوجية، إذ يتيح هذا فهم مشاعر الشريك، وما يحتاج إليه من الطرف الآخر».

مجلة كل الأسرة

على ماذا يتفق الطرفان قبل الزواج؟

توضح خبيرة العلاقات الزوجية خولة البوسميط «من الاتفاقيات الهامّة التي تعتبر مفصلية في نجاح الحياة الزوجية، والتي لابد من الحديث عنها:

  • الالتزام بتفعيل مبدأ الاحترام، والوضوح، والمصارحة، والاعتذار عند الحاجة.
  • الالتزام بخصوصية الآخر، وعدم إفشاء أسراره.- يجب التحدث حتى عن مسألة الإنجاب وعدد الأبناء، والاتفاق عليها مع الشريك.
  • كما لابد من معرفة العروس بشكل العلاقة بين زوج المستقبل، وبين والديه، وتوضيح الأطر التي يفضل أن تسير عليها تلك العلاقة في المستقبل بين أهله وزوجته، والعكس أيضاً.
  • إضافة إلى اطّلاع الطرفين على تصوّر كل واحد لدوره، كأب وأم في المستقبل، ومناقشة كيفية التعامل مع الضغوطات التي قد ترافق رعاية الأطفال واحتياجاتهم».
مجلة كل الأسرة
  • كما أن من المهم مناقشة الأمور المالية، وعلى الرغم من أنه قد يكون موضوعاً غير مريح، إلا أنه يجب التحدث عنه لتفادي المشكلات المستقبلية المتعلقة بطرق الإنفاق، أو الادخار، وغيرها، فغموض هذا الجانب يحمل تأثيرات عاطفية وسلوكية قد تؤثر في العلاقة القائمة في المستقبل.
  • ومن المهم أيضاً مناقشة مدى تواجد العائلة في حياتهما المستقبلية، ودور الأهل والأقارب في تربية الأبناء.
  • ولا يجب التغافل عن نقطة هامّة، وهي الحديث عن التنشئة، والتفاهم حول القيم التي يرغب الزوجان في نقلها إلى حياتهما المشتركة».

عمل المرأة وحجم مشاركتها المادية ومشوارها الأكاديمي أساسيات يجب الإفصاح عنها منذ البداية

تنشأ كثير من الخلافات حول أمور أخرى لا تقل أهمية عن سالفتها، تلك المرتبطة بالعمل والماديّات وغيرها، توضحها البوسميط:

  • من الأمور الهامّة التي لابد من الاتفاق عليها منذ البدايات، إمكانية مواصلة الزوجة مشوارها الجامعي والأكاديمي، إن كان لديها النيّة.
  • ولابد من التعبير عن الرغبة في خوض مجال العمل، وإذا كانت المرأة تعمل بالفعل، فعليها معرفة حدود مشاركتها المادية، من عدمها، وتوضيح نيته لأن تسهم معه من باب الارتقاء بحال الأسرة إلى الأفضل، أو المشاركة بما هو أكثر من ذلك، وفي المقابل، عليها هي أن توضح رغبتها في تلك المساهمة من عدمها، فلربما ترى أنه هو الملزم وفق ما أقرّه الدين الحنيف بالصرف على الأسرة.
  • كما يجب الاتفاق على مكان السكن، وإذا ما بدأ الطرفان حياتهما في مكان مؤقت، وليكن مسكناً تابع لأهل الزوج، فعليه توضيح المدة التي يستغرقها الانتهاء من تجهيز بيت الزوجية، تفادياً للوقوع في المشكلات».

وتضيف خبيرة العلاقات الزوجية، خولة البوسميط «أكثر المشاكل التي تُعرض علينا تكون لصدامات صغيرة، ولكنها تكبر بسبب التراكمات، وعدم المصارحة من البداية، فالاحترام المتبادل بين الزوجين فن يساعد على تأسيس حياة سليمة، ومستقرة، لذلك، فإن أغلب الدراسات والبحوث التي أجريت في الجامعات العربية، تدعو إلى عدم إخفاء المعلومات الهامّة عمداً بين الزوجين، لما لذلك من تأثيرات في تقويض الثقة والألفة بينهما، كما أن احترام الكلمة والاتفاق يؤدي إلى الرضا، ثم السعادة الزوجية المنشودة».

مجلة كل الأسرة

تأثير اتفاقات ما قبل الزواج في استقرار الأسرة

بعد أن أشرنا إلى النقاط التي يجب أن يتفق عليها الشريكان، يشير الدكتور سالم جاسم الحوسني، مستشار علاقات أسرية وزوجية، إلى أهمية ذلك وتأثيره في شكل العلاقة في المستقبل «عندما ينتبه العروسان إلى أهمية وضع النقاط على الحروف من البداية لكل تفاصيل حياتهما، فبلا شك يثمر هذا في بناء أسرة سعيدة، ومتزنة، فمتى ما كانت الخطوط العريضة واضحة لكلا الطرفين، يؤدي ذلك إلى عدم وجود خلاف، أو اختلاف في وجهات النظر مستقبلاً، بل يقود إلى التقارب وتطابق الرؤى، والأفكار، والقناعات، التي تساعد على الاستمرارية.

وتكمن أهمية وجود جلسة اتفاق في تحقيق الآتي:

  • تأسيس ثقافة الحوار من البداية.
  • وضوح التوقعات والنية الحقيقية في رغبة تكوين وبناء الأسرة.
  • تقليل فرص الندم أو الانفصال لاحقاً
  • وضوح القيم والمبادئ المشتركة بين الطرفين والتي تضمن استمرارية الأسرة.
  • الوقوف على نقاط الاختلاف مبكراً، للوصول إلى قاعدة مشتركة في مواجهة أيّ تحدّيات مستقبلاً، والبعد عن المفاجآت غير المتوقعة.
  • اتخاذ قرارات ناضجة ومدروسة مبنيّة على الاقتناع.
مجلة كل الأسرة

ومن المؤكد أن وضع ضوابط واضحة للطرفين عند بناء الأسرة، يُعد أمراً أساسياً للحفاظ على استقرارها، ونجاحها، ومن أهم الأمور التي تسهم في تحقيق ذلك، كما يوضح د. الحوسني «عندما تكون هناك لغة حوار مشتركة بين طرفي العلاقة منذ البداية أساسها الوضوح والصراحة، يسهم ذلك في تعزيز الشعور بالأمان العاطفي والأسري، فالعلاقة التي تحمل في طيّاتها الحب، والاحترام، والمودّة، والرحمة، تؤدي إلى استقرار خالٍ من العُقد، النفسية والاجتماعية، التي قد تُبنى عليها قرارات، للأسف، قد تكون خاطئة، كما يسهم وضوح الحقوق والواجبات، وتوزيع الأدوار بالشكل الصحيح، في جعل إدارة الحياة منظمة، وبعيدة عن العشوائية. كل ذلك يمكن تحقيقه بسهولة إذا ما حرص الطرفان على تقديم أفضل هدية لبعضهما بعضاً، وهي تخصيص الوقت الكافي لمناقشة تلك الأمور، وعدم ترك المشاغل والاهتمام بأمور الزواج الأخرى، لتهدر حقهما الأساسي في وضع قواعد ثابتة لشكل الحياة بعد ذلك، ولا أقصد بحديثي أنها ثوابت، فقد يضطر الإنسان، وبحكم ظروف الحياة التي قد تطرأ على الأسرة، إلى تغيير بعض الثوابت، ولكن وجود لغة الحوار والتفاهم لن يجعل هذا الأمر حجر عثرة في استمرارية العلاقة بالشكل المطلوب، فالزواج ميثاق غليظ عندما يبنى على أسس سليمة، يكتب له النجاح، عكس الزوجين اللذين لا يؤسّسان لقواعد من البداية».

ويستعرض د. سالم الحوسني بعض الحالات كان لمفاجأة كل طرف بسلوكات الآخر السلبية، الأثر في دخولهما دوامة الخلافات والمشاكل الزوجية «أدى الخجل من المصارحة في أبسط الأمور، وإخفاؤها عن الطرف الآخر، إلى النفور بعد الزواج، وإذا كانت تلك هي النتيجة في أبسطها، كما أشرت، فما هو الحال في ما يتعلق بالأمور المصيرية التي تحتاج إلى حكمة ورزانة، وليس إلى العشوائية؟ على النقيض، توجد حالات ساعد الاتفاق ومناقشة كل تفاصيل الحياة المستقبلية على تقريب وجهات النظر، الأمر الذي ترك أثراً إيجابياً في نجاح تلك العلاقة، وأسهم في تكوين أسرة، سعيدة ومستقرة».