16 أبريل 2025

كيف يجعل الشجر مدننا أقل تلوّثاً؟

أستاذة وباحثة جامعية

مجلة كل الأسرة

هل يؤدي الشجر دوراً مفيداً في مدننا؟ الجواب هو نعم، فالشجر قادر على استيعاب جزء من الغازات الملوّثة، والجزيئات العالقة في الهواء، شرط أن نحسِن اختيار الشجرة المناسبة في المكان المناسب، وإلّا، قد نزيد التلوّث تلوّثاً.

إذا كانت المدن، في جميع أنحاء الأرض، توظف مزيداً من المال والطاقة في التشجير، فالمسألة لا تتصل بجمال المنظر فقط. فمن المعروف أن الشجرة تستوعب كمية من ثاني أوكسيد الكربون، وهو غاز يحمل أثراً احتراريّاً عالياً، وتستخدم ذرة الكربون لمصلحة نموِّها، لترمي في الهواء الأوكسجين الذي من دونه لا نحسِن التنفس. لهذا السبب نحب الشجر.

لكن، لا يقتصر الأمر على هذا وحسب. فمنذ نحو عشرين سنة، لاحظ العلماء أن النباتات قادرة على التقاط مواد ملوّثة أخرى في الجو، لا سيّما المكوّنات المتطايرة، عبر احتباسها في أوراقها، أو في إبرها، وكذا الجزيئات المعلقة في الجو التي تتراكم على أوراق الشجرة، وجذعها.

وقد دلّت دراسات حديثة على أن الأشجار أكثر فعالية في هذا المجال من الأسقف والجدران النباتية. كما أن الشجرة، حينما تتعرق وبواسطة الظل الذي تحمله، ترطّب الجو، وتبرّده، وهذا أمر أساسي لمواجهة موجات الحر المتزايدة. فمن يقول حرارة مرتفعة، يقول أيضاً، سوء دوران الهواء، وزيادة في انبعاثات بعض المواد الملوّثة. فالشجرة تؤثر بهذه الطريقة، وبشكل غير مباشر، في التلوّث، عبر خفض استخدام آلات التبريد في الصيف، والانبعاثات الملوّثة المرتبطة بها.

الشجرة هي، إذن، حليف هام ضد تلوّث الأجواء الذي يشكّل العدو الصحي، رقم واحد، لسكان المدن. وتُعد منظمة الصحة العالمية أن تلوّث الأجواء قد تسبّب، في عام 2012، بالوفاة المبكرة لسبعة ملايين شخص. ومن بين الملوّثات الأكثر أذى تأتي الجزيئات الدقيقة التي صُنفت على أنها مسببة للسرطان، من قبل المنظمة، ومسؤولة عن اضطرابات القلب، والشرايين، وهي تصدر عن آلات التدفئة، ومحركات الديزل، وبعض المولّدات التي تعمل على الفحم.

ويشكل النقل البري، والصناعة كذلك، مصادر ثاني أوكسيد الأزوت الذي يتسبب بأمراض تنفسية، ومركّبات عضوية متطايرة يكون بعضها، كما البنزين، مسبباً للسرطان. وحين يكون الطقس جميلاً تتفاعل مواد ثاني أوكسيد الأزوت والمركّبات العضوية المتطايرة، بتأثير من الشمس، لتشكل مادة الأوزون، وهو غاز يحمل تأثيراً شديد الأذى، يستطيع أن يتسبب بنوبات ربو. أما ثاني أوكسيد الكربون، فهو لا يحمل أيّ أثر مباشر في الصحة، بالنظر إلى تركيزه الحالي، لكنه يسهم في رفع معدلات حرارة الجو لجعل المدن مكاناً يصعب التنفس فيه.

هل تشكل الأشجار الحل المطلوب لتنظيم المدن وتنقية أجوائها؟

قد يفكر المسؤولون في المزيد من زراعة الأشجار، من أجل تحسين القدرة على التنفس، لكن حذارِ ألا تتم زراعة أيّ شجرة كانت، كما تؤكد الباحثة الألمانية، غالينا شوركينا، من معهد الدراسات المتقدمة حول التنمية المستدامة، في بوتسدام. فالمدن يجب أن تكون يقظة في ما يختص باختيار الأنواع، وعليها أن تدرك أن الأشجار التي تؤدي خدمات كثيرة يمكن كذلك أن تكون مضرّة. فبعض الأنواع قد تزيد من حالة التلوّث، كما بالنسبة إلى شجرة الطائرة، والسنديان، أو الحور التي تصدر مكوّنات عضوية متطايرة بكميات كبيرة، كـ«الإيزوبرين»، و«التربين».

وإذا كانت هذه المواد تحمي الشجرة، وتساعدها على مقاومة الحرارة الزائدة صيفاً، وعلى إبعاد الحشرات عنها، إلا أنها تحمل ضرراً بصحتنا. فحين تندمج هذه المواد مع ثاني أوكسيد الأزوت، وبتأثير من الشمس، تسهم في تشكّل الأوزن الذي يسبب نوبات الربو، والأمراض التنفسية. كما أن من الأفضل ألا تزرع في المدينة كميات كبيرة من بعض أنواع الشجر، كالبتولا والسرو، التي يتضافر غبار الطلع لديها مع الجزيئات الدقيقة، ويتسرب إلى أعماق الشعب الهوائية، ليتسبب بحالات من الحساسية.

ومن بين الأنواع التي يستحسن اختيارها تلك التي تمتلك أوراقاً ملساء، ومسطّحة، كشجر السنط الوهمي، أو الحور الأسود، القادرة على امتصاص كميات كبيرة من الملوّثات الغازية، وتفكيكها، من دون أن تتأثر. أما الأنواع ذات الأوراق الخشنة، أو المشعرة، فهي الأكثر قدرة على احتباس الجزيئات، كشجر الزان. فشجرة الزان الصغيرة يمكنها أن تلتقط 100 جرام سنوياً من هذه الجزيئات، في حين أن شجرة الزان البالغة يمكنها أن تلتقط 1,4 كيلوجرام منها.

أما بالنسبة إلى الصنوبريات، فهي لا تفقد أوراقها شتاء، وهي مهمة من أجل احتباس الجزيئات والمركبات العضوية المتطايرة. وبحسب سِن بعض الأشجار، وحالتها الصحية، ونسبة نموّها، ستكون أكثر فعالية من سواها كمرشح مضاد للتلوّث. ولكن يجب كذلك أن نأخذ في الحسبان المناخ، وشدّة الضوء، وكمية المياه المتوافرة، وتركيبة التربة... فحين تكون الشجرة في حالة نقص الماء، على سبيل المثال، لن تكون قادرة على التقاط الغازات الملوّثة، لأن فتحات أوراقها الصغيرة ستنغلق من أجل أن تحافظ على الماء.

لا يكفي، بالتالي، أن نزرع الشجر. فحتى تتمكن الأشجار من لعب دورها كاملاً، يجب أن نزرعها في المكان المناسب. لكن حتى الآن، كانت المقاربة الجمالية عموماً، هي الغالبة، وكذلك الناحية العملية مع الأشجار الصغيرة التي تسهل صيانتها، أو الأشجار الأقلّ عرضة للأمراض.

اقرأ أيضاً: ماذا تعرف عن استراتيجية «زيرو كربون» في دولة الإمارات؟