07 أغسطس 2025

د. هدى محيو تكتب: أنف المرأة الحامل

أستاذة وباحثة جامعية

مجلة كل الأسرة

يُقال ن حاسّة الشم تتضاعف مرّات ومرّات عند المرأة الحامل، كما لو أن أنفها قد صار أشد حساسية، إلى درجة أن بعض الروائح قد تسبب لها الغثيان. ويبدو أن أغلبية النساء الحوامل يشعرن بأنهن قد تحوّلن إلى آلة شم أقوى من أيّ آلة أخرى. والكثير من النساء لا تعود لديهن طاقة على احتمال بعض الروائح، سواء أكانت روائح عطرية، أم رائحة دخان، أم حتى رائحة الزوج.

لكن الغريب في الأمر أن دراسة أجريت في جامعة شيكاغو، وهي عبارة عن توليفة شاملة لكل الأبحاث التي تطرقت إلى هذا المجال، جاءت لتؤكد العكس تماماً، بمعنى أن النساء الحوامل يسجلن نجاحاً أقل في التعرّف إلى الروائح، أو حتى الإحساس بها.

ومع هذا، فإن ما من امرأة حامل، أو مرّت بحالة حمل وعاشت تغيّرات في حاسة الشم لديها، ممكن أن تقبل بهذه الخلاصة، بل ستعتبر أنها خلاصة مغلوطة، إن لم تكن كاذبة، إذ لا يمكنها أن تكذِّب تجربتها لتصدّق تجارب الآخرين، حتى لو كانت تجارب علمية.

فما هو سبب هذه المفارقة الغريبة؟

في الحقيقة، ليست حاسّة الشم هي التي تتبدّل عند المرأة الحامل، بل هو إحساسها الذاتي إزاء الروائح التي تشمها. وهذا يعني أنها لا تشم الرائحة بطريقة أقوى، كما لدى أيّ شخص يتمتع بحاسة سمع قوية، يمكنه بواسطتها أن يسمع ما لا يسمعه الآخرون، بل تشم الرائحة بطريقة أخرى، أي أن بعض الروائح تسبب لها إزعاجاً أكبر من الذي كانت تسببه لها قبل الحمل. والفرق بين ما قبل الحمل وخلاله لا يكمن في الأنف، بل في الدماغ!

أما أين في الدماغ، وما الذي يتغيّر فيه؟ فهذا ما لا يزال من دون أيّ جواب، ولا يزال العلماء يجهلون أيّ تغييرات عصبية قد أصابت الدماغ ليتحوّل بهذه الطريقة. والمحسوم الوحيد هو أن حاسّة الشم لا تصير أشدّ حساسية عند المرأة الحامل، بل إن حساسيتها تجاه بعض الروائح هي التي تشتد.

لقد صار العلم يعرف أشياء كثيرة عن الحمل، وسواه، لكن أشياء كثيرة أخرى لا تزال غائبة عنه، وحاسّة الشم عند الحوامل هي أقلّها. وإذا كان العلم قد حسم المسألة بالقول إن القدرة على الشم عند المرأة الحامل لا تشتد، إلا أنه حسم، على الأقل، في الوقت نفسه، أن كراهيتها لبعض الروائح، وحتى غثيانها، هي ظواهر تغيّرات بدنية حقيقية، وليست ظواهر مزيفة من دلع الحوامل.