د. أحمد ياسين بهجت: انقطاع التنفس أثناء النوم مرض صامت يهدد الحياة

انقطاع التنفس أثناء النوم اضطراب صحي شائع يتسبب بتوقف التنفس، بشكل متكرّر، أثناء النوم، ما يؤثر في جودة النوم، ويزيد من خطر مشكلات القلب والأوعية الدموية، والاضطرابات العصبية. ويمرّ المرضى بفترات من الشخير، والاستيقاظ المتكرّر، والإرهاق المزمن، ما يجعله حالة تحتاج إلى التشخيص المبكّر، والعلاج الفعّال، لتحسين الصحة العامة، ونمط الحياة.

في حوارنا مع الأستاذ الدكتور أحمد ياسين بهجت، نستكشف كيف تسهم أحدث جراحات الأنف والأذن والحنجرة في تشخيص وعلاج هذه الحالة. وهو أحد أبرز الأسماء العربية في مجال الأنف والأذن والحنجرة وجراحات النوم، يشغل منصب أستاذ مساعد الأنف والأذن والحنجرة بكلية طب الإسكندرية – مصر، واستشاري الأنف والأذن والحنجرة وجراحات النوم في مستشفى الزهراء، بدبي، وهو زميل البورد الأوروبي للأنف والأذن والحنجرة، والبورد الدولي لجراحات النوم، وكبير أعضاء الجمعية الدولية لجراحات النوم، ممثلاً عن الشرق الأوسط، وأحد مؤسسي الجمعية المصرية لأمراض الحنجرة وجراحات النوم.


من أين بدأ شغفك بجراحات النوم؟
الحقيقة أن البداية كانت من والدي، الأستاذ الدكتور ياسين بهجت، أستاذ الأنف والأذن والحنجرة في جامعة الإسكندرية. كان قدوتي في الطب والإنسانية، ومنه تعلمت معنى أن يكون الطبيب إنسانياً قبل أن يكون جراحاً. من خلاله تعرفت إلى البروفيسور الإيطالي «كلاوديو فيتشيني»، أحد روّاد جراحات النوم في العالم، وهو الذي فتح أمامي الباب لاكتشاف هذا التخصص الذي لم يكن معروفاً بعد في القاهرة.
بعد تخرجي في كلية الطب عام 2007، سافرت إلى إيطاليا عام 2011، وهناك رأيت مدى التقدم الذي وصلت إليه أوروبا في جراحات النوم، وتعلمت أن هذا المجال ليس عملية واحدة، كما كان يُعتقد، بل منظومة كاملة تشمل فهم فيزيولوجية النوم، وأسبابه، وتشخيصاته الدقيقة، وجراحاته المتعدّدة. عدت بعدها إلى القاهرة، حاملاً هذا الشغف لتأسيس أول وحدة متخصصة في جراحات النوم بالإسكندرية.
ما الذي جذبك إلى هذا المجال النادر؟
جذبني إليه أنه مجال مظلوم علمياً، على الرغم من أهميته البالغة. كنت أرى أن كثيراً من المرضى الذين يشخرون، أو يعانون توقف التنفس أثناء النوم، يُنصحون بإنقاص الوزن فقط، أو باستخدام جهاز التنفس، من دون فهم السبب الحقيقي وراء المشكلة. وعندما اطّلعت على الدراسات الحديثة، اكتشفت أن العلاج الجراحي يمكن أن يغيّر حياة المريض جذرياً، لذلك شعرت بأن من واجبي أن أكون جسراً لنقل هذا العلم إلى العالم العربي، فبدأت من الإسكندرية، ثم القاهرة، وبعدها عملت في الكويت كأستاذ زائر لوزارة الصحة منذ عام 2018، ثم إلى دبي، حيث أعمل حالياً على تدريب الأطباء، ونشر الوعي حول جراحات النوم.
ما الفرق بين الشخير العادي وانقطاع التنفس أثناء النوم؟
الشخير العادي مشكلة اجتماعية فقط، وقد يسبب إزعاجاً لمن حول المريض، لكنه لا يهدّد صحته. أما انقطاع التنفس أثناء النوم فهو مرض حقيقي، وخطر، يحدث عندما يغلق مجرى التنفس العلوي أثناء النوم، جزئياً أو كلياً، ما يؤدي إلى توقف التنفس لثوانٍ، أو حتى دقائق. وخلال هذه الفترات ينخفض مستوى الأوكسجين في الدم، ويتراكم ثاني أكسيد الكربون، فيستيقظ المريض فجأة من دون أن يشعر بذلك.
هذه التكرارات المستمرة للاستيقاظ المفاجئ تؤدي إلى إرهاق دائم، وضعف التركيز، وارتفاع ضغط الدم، واضطرابات في ضربات القلب، وزيادة خطر الجلطات، وفي الحالات الشديدة قد يؤدي المرض إلى الوفاة أثناء النوم. لذلك أقول دائماً إن انقطاع التنفس أثناء النوم ليس مشكلة نوم، بل مشكلة حياة.
كيف يتم تشخيص المرض بدقة؟
التشخيص هو حجر الأساس في العلاج، نبدأ عادة بدراسة النوم (Sleep Study)، وهو فحص يُجرى أثناء نوم المريض لمراقبة نشاط المخ، والقلب، والتنفس، ومستويات الأوكسجين، وعدد مرات التوقف عن التنفس. هذه الدراسة تكشف مدى خطورة الحالة، بعدها ننتقل إلى منظار النوم (Sleep Endoscopy)، وهو إجراء بسيط يتم تحت تخدير خفيف لمراقبة مجرى التنفس أثناء النوم، وتحديد مكان الانسداد بدقة، هل هو في الأنف، أم سقف الحلق، أم قاعدة اللسان؟ هاتان الخطوتان هما المفتاح لتحديد الخطة العلاجية المناسبة لكل مريض.

متى يصبح التدخل الجراحي ضرورياً؟
يكون التدخل الجراحي ضرورياً عندما يكون هناك سبب تشريحي واضح لانسداد مجرى التنفس، مثل تضخم اللوزتين، أو تضخم قاعدة اللسان، أو اللحمية. هؤلاء المرضى يستفيدون من الجراحة بشكل كبير، لأننا نزيل السبب مباشرة.
أما إذا لم يكن هناك انسداد تشريحي واضح، فيُصنّف المريض ضمن ما نسميه الانسداد الديناميكي، أي أن مجرى التنفس ينهار أثناء النوم فقط، بسبب ارتخاء العضلات. وفي هذه الحالات، كان الحل التقليدي هو استخدام جهاز C-PAP الذي يضخ الهواء بضغط ثابت أثناء النوم لمنع الانسداد. لكن على الرغم من فعاليته، يجد كثير من المرضى صعوبة في استخدامه يومياً، ما يدفعنا إلى البحث عن بدائل أكثر راحة.
حدّثنا عن الشريحة المزروعة لعلاج انقطاع التنفس أثناء النوم...
هذه التقنية الحديثة تُعدّ ثورة في علاج المرضى الذين يعانون انسداداً ديناميكياً.
هي شريحة ذكية صغيرة بحجم العملة المعدنية، تُزرع تحت الجلد، وتتصل بجناحين على الأعصاب المسؤولة عن حركة اللسان، وعضلات البلعوم. وعند نوم المريض، تُفعّل الشريحة تلقائياً، فتبقي العضلات منقبضة بدرجة كافية لتمنع انسداد مجرى التنفس.
ميزة هذه التقنية أنها تعالج السبب الفسيولوجي للمرض من دون الحاجة إلى أجهزة خارجية، أو جراحة معقدة، وتُعيد إلى المريض نومه الطبيعي، من أول ليلة.
لكنها لا تناسب جميع المرضى، إذ يجب أولاً التأكد من أن المشكلة سببها ارتخاء العضلات فقط، وليس انسداداً تشريحياً. لذلك نحرص دائماً على دراسة الحالة بدقة، قبل اتخاذ القرار.

كيف تطوّرت جراحات النوم خلال السنوات الأخيرة؟
التطور كان مذهلاً، في السابق كانت الجراحة تقتصر على إزالة جزء من سقف الحلق، أما اليوم فلدينا منظومة متكاملة تشمل:
- توسيع جدار البلعوم لتحسين مرور الهواء.
- جراحات قاعدة اللسان باستخدام الروبوت الجراحي، التي تسمح بدقة عالية، وتقليل الألم والوقت.
- زرع الشريحة المحفزة للأعصاب.
- جراحات الأنف بتقنية البلازما، التي تتم من دون حشو أو فتيل، ما يجعلها أكثر راحة للمريض.
كما أن المستقبل يحمل تقنيات واعدة، مثل التحفيز العصبي عبر القسطرة من دون جراحة، وربما علاجات دوائية، أو جينية، تستهدف العضلات المسؤولة عن انسداد مجرى التنفس.
هل يغطي التأمين هذه العمليات الحديثة؟
نعم، معظم شركات التأمين التي تغطي أمراض النوم بدأت بالفعل تعتمد زرع الشريحة المحفزة، ضمن خططها العلاجية، على الرغم من ارتفاع كلفتها نسبياً، نظراً لما تحققه من نتائج ممتازة على المدى الطويل. فهي تقلل من خطر الجلطات، واضطرابات القلب، وتعيد إلى المريض نشاطه، ونوعية نومه الطبيعية.
وأخيراً، ما رسالتك للمرضى الذين يعانون اضطرابات النوم؟
رسالتي أن عدم النوم الجيد ليس أمراً بسيطاً، ومن يشعر بالإجهاد صباحاً، على الرغم من نوم ساعات طويلة، أو يعاني صداع الصباح، أو يشكو شريكه من الشخير الشديد، أو توقف النفس أثناء النوم، عليه أن يستشير طبيباً مختصاً، فكل دقيقة من نوم غير صحي تُخصم من جودة حياتنا، وصحتنا العامة.
الموقع الإلكتروني لمستشفى الزهراء دبي