10 نوفمبر 2025

كيف نستثمر فصل الشتاء ونستعيد به دفء العلاقات العائلية؟

محررة في مجلة كل الأسرة

مجلة كل الأسرة

يأتي الشتاء محمّلاً بنسائم البرد، ليكون موسماً لاكتشاف الحب داخل العائلة التي يجتمع أفرادها تحت سقف واحد، ولتشكل الجلسات واللقاءات الأسرية، سواء على صعيد الأسرة الصغيرة أو الأسرة الممتدة، مساراً للدفء العاطفي، ولتبادل الأنشطة المشتركة.

في هذا الفصل، يمنح التجمع الأسري أفراد العائلة شعوراً بالقرب والتواصل، ويعزز حسّ الانتماء بينهم، بحيث تتحول ليالي الشتاء إلى مساحة حقيقية للحب، والشراكة، والحوار الأسري الإيجابي.

فكيف يمكن للعائلة استثمار هذا الفصل؟ وكيف يكون الشتاء «أجمل شتاء أسري»؟

هالة الأبلم
هالة الأبلم

تتوقف الدكتورة هالة الأبلم، استشارية نفسية وخبيرة تربوية وأسرية، عند الأثر النفسي لتجمع العائلة في الشتاء، حيث «يُعدّ فصل الشتاء أكثر الفصول ارتباطاً بالحنين، والدفء الداخلي. فحين تنخفض درجات الحرارة، يميل الإنسان، غريزياً، إلى البحث عن الاحتواء والدفء العاطفي، ما يفسّر تزايد التجمعات الأسرية في هذا الوقت».

وتوضح: «هناك دراسة أجرتها جامعة هارفارد، تشير إلى أن الروابط الاجتماعية الدافئة أكثر تأثيراً في السعادة والصحة النفسية من الدخل، أو الوضع المهني، بمعنى آخر: الجلسة العائلية أمام المدفأة قد تكون علاجاً نفسياً بسيطاً ضد مشاعر الوحدة الموسمية أو ما يُعرف بـ«الاضطراب العاطفي الموسمي» الذي تزداد نسبته في الشتاء بسبب قلة التعرّض للشمس».

وحول دور الأهل في التجمع العائلي، تتلمس د.هالة الدور القيادي والوجداني للأهل: «حين يبادر الأبوان إلى تعزيز جو أسري دافئ، مثل تناول العشاء معاً، أو مشاركة الشاي المسائي، أو حتى جلسة حوار قصيرة، فإنهما يرسلان رسالة ضمنية للأبناء مفادها: أنتم أولويتنا».

الأسر التي تحافظ على طقوس أسبوعية للتواصل تُظهر معدلات أعلى من الاستقرار الانفعالي، والتوافق الأسري

وفي هذا الصدد، تشير الخبيرة التربوية إلى دراسة صادرة عن جامعة أوكسفورد تعود إلى عام 2019 تفيد «بأن الأسر التي تحافظ على طقوس أسبوعية للتواصل، مثل وجبة مشتركة أو نزهة منتظمة، تُظهر معدلات أعلى من الاستقرار الانفعالي، والتوافق الأسري، أما في الأسر الممتدة (الجدّات، والأعمام، والعمّات)، فالتجمعات تفعّل ما يُسمّى في علم النفس بـ«الذاكرة العاطفية المشتركة»، وهي ذاكرة تُعيد ترميم الانتماء عبر الحكايات والروابط الممتدة بين الأجيال».

مجلة كل الأسرة

أنشطة تعزز التقارب الأسري

تورد د. هالة الأبلم بعض الأنشطة التي تعزّز تقارب الأسرة وارتباطها، وأمثلة واقعية أثبتت فعاليتها في الدراسات الأسرية، منها:

  • جلسات الحكي العائلي: سرد كل فرد لموقف مؤثر في طفولته (تُستخدم في العلاج الأسري العاطفي ).
  • الطبخ الجماعي: إعداد وجبة مشتركة في نهاية الأسبوع، فقد أظهرت دراسة كندية عام 2020 أن الطهو العائلي يخفض التوتر، ويحسّن التواصل الإيجابي بنسبة 40%.
  • الألعاب المشتركة: مثل ألعاب الطاولة، أو حل الألغاز، حيث تُنشّط مراكز الدماغ المسؤولة عن التعاون، وحلّ المشكلات.- المبادرات التطوعية العائلية: على سبيل المثال زيارة دار مسنين، تنظيف شاطئ، وهي مبادرات تُفعّل قيم المعنى والانتماء، وهما عنصران أساسيان في الرفاه النفسي.
مجلة كل الأسرة

نصائح إرشادية للتقارب والتفاهم في الشتاء

ثمة نصائح وإرشادات تقدّمها د.هالة، الاستشارية النفسية والخبيرة التربوية، لإرساء أسس التواصل والتفهم، ومنها:

1. افتحوا مساحة للحوار الهادئ: ليس المطلوب حلولاً لكل مشكلة، بل أذُن صاغية تشعر الطرف الآخر بأنه مسموع.

2. أوقفوا المقارنات: الشتاء موسم مراجعة النفس، لا محاكمة الآخرين. المقارنة تقتل الدفء النفسي.

3. اخلقوا رموزاً صغيرة للدفء: كوب مشترك، بطانية واحدة، فيلم عائلي أسبوعي... هذه التفاصيل الصغيرة تخلق ذاكرة عاطفية لا تُنسى.

4. قلّلوا من الشاشات: تشير دراسة لجامعة ستانفورد (2022)، إلى أن تقليل استخدام الأجهزة في المساء بـ30 دقيقة يومياً، يزيد مشاعر الترابط الأسري بنسبة 25%.

5. مارسوا الامتنان اليومي: جملة بسيطة مثل «أنا ممتن لوجودكم»، لها تأثير مهدئ في الجهاز العصبي، وتعمّق التواصل العاطفي داخل العائلة.

وتخلص د. هالة الأبلم إلى أن «الشتاء هو فصل «الدفء النفسي»، وفرصة لإعادة ترتيب المشاعر داخل البيت. وحين تصبح الأسرة ملاذاً آمناً، يتحوّل الطقس الخارجي، مهما كان قاسياً، إلى مناخ داخلي من الأمان والحب».

عفراء
عفراء

أفكار لاستثمار وترميم العلاقات

إذن، بإمكان كل أسرة أن تحوّل فصل الشتاء إلى أجمل شتاء، عبر تجسيد كل لحظة تواصل حقيقي في هذا الفصل، وترجمتها إلى شعور بالأمان، والطمأنينة، والاستقرار الداخلي.

تدمج الكوتش عفراء كرم، مُمارسة في العلاج بالفن ومدربة تأمل من منصة العافية الشمولية، بين تجربتها في الوعي الذاتي وشغفها بالتعبير الإبداعي، لمساعدة الأفراد على التحرر من المشاعر السلبية، واكتشاف ذواتهم، من خلال الفن، واليقظة الذهنية.

وتلفت الكوتش عفراء إلى أنّ «الحديث عن تجمّع العائلة في الشتاء يحمل عمقا نفسياً وجمالياً كبيراً، لأن هذا الفصل بطبيعته يدعو إلى التأمل، والدفء، والاقتراب الإنساني».

الأجواء الهادئة خارج المنزل تقلل المشتتات، وتسمح بمساحات تواصل أعمق

فكيف يسهم فصل الشتاء، بأجوائه، في تعزيز الروابط العائلية والحميمية بين الأزواج وأفراد العائلة؟

تجيب عفراء كرم: «فصل الشتاء يعدّ موعداً مرتقباً في كل عام، والطقس البارد يدفع العائلة إلى قضاء وقت أطول في الهواء الطلق، مثل حديقة المنزل، وتنظيم الرحلات البرية والخارجية، ما يعزز فرص الحوار، والمشاركة، والاستمتاع، والمشاعر الصادقة».

وتتلمس أهمية الالتقاء وتشارك الأنشطة في هذه الفترة «الأجواء الهادئة خارج المنزل تقلل المشتتات، وتسمح بمساحات تواصل أعمق، حيث يمكن استثمار هذه الأنشطة كوسيلة لإعادة بناء الحوار الداخلي بين الزوجين، بعيداً عن الأداء اليومي، أو الخلافات».

مجلة كل الأسرة

وتورد بعض الأمثلة العملية:

  • جلسة رسم عائلية: يجلس الجميع ليرسموا مشاهد شتوية، ويقوم كل فرد برسم جزء من اللوحة، ثم يمررها للشخص الذي بجانبه، حتى تكتمل اللوحة، ما يُعمّق الفهم العاطفي المتبادل، والمشاركة الإبداعية، والمتعة، والتعاون بين أفراد الأسرة.
  • تشارُك الألعاب الجماعية، سواء الرقمية منها، أو تخمين اسم الفيلم، أو المسلسل، أو حتى ألعاب الذكاء والبطاقات، تولد أجواء من المتعة، والمودّة بين أفراد الأسرة.
  • مجرّد الجلوس معاً، والحديث العشوائي، والاستمتاع بالأجواء الجميلة، بخاصة أن شهر رمضان المبارك سيزورنا هذا العام في الشتاء ما يضفي لمسة روحانية جميلة وعميقة، لتوطيد العلاقات الأسرية والاجتماعية.

وفي السياق نفسه، تقترح الكوتش عفراء كرم التشارك في طقوس بسيطة:

  • التعاون في تجهيز جلسة خارجية في المنزل وتزيينها من قبل جميع أفراد الأسرة.
  • إعداد مشروبات ساخنة، وإقامة فعاليات الطبخ الخارجي، وحفلات الشواء.
  • تزيين المنزل بطريقة فنية،مما يخلق ذاكرة وجدانية مشتركة.

موسم لترميم العلاقات الزوجية

يمثل فصل الشتاء «موسم الترميم» في العلاقات، حيث يمكن للزوجين استثمار أوقات الشتاء في إعادة التواصل، وتقوية العلاقة، وتعزيز الدفء، العاطفي بعيداً عن الروتين والضغوط اليومية.تشرح مدربة التأمل: «في العلاج بالإبداع، نُشجع الزوجين على التعبير الرمزي عن مشاعرهما من خلال الفن، أو الأنشطة الإبداعية»، ومن تلك الأنشطة:

  • رسم لوحة مشتركة تعبّر عن «دفء العلاقة».
  • إعداد كولاج بصور وذكريات تُعيد بناء الرابط العاطفي، ومشاهدة صورهم في حفل الزفاف، وشهر العسل، وصور توثق أهم الأحداث، مثل ولادة المولود الأول.
  • ممارسة طقوس أسبوعية مثل «ليلة شتوية خاصة»، تُخصص للحديث، أو للأنشطة الفنية، أو الطبخ معاً، من ون وجود شاشات، أو ضغوط.
  • شراء وجبات وتناولها معاً على شاطئ البحر، أو الذهاب إلى البر معاً، وطهو الطعام، والاستمتاع بدفء موقد النار.