24 نوفمبر 2025

رحلة في أعماق المحيطات

رئيس قسم الشباب في مجلة كل الأسرة

مجلة كل الأسرة

أسماك... فقريات ولافقريات... إسفنج... زنابق وشقائق النعمان، البحر... حلزونيات، ونجوم،  وديدان، وقنافذن وأخاطب... عالم أعماق المحيطات عالم غريب ومتناقض، تتكيف فيه كائنات حية مع ظلام دامس، وضغط هائل، ودرجات حرارة منخفضة جداً. لذا يجدُّ العلماء في  استكشاف هذا العالم، ويستخدمون  التقنيات الحديثة والذكية، كي يتمكنوا من فهم الحياة في هذه البيئة المدهشة.

مجلة كل الأسرة

هيا لنغُص معاً!

تخيّل أنك تغوص إلى «قاع المحيط» لتصل إلى أعماق سحيقة كانت في الماضي جزءاً من الخيال، وكان الوصول إليها صعباً للغاية. فاليوم مع كل التطور التقني أصبح بالإمكان استكشاف هذا العالم الذي يضم العديد من المميزات، مثل الشعاب المرجانية الصخرية والمناطق الرسوبية، وموائل أخرى كثيرة تسهم في التنوع البيولوجي، والوظائف البيئية.

ما هو قاع المحيط؟

قاع المحيط (أو أعماق البحار)، هو أدنى طبقة في المحيط، حيث يوجد بعضٌ من أكثر الظروف البيئية قسوة على الأرض. لا ضوء هناك، والضغط شديد، ودرجات الحرارة غالباً ما تكون قريبة من التجمّد. لكن ، مع ذلك، تعيش كائنات حية في ذلك المكان! فهيّا لنغُص معاً، ونكتشف كيف تتكيّف الأحياء في قاع المحيط مع الظروف القاسية.

مجلة كل الأسرة

الحياة في الأعماق:

ثمة نوعان من الكائنات الحيّة في قاع البحر؛ كائنات قاعية تقضي معظم حياتها في الأعماق، حيث يتحرك بعضها بيسر، مثل الكركند وسرطان البحر، ويلتصق بعضها الآخر، مثل شقائق النعمان، بقاع المحيط. وكائنات حية سطحية تقضي حياتها كاملة في الماء حيث تسبح بنشاط ، مثل الأسماك، والحيتان، والحبار العملاق. كما توجد كائنات حية أخرى، مثل العوالق الحيوانية، التي تطفو عادة على السطح.

كيف تعيش الأحياء في أعماق البحار؟

تعيش الكائنات القاعية والسطحية في أعماق البحار في ظروف قاسية، لذلك، تحتاج إلى تكيف خاص كي تعثر على الطعام، وتتمكن من التنقل، وتحمّل الضغط والبرد، كي تستمر على قيد الحياة. فكيف تفعل ذلك؟

مجلة كل الأسرة

البحث عن الطعام:

كيف تجد الحيوانات طعامها في أعماق سحيقة تحت الماء؟ من دون ضوء الشمس، والتمثيل الضوئي في المياه العميقة، لا تتوفر لها النباتات الحية كغذاء، لذا تستعيض عنه الأحياء هناك ببقايا النباتات الميتة، والحيوانات النافقة، وفضلات الحيوانات التي تتساقط من الطبقات العليا، كقوت يبقيها على قيد الحياة. ويُعرف هذا المصدر الغذائي باسم الثلج البحري.

 كما تتّبع بعض الكائنات طرقاً أخرى للحصول على الغذاء في المياه العميقة، بأن تنتج غذاءها بنفسها! فعلى غرار عملية التمثيل الضوئي، تُحوّل هذه الكائنات الطاقة الناتجة عن التفاعلات الكيميائية إلى مغذيات. وتُسمى هذه العملية التغذية الكيميائية الذاتية.

أما الأسماك الأخرى من آكلات اللحوم، فتجذب فرائسها بطعوم متوهجة بيولوجياً، وقد تتسع مِعَدها في مثل هذه الحالة لتلتهم كائنات بحجم يفوق حجمها ثلاثة أضعاف! كما قد يحالف الحظ أحياناً بعض الكائنات عندما تغرق جثة حوت في الأعماق، فتشكل وليمة فاخرة!

التكيف مع الظلام:

إذا أتيح لك الوقوف على شاطئ المحيط، أو إذا شاهدت ذلك في فيلم ما، فإنك سترى مكاناً رائعاً، لامعاً، وساطعاً للغاية. لكن ما تراه ليس سوى الطبقة العليا من المحيط، والمعروفة باسم «المنطقة المضيئة». فعلى عمق قرابة 200 متر، يخيّم الظلام، وتكون أشعة الشمس ضعيفة جداً، في منطقة تعرف باسم «منطقة الشفق»، وهي الجزء العميق في قاع المحيط.

التكيّف مع الضغط:

ربما شعرت يوماً، بطقطقة في أذنيك بعد السباحة تحت الماء، لأن الماء والهواء فوقك يُولّدان ضغطًا على أذنيك. وهذا ما يحدث في المحيط، فكلما ابتعدت عن السطح زاد الضغط. وكي تعيش الحيوانات في هذه البيئات ذات الضغط العالي تحتاج إلى تكيّف خاص.

وعادة، تملك الأسماك التي تسبح في المنطقة المضاءة بنور الشمس مثانة سباحة مملوءة بالغاز، تساعدها على التحكم في الطفو، والارتفاع، والهبوط، من خلال تنظيم كمية الغاز. وعندما تنزل الأسماك إلى ما بعد المنطقة المضاءة بنور الشمس، يزداد ضغط الماء على أجسامها، بما في ذلك مثانة السباحة. ويؤدي الضغط المتزايد على الغاز في المثانة إلى انخفاض في الحجم اللازم لإبقائها طافية، وكي لا تغرق الأسماك في هذه الحالة وتبقى طافية، وتتمكن من التحرك صعوداً وهبوطاً، يزيد بعضها من كمية الأوكسجين في مثانة السباحة، ويستخدم البعض الآخر الدهون بدلًا من الغاز لضبط عملية الطفو.

مجلة كل الأسرة

التكيّف مع البرد:

عند متوسط ​​درجة حرارة أربع درجات مئوية، تكون أعماق المحيطات باردة جدًا! وللبقاء على قيد الحياة في مثل هذه الأجواء الباردة، تتحرك كائنات أعماق البحار، وتتنفس عموماً ببطء شديد، ويرجع ذلك إلى تقليل احتياجاتها من الطاقة.

ويمكننا، بالفعل، ملاحظة هذا التكيّف من خلال مراقبة بعض الكائنات التي تعيش في المياه العميقة. ولأنها لا تحتاج إلى الكثير من الطاقة، فإنها تفتقر إلى بعض الميزات؛ فعلى سبيل المثال، تتمتع البزاقة البحرية، صاحبة الرقم القياسي، بجلد شفاف، وعضلات رقيقة، وهيكل عظمي غضروفي، ولا تحتوي على قشور! كما أن لحمها مصنوع من مادة هلامية أقلّ كثافة من الماء. وبالتالي، فهي لا تحتاج إلى السباحة لتجنب الغرق.

هل أسعدتك الرحلة معنا إلى أعماق البحار؟ نتمنى ذلك لنأخذك في رحلات أخرى ونستكشف معاً عوالم بعيدة عنا.