هل يمكن أن يهدّد الجوع الحياة؟ وما حدود الصيام التي تفيد الجسم؟ كم ساعة جوع يمكن أن يتحمل الجسم قبل أن يبدأ بالتهام ذاته ويفقد الطاقة تدريجياً؟ وهل يمكن أن يستعيد الجسم عافيته بعدما يلتهم ذاته؟
مراحل الجوع
كلنا نعلم أن للصيام عدداً محدّداً من الساعات، فوائد كثيرة ينقي فيها الجسم ذاته من السموم، ويجّدد طاقاته. فالجسم يمرّ خلال ساعات صيام تتراوح بين 8 إلى 12 ساعة، بتغيّرات متعدّدة على مستوى الخلايا والأعضاء. فبعد قرابة 8 ساعات من آخر وجبة، تبدأ مستويات الغلوكوز في الدم بالانخفاض، ويبدأ الجسم باستخدام مخزون الغليكوجين في الكبد والعضلات، ثم بعد ذلك يبدأ بتكسير الدهون كي يتمكن من الحصول على الطاقة، الأمر الذي قد يؤدي إلى فقدان الوزن الزائد، وتراجع مقاومة الأنسولين في الجسم. ولذلك، يمكن للصيام أن يحسّن وظائف القلب، والدماغ، والحالة المزاجية للإنسان.
والالتهام الذاتي (Autophagy) تعبير عن العملية الطبيعية في الخلايا عندما تفكك الأجزاء التالفة والقديمة منها، وتعيد تدويرها. وهذه العملية ضرورية للحفاظ على صحة الخلايا وتوازنها، وهي تلعب دوراً في الوقاية من الأمراض.
مراحل ما بعد الصيام
بعد هذه المرحلة، يدخل الجسم في المرحلتين الثانية والثالثة من الجوع، بحيث يصبح المزاج متقلّبا، ويعاني الشخص إرهاقاً وصعوبة في التركيز، ويظل فكره منشغلاً بالطعام، ثم يعاني التشتت الذهني وفقدان الطاقة، ليدخل في مرحلة الاكتئاب، والقلق، وتراجع الوظائف الإدراكية.
ومع استمرار الجوع، يدخل الجسم في المرحلة الثالثة وهي الأشد، وقد تكون مميتة، إذ تظهر أعراض جسدية تعتمد في حدّتها ومدّتها على العمر، والوزن، والصحة العامة للجائع. وقد يستغرق هذا الأمر من أيام إلى أسابيع عدّة، ويظهر الضعف على الجسم، وتزداد سرعة ضربات القلب، ويصبح التنفس بطيئاً، ويشعر الشخص بالعطش الشديد، وقد يصاب إما بالإمساك، وإما بالإسهال.
بعد ذلك، تغوص العيون في المحاجر، ويتقلص حجم العضلات فتبدأ بالضمور. ويصاب الجسم بالوهن الشديد، ويشعر الشخص بدوار قد يليه فقدان للوعي، وتشحب البشرة كثيراً. ويظهر لدى الأطفال خاصة انتفاخ في البطن، وقد يحدث تورم في القدمين والكاحلين.
وفي هذه المرحلة، يختفي مخزون الدهون، فيلجأ الجسم إلى البروتين المُخزّن في أنسجة العضلات فيلتهمه، وترتخي العضلات كلياً، وبسرعة كبيرة، وعند نفاد البروتين، تتوقف الخلايا عن العمل، ويصبح الجسم عاجزاً أمام البكتيريا والفيروسات، وإذا لم يكن هناك تدخل طبي عاجل تحدث الوفاة، حتى لو قدم الطعام للجائع، لأنه في هذه المرحلة لا يستطيع حتى تناول الطعام الذي كان يحلم به.
متلازمة إعادة التغذية (RFS)
عند محاولة إعادة تغذية الأشخاص الذين يعانون الجوع الشديد، أو سوء التغذية الحاد، أو الإجهاد بسبب المرض الشديد، يحدث لديهم اضطراب أيضي، فعند إعطائهم كميات من الطعام، أو من المكملات الغذائية السائلة، خلال الأيام الأولى بعد الجوع، قد يؤدي إنتاج الغليكوجين، والدهون، والبروتين، في الخلايا إلى انخفاض تركيز البوتاسيوم والمغنيسيوم والفوسفات في الدم، فيختل توازن الكهارل، الأمر الذي قد يؤدي إلى اضطرابات عصبية، رئوية، قلبية، عضلية، ودموية، وقد يؤدي ذلك إلى الوفاة ليس جوعاً، ولكن بسبب محاولة إعادة التغذية!
ولتفادي هذه المخاطر، يمكن البدء بإضافة السوائل، والفيتامينات، والمعادن، بعناية إلى النظام الغذائي للمريض، أو عن طريق الوريد ( التغذية الوريدية). ومع أن الخبراء قد وضعوا توصيات لمتلازمة إعادة التغذية، لكن لا توجد حتى الآن أبحاث عالية الجودة بهذا الخصوص. وقد يستغرق علاج متلازمة إعادة التغذية وقتاً (من 5 إلى 10 أيام)، و في بعض الحالات قد تستمر إعادة التغذية أسابيع، أو أكثر حسب الحالة.