في بقع بعيدة من العالم، يوجد بشر لا علاقة لهم بالتطور التقني، ولا بوسائل التواصل الاجتماعي، ولو أقبل عليهم روبوت بشري فسيقتلونه في الحال.. هم بشر بدائيّون، معزولون عن العالم، يعيشون في أجوائهم الخاصة التي ولدوا فيها، واعتادوا عليها. عددهم قليل، لكنهم ما زالوا يدافعون عن أرضهم، ومستعدون لأكل كل ما تصطاده رماحهم. أهو صراع من أجل البقاء، أم تعلّق بالحياة الفطرية رغم الشقاء؟
قبائل الأمازون
تخيّل أنك في طائرة تحلّق فوق غابات الأمازون المطيرة، سترى أشجاراً كثيفة تغطي مساحاتٍ شاسعة، فلا تسمح لك برؤية ما يجري تحت أغصانها الوارفة، حتى وإن كان المتطفل «درون»!
رئة الأرض
تمتد غابات الأمازون على مساحة تقارب 6% من مساحة الكرة الأرضية، وتغطي أراضي في عدد من البلدان في القارة الأمريكية؛ البرازيل، بيرو، كولومبيا، فنزويلا، الإكوادور، بوليفيا، غيانا، سورينام، وغيانا الفرنسية، ولكن البرازيل تستحوذ على المساحة الأكبر بين هذه الدول، إذ إن نصيبها وحدها من غابات الأمازون يبلغ 60%.
وتضم غابات الأمازون، حسب الإحصاءات، ما يُقارب 400 مليار شجرة، من 16 ألف نوع، و40 ألف نوع من النباتات، و30 ألف نوع من الفاكهة القابلة للأكل. كما يوجد فيها أخطر أنواع العناكب السامة، والثعابين. ويُطلق علماء البيئة على غابات الأمازون لقب «رئة العالم»، أو «رئة الأرض»، لأنها تطلق من خلال عملية التمثيل الضوئي قرابة 20% من الأوكسجين الذي تتنفسه الكائنات الحية على سطح الأرض.
سكان الغابات
يعيش في غابات الأمازون أكثر من 50 قبيلة أصلية، تتحدث بلغات خاصة، ولها عاداتها وتقاليدها، وعلى الرغم من كل التطور الحاصل على الأرض، فإن بعض قبائل «رئة الأرض» لا تعرف شيئاً عن العالم الخارجي، ويكفي أنها تعيش حياتها البدائية، مقتنعة بما لديها من ماء، وطعام، وشراب تحصل عليه من أكثر الغابات وفرة وغنى في العالم.
سنتحدث في ما يلي عن قبيلة «ووراني» ( Huaorani) وهي إحدى قبائل الأمازون البعيدة عما يجري في العالم، وكي نقترب من هذه القبيلة، كان لابد من التعريف قليلاً بتلك الغابات التي لا تسمح بدخول نور الشمس إليها إلا قليلا بسبب كثافة أشجارها التي تحول النهار إلى ليل في بعض المناطق.
من أغرب القبائل
تعيش قبيلة «ووراني»، أو قبيلة «ووس»، في غابات الأمازون، و قد اكتُشفت لأول مرة في أواخر أربعينيات القرن الماضي، وأفرادها هم مجموعة من السكان الأصليين مقيمين في شرق الإكوادور. ويبلغ عددهم قرابة 4000 فرد، وهم يتحدثون بلغة غريبة، ويتميزون بتراث ثقافي فريد من نوعه.
منذ أعوام استطاع المصور التشيكي فاتسلاف سيلها، دخول غابة الأمازون في الأكوادور، حيث التقى بأفراد من قبيلة «ووراني»، وقال إنهم أناس طيبون، وقد وُصف فاتسلاف حينذاك بالمصور الشجاع، لأنه التقى بأولئك البشر في أكثر مناطق العالم خطورة.
أما نحن، فإذا أردنا أن ننتقل من عالم التكنولوجيا والتطور لنلج غابة الأمازون، فهل سنهتم بأن نحمل لقب شجعان؟ أم من الأفضل أن نجلس في بيوتنا ولا نخاطر بدخول غابات لها أول، وليس لها آخر، و فيها الحيوانات المفترسة كثيرة، وتنتظر التهام ما يقع عليه نظرها، إلى جانب الأعشاب والحشرات السامة، والأفاعي؟
وسط كل هذه المخاطر يعيش سكان أصليون، متكيّفون مع المطر والظلام، يمشون حفاة ،ويجولون عراة، يأكلون من النبات الكثير، ويصطادون القردة، والخنازير، ويعالجون أمراضهم بما وهبتهم إياه الطبيعة الأمازونية من صيدلية شاملة، ومتنوعة.
دخول الغابة
سيكون لنا لقاء مع فرد من أفراد قبيلة ووراني، لقاء يشبه الحلم، هو من وحي الخيال، لكنه يرتكز على حقائق ووقائع أوصلنا إليها من زار الأمازون، ودرس القليل من متاهاتها، وعرف جغرافيتها، واقترب من قبائلها.
مع الخيال
يمكن القول إن غابات الأمازون من الأماكن التي لم يكتشفها الإنسان بعد، نظراً لمساحتها الكبيرة، ولوجود قبائل ما زال أفرادها يعيشون بمنأى عن الحداثة، وتطور التكنولوجيا. إذن، فالخطر يحيق بمن يحاول الوصول، لكن الخيال قد يكون أسهل الطرق ،وأقصرها لمن يحب أن يتعرف، عن كثب، إلى المزيد من أجواء تلك الغابات المطيرة، وكيفية عيش قاطنيها من القبائل البدائية.
اللقاء
لقد زال الخوف وتوارت الرهبة، الشخص طيب، ينظر في العينين ليفهم القصد من الزيارة، ثم يطمئن عندما نقابله بابتسامة ودودة:
ومع مترجم الذكاء الاصطناعي، سنحاول فهم ما يقوله الووراني:
هل تعيشون في مكان ثابت؟
لا، فقد تسببت إزالة الغابات في انتقالنا من مكان إلى آخر.
ماذا تأكلون وكيف تشربون؟
نحن نصطاد الخنازير والحيوانات البرية برماحنا، (ولوّح بالرمح الضخم الذي يحمله)، ونصطاد القردة بالبنادق السامة. نحن نشرب من الينابيع والأنهار، لكننا صرنا نشرب أحيانا ماء ملوثاً بسبب عمليات البحث القريبة عن الوقود الأحفوري.
لو دخل عليكم شخص مجهول، كيف يكون ردُّ فعلكم؟
في الماضي كنا نقتله على الفور، وهذا ما فعلناه مع عدد من الأشخاص حاولوا اقتحام خصوصياتنا. أما اليوم، فنحن نستقبل الغريب، ولكن لا ننصحه بالمكوث، لأن حضارتكم تهدّد وجودنا.
نظرت إلى قدميه العاريتين والمتآكلتين بفعل الخشونة، فلاحظت أن له ست أصابع في كل قدم، رآني مستغربة فقال «إننا نتسلق الأشجار لنحصل على الطعام من الفروع العالية، كما نتربص هناك بالحيوانات التي سنصطادها، ونراقب المكان كيلا يباغتنا غريب. من أجل ذلك صار لبعضنا ست أصابع في كل قدم، وفي كل يد».
(في داخلي، فكرت في علم الجينات والتكيّف البيئي، لكنني ظللت صامتة).
تابعت اللقاء مع ذلك الرجل القوي البنية فسألته:
كيف تتنقلون من دون ملابس تقريباً، ألا تخشون البرد والمطر؟
الطقس هنا في الغابة رائع، درجة الحرارة معتدلة، والشمس لا تخترق المكان كثيراً.
وماذا عن نسائكم؟
يعشن بذات الأسلوب، يصطدن الحيوانات، ويتسلقن الأشجار. ولهنّ مهمات خاصة، إلى جانب إرضاع الصغار ورعايتهم.
خطر في بالي سؤاله عمّا إن كانوا يأكلون لحوم البشر، لكنني توجست خيفة فأحجمت، وقلت في نفسي «عسى أن يعطيني الذكاء الاصطناعي ومحركات البحث جواباً عن هذا السؤال».