على الرغم من ارتكاز العلاقات الأسرية العربية على الكثير من القيم والمفاهيم، إلا أنها تواجه تحدّيات تعيق وصولها لبيئة إيجابية وتلزمها بالبحث عن حلول، لذلك تصبح هناك حاجة ملحّة لاتخاذ استراتيجيات ومفاتيح لتحقيق الاستقرار الأسري.
إن فقدان الأزواج وأفراد الأسرة للاستقرار ينعكس سلباً على التواصل العاطفي، والروابط الأسرية، فتراكم الغضب والتوتر داخل الأسرة، وفقدان التواصل الفعّال، وزيادة الخلافات الزوجية وتفاقمها بشكل يتعذر معه أيجاد الحلول بشكل بنّاء ومستدام، تؤدي في النهاية إلى تفكّك كيان الأسرة.
كما أن اتخاذ البعض ظاهرياً، العلاقة الأسرية والزوجية، واجهة اجتماعية ينعكس بشكل سلبي على المحيط الاجتماعي، فعندما يعيش الأزواج في بيئة سلبية مضطربة ينتقل التوتر والصراع إلى علاقاتهم الخارجية، ومحيطهم الأسري، خاصة الأطفال الذين يضعف وجودُهم في هذه البيئة ثقتهم بوالديهم، ويؤثر في استقراراهم العاطفي والنفسي، لكون الأسرة بالنسبة إليهم مصدر الأمان، والأساس الذي ينمو فيه الطفل بشكل صحيح.
د. أحمد النجار
ولأهمية الدور الذي تقوم به الأسرة في بناء المجتمع، وتحقيق الاستقرار، كان لـ«كل الأسرة» لقاء مع الأكاديمي والمستشار النفسي الدكتور أحمد عبد العزيز النجار، الذي أوضح لنا الخطوات التي يمكن أن تشكّل انطلاقة ناجحة نحو تحسين وتعزيز الروابط والعلاقات، وإحداث التغيير الإيجابي داخل الأسرة، مع بداية العام الجديد:
كيف يمكن أن نستثمر بداية العام الجديد في خلق بيئة إيجابية في رحلة التغيير والتأسيس لأسرة أقوى؟
وجود الأسرة في مجتمعات محاطة بالحب والمودة، وقيم الولاء والوفاء والأمانة، تهتم بالتربية والتعليم والحفاظ على القيم والعادات الأصيلة، تُظهر الاحترام للكبير وتقدّس العلاقة الأسرية، تهتم بالقراءة والبحث عن القضايا التي ترتبط بها والتواصل الفعال بين أفرادها كالمجتمعات العربية، لا يعني أنها لا تواجه تحديات تعيقها عن خلق بيئة إيجابية، بسبب صعوبة تفضيل المنطق وتحقيق التوازن في التعامل مع القضايا الاجتماعية التي تواجهها، وهذا ما يدعونا للإشارة إلى أهمية تعزيز بعض الاستراتيجيات للنهوض بهذا الواقع والوصول إلى لتغيير الإيجابي.
مع رغبة تحقيق الاستقرار الأسري، ما هي أكبر التحديات والمنغّصات التي يمكن أن تواجهها الأسرة؟
يتطلب تحقيق الاستقرار الأسري الكثير من الوقت، والاهتمام، والتضحيات، من قبل الزوجين، لذلك يجب الابتعاد عن الانتقاد المتبادل، والشكوى المتكررة، والتشكيك المستمر، والمقارنة السلبية، وتعزيز الاهتمام بالتواصل الإيجابي والتفاؤل، وتبادل الكلمات والأفكار الإيجابية، والتعبير عن المشاعر بطرق بنّاءة، ليتمكن الزوجان من بناء علاقات صحية، وتشكيل كيان أسري قائم على التفهم والتقدير.
في ظل هذا الواقع، هل من استراتيجيات ومفاتيح يمكن أن تحدث فرقاً على مستوى العلاقة الأسرية؟
بالتأكيد، من المهم أن تستند العلاقة الأسرية الناجحة إلى مجموعة من الاستراتيجيات والديناميكيات الفعالة والمتوازنة التي تشكل أساساً قوياً في تهيئة البيئة النفسية، وتعزيز التعاون في الأسرة، والتي من أهمها:
ماهي الأبعاد التي يرسيها فن الحوار في فتح أفق الحديث وتقبّل الرأي الآخر؟
تبقى الحوارات الأسرية الفعّالة عاملاً أساسياً، وسلاحاً قوياً في بناء العلاقات الأسرية المتينة، فهو يعمل على تحقيق أهداف تماسك الأسرة من دون إغفال الأهداف الشخصية لكل فرد، ولكي يحقق الحوار الأسري أهدافه لابدّ لنا من إجادة مهارات الانصات والاستماع، فالاستماع الجيد يساعد الفرد على فهم ذاته، وتحقيق التوازن بين احتياجاته الشخصية واحتياجات الآخرين في الأسرة، والمزج بين المهارتين يساعد على تحقيق التفاهم والتواصل الفعّال في محيط الأسرة.
هنا يجب أن نتوقف قليلاً عند الأركان الأساسية التي يعتمد عليها الحوار الأسري، كفهم الذات والطرف الآخر، وتصرفاتنا المبنية على التعاطف والتفهم، كما يجب ألا ننسى المرونة النفسية التي يجب أن نتعامل بها مع الآخرين، إضافة إلى المبادرة واقتراح أنشطة تعزز روح المسؤولية لدى أفراد الأسرة. ومن أجل الحفاظ على حيوية وديمومة استمرار الحوار الأسري، يجب أن نكون تجديديّين، نسعى إلى تقديم مقترحات جديدة تساعد على استمرار هذا النهج، وتطويره، والابتعاد عن الروتين القاتل، وضبط انفعالاتنا خلال الحوار الأسري، ففقدان السيطرة على الأعصاب يمكن أن يكون سبباً في عرقلة الحوار وزيادة الخلافات، كما علينا أن نكون متسامحين حريصين على اختيار كلماتنا بعناية، قادرين على تقبّل الآخر، وتجاوز هفواته، لنتمكن من المحافظة على ديمومة الحوار واستمراره.