12 أغسطس 2025

نشويات ودهون.. معدتك تتلاعب بك والدماغ شريك لها

أستاذة وباحثة جامعية

مجلة كل الأسرة

الأغذية الدهنية والسكرية تنشط رابطاً خاصاً بين المعدة والدماغ، فتحفز مراكز المتعة، وتدفعنا نحو الاستمرار في تناول الطعام، حتى لو لم تكن هذه الأطعمة شهيّة، بوجه خاص.

لماذا ننجذب بهذه القوة إلى رقاقات البطاطس، وقطع الشوكولاتة، وكل أنواع الأطعمة الغنية بالسعرات الحرارية؟

لقد حقق الباحثون في جامعة فلوريدا اكتشافاً يعدّل فهمنا لهذه الظاهرة، وهو أن معدتنا تقول لدماغنا، عبر روابط مباشرة معه، أن يستمر في تناول السكّر والدهون، وهذا بمعزل عن طعم الغذاء.

مجلة كل الأسرة

العصب الحائر

الرابط بين المعدة والدماغ الذي يدفعنا إلى تناول طعام سريع وخالٍ من القيمة الغذائية ليس سوى العصب الحائر، أو العصب العاشر. في الواقع، اكتشفت مولي ماكدوغل، وزملاؤها، أنه حين نأكل سكّريات أو دهنيات، ينقل العصب الحائر معلومات مصدرها الجهاز الهضمي، ومعه الكبد، نحو مراكز الحوافز والمتعة في الدماغ. ولا تعود نكهة الأطعمة هي التي ستدفعنا إلى تناول المزيد منها، بل مجرد قيمتها، من حيث ارتفاع سعراتها الحرارية.

وفي التجارب التي أجريت، نجح الباحثون في رؤية إشارة مضيئة تصدرها خلايا العصب الحائر، حينما تنشط وتحمل رسالتها إلى الدماغ. فبمجرّد أن حقنوا سكّراً، أو دهوناً في أمعاء الفئران، أو كبدها، حتى من دون أن تمرّ هذه المواد في فمها، أضيء فرعا العصب الحائر، ونقلا تعليماتهما إلى دماغ الفئران في منطقة ستأمرها بتناول المزيد من السكر والدهون، والتي تجزيها بشعور بالمتعة، وبهرمونة تسمى «دوبامين». وهكذا قامت الفئران بإطاعة معداتها، سواء أكانت الأطعمة لذيذة، أم لا، لأن نسبة السكّر والدهون تكفي لإطلاق هذه الآلية.

هل يعني هذا أن عصبنا الحائر يقرّر بدلاً عنا؟ للرد على هذه السؤال، قام فريق موللي مكدوغل باختبار الفرضية القائلة بأن متعة تناول أطعمة غنية بالسعرات الحرارية لا تأتي من اللسان والفم، بل من الأمعاء والكبد. واستخدم الباحثون آليات جينية، ووضعوا قواطع للتيار العصبي على جدران العصب الحائر لدى فئران المختبر. وحين تكبس هذه الفئران بطرف أنفها على زر في قفصها، ترسل ليفة وضعت لتلامس عصبها الحائر دفعات مضيئة على القواطع التي كانت تفتح، وتشغل العصب، كما لو أن الفأرة قد أكلت مادة دهنية وسكّراً. وحينئذ أخذت الفئران الصغيرة بالكبس على الزر، بشكل بطيء في البداية، ثم بوتيرة أسرع فأسرع، بقدر ما أن عصبها الحائر كان يظن أنها تأكل سكّراً ودهوناً. وفي النهاية، كانت الفئران تكبس بلا انقطاع على الزر بسبب المتعة التي كانت تشعر بها. فالعصب الحائر كان يحفز بشكل دائري حلقة مركز المتعة في دماغها.

مجلة كل الأسرة

نأكل ما لا نحب

ما السبب الذي يجعل الفئران مبرمجة حتى تمتلئ بالدهون والسكّريات؟ من ناحية الطاقة، تعتبر هذه المواد رهاناً جيداً من جانب الجسم والدماغ. فحين تندر موارد الطعام وتكون غير أكيدة، يصير خزن الطاقة عاملاً لزيادة فرص البقاء. وفي خلال مئات آلاف السنين، لم يكن أسلافنا يملكون سوبرماركت، وبرادات لحفظ الأطعمة، وكان يجب تناول الطعام لأكثر ما يمكن، وحينما تحين الفرصة، لأن ما من أحد كان يستطيع أن يخزن طعاماً ليدرأ الجوع، أو المجاعة الممكنة عن نفسه. من هنا جاء دور الجهاز الهضمي الذي يأمر الدماغ باستيعاب القدر الأكبر من موارد الطاقة المتاحة هذه.

واليوم، تنتج الصناعات الغذائية، بشكل غير منقطع، هذا النوع من الأطعمة، في حين أن العصب الحائر لم يتحْ له المجال لأن يتأقلم مع الوضع الجديد، ولا يزال يطبق التعليمات التي كانت نافعة في الماضي. لذا ترانا نزداد وزناً، ونأكل حتى من دون أن نحب حقيقة، في بعض الأحيان، ما نأكله من طعام.

اقرأ أيضاً: دهون البطن العنيدة.. أسبابها وكيف تتخلصين منها!