كثيرة هي النتائج السلبية الناجمة عن التعاطي مع الشبكات الاجتماعية بطريقة إدمانية، وسنأتي على ذكر اثنتين تُعتبران من أخطرها.
النتيجة الأولى، هي أن المواظبة المستمرة على الشبكات الاجتماعية تحصرنا في حلقات فكرية شبيهة بتفكيرنا. بكلمات أخرى، تجعلنا الشاشات رهينة الشيء نفسه، في حين أن بناء الذات بشكل مستمر يقتضي أن نجد توازناً بين ما يشبهنا، وبين ما هو مختلف عنا.
والحقيقة أن الشاشات، وبالأخص الشبكات الاجتماعية، تعمل كما لو أنها «مرآة موجَّهة»، تعكس لنا صورة مشوهة عن شخصيتنا، حيث إن الخوارزميات تحلّل سلوكنا وتفاعلاتنا من أجل أن تقدم لنا محتويات تناسب آراءنا، وميولنا. والمشكلة هي أننا لا نعود نحتمل، إلّا بصعوبة، اختلاف الآخر عنا، لشدّة ما أن الشاشات تكرر أمام أعيننا رؤيتنا للعالم فتعززها. وتكون النتيجة أننا نفقد قدرتنا على النقاش، وعلى مواجهة أفكارنا بأفكار الآخرين، وجعلها أكثر حساسية إزاء الفوارق الصغيرة. فينتهي بنا الأمر إلى العيش ضمن فقاعتنا الصغيرة المريحة، حيث لا نعيد النظر، مهما حصل، في آرائنا ومعتقداتنا.
النتيجة الثانية المقلقة، هي أن التعرض المفرط للشبكات الاجتماعية يجعلنا نتلقى المعلومات بواسطة الصورة أساساً أكثر ممّا نتلقاها بواسطة الكلمات. ويجب أن نعلم أن الصورة والكلمة أمران مختلفان تماماً. الصورة تفرض نفسها على من ينظر إليها، في حين أن الكلمة تخلق مسافة بيننا وبينها.
أما دماغنا، فهو يرى الأشياء أولاً، وفي أغلب الأحيان، على شكل صورة لتأتي الكلمة بعدها وتتيح لنا أن نصف هذه الصور الذهنية في رأسنا. هكذا يعمل الفكر، نحن نبذل جهداً بواسطة اللغة حتى نصف هذه الصور، وهذا هو الجهد، بالتحديد، الذي يجعلنا نفكر في ما نراه، ونضع مسافة بيننا وبينه.
وفي المقابل، فإن الشبكات، الاجتماعية، ومختلف الشاشات عموماً، تقدم لنا محتويات بصرية لا تحثّنا على التفكير. فالصور المعروضة علينا تتطلب القليل جداً من الجهد المعرفي، بما أننا نشكل تفكيرنا معها بشكل فوري، وتكون نتيجة هذا الأمر إفقار خيالنا، لأننا لا نعود نبذل أيّ جهد في دماغنا من أجل خلق تصوّراتنا الخاصة.
أمّا إذا كنا نريد لأطفالنا أن يتمتعوا بانفتاح فكري، وتوقّد ذهني، وخيال واسع، فلن يكفي أن نمنعهم من المواظبة على الشاشات المختلفة، بل يجب أن نكون مثالاً يُحتذى في هذا المجال.