أسى بسبب الفقد... فراق وطلاق... مرض مقعد... خسارة مالية... كلنا معرضون في أيّ وقت من الأوقات لأن نشعر بذلك الحزن الذي يربض على القلب فينسيه خفقان الفرح، فيتجرّع الألم بدلاً من السعادة. وكي نخفف عن أنفسنا، نبحث عن شخص نثق به، نبوح له بمكنونات صدورنا، فهل نجد دائماً صدى لما نشعر به، كأن الطرف المستمع يحس بكل أحزاننا؟ وإذا كان علينا نحن أن نواسي، فهل نجد الكلمات المناسبة التي تخفف من وطأة الشعور بالحزن؟
إذا أتاك أحدهم يطلب المساعدة لحلّ مشكلة شخصية تؤرّق مضجعه، فلا تقف مكتوف اليدين، وتقل إني لا أستطيع، ولا أملك الخبرة الكافية. اصغ إليه، واسمع قصته، وأظهر ولاءك ودعمك، واختر الكلمات المناسبة التي تقوّي عزيمته، وتثلج صدره. فكيف يمكنك فعل ذلك؟ وكيف تكون عوناً لأخيك حين يحتاج إليك؟
لا للصمت أو الكلام الخالي من المعنى!
عندما يتحدث إلينا أحباؤنا عن صعوبات يمرّون بها في حياتهم، أو عن محن يعايشونها، قد نجد صعوبة في العثور على الكلمات المناسبة لمواساتهم. وقد نشعر بأننا لا نستطيع قول شيء سوى كلام لا يعطي ثماراً، أو يزيد الأحزان، أو نهمهم من دون كلام، أو حتى نلوذ بالصمت.
ليس إيجاد الكلمات المناسبة لمواساة شخص ما في ظروف معيّنة فطرياً بالضرورة ، خصوصاً عندما نعلم بمشكلات يصعب إيجاد حلول لها. فالإنسان يميل بفطرته إلى حماية نفسه عندما يسمع بأمور يستعصي عليه العثور على مخرج لها، مهما كان متعاطفاً، ومهما أبدى من استعداد للتعاون والمساعدة. فقد نشعر أحياناً بالعجز، ولا نتمكن من إيجاد الكلمات للمواساة، ولكن هذا لا يعني أننا لا نتأثر، فالتعبير عن المشاعر ليس سهلاً دائماً، خصوصاً عندما يهمنا أمر الشخص، فنخشى أن نتخذ خطوة قد تضرّه، ولا تنفعه.
كيف نعبّر عن مشاعرنا من دون أن نجرح؟
كي نجد الكلمات المناسبة لمواساة شخص ما، يفضل أولاً أن نضع أنفسنا في موضع الشخص الذي يعاني، وأن نصغي إليها، ونسألها عمّا تريده لو كانت تمر في ظروف مماثلة. ولنفعل ذلك قبل أن نلقي في الهواء ومن دون قصد كلمات وعبارات يكررها معظم الناس، كأنها جاهزة ومعلبة لتقال في ظروف معيّنة. فمثل هذه الكلمات التي تخرج من أفواهنا في ساعات الألم قد تكون ناراً تُصبُّ على الزيت، فتحرق الشخص الذي قصَدنا والنار تشتعل فيه لنخمدها بحكمتنا وكلامنا الموزون والمتعاطف، لا لنؤجّجها. فقبل أي شيء، علينا أن نتذكر أن الشخص الذي نخاطبه يمر بفترة عاطفية عصيبة، تجعله حساساً لدرجة قد تجرحه كلماتنا، أو قد تثير غضبه.
صدق المشاعر أولاً:
ينصح علماء النفس بالتعبير عن المشاعر ولو بكلمات عادية وبسيطة، كأن نقول مثلا: «أنا آسف»، «أمرك يهمني كثيراً»، «أفكر فيك وفي وضعك»، «أتمنى أن تُحل مشكلتك قريباً»، «تحدث بكل ما يزعجك فكلّي آذان صاغية»، «اتصل بي في أيّ وقت سأكون دائماً حاضراً لمساعدتك»... إلخ
متى يكون العناق مفيداً؟
صحيحٌ أنه ليس من السهل إيجاد الكلمات المناسبة في مثل هذه الظروف، لكن البقاء إلى جانب الشخص، قد يكون مصدر راحة كبيرة له. كما أن بعض الناس قد يحتاجون إلى التواصل الجسدي ، مثل العناق، أو الإمساك باليدين، أو إحاطة الذراع. ولكن مثل هذا التواصل اللمسي قد يشكل رد فعل قوياً لدى بعض الأشخاص الذين لا يطيقونه، لذا، من الأفضل فعل ذلك مع من نعرفهم جيداً، ونعلم أنهم يتحملون مثل هذه الحركات المتعاطفة التي تعبّر، في أغلب الأحيان، عن صدق المشاعر، والرغبة في التعاون.
وفي كل الأحوال، ما يهم هو وجودنا مع من يحتاج إلينا في لحظات ضعفه وعجزه أمام المشكلات، وأن ندعو الشخص ليفضفض عن نفسه، سواء بالبكاء، أو الكلام، أو حتى بالصمت.
ومن الأخطاء التي يقع فيها الكثيرون، سؤال الشخص الذي يعاني عن كيفية مساعدته. فعندما يمرّ أحدنا بفترة عصيبة، غالباً ما يغرق في الحزن لدرجة قد تمنعه من تحديد احتياجاته. لذا، إذا كان لا بد من طرح مثل هذا السؤال، وهو استفسار يبدو طبيعياً، يفضل المباشرة بالمساعدة متى ما سنحت الفرصة بذلك. وقد تكون المساعدة بسيطة، ولكنها كثيراً ما تخفف من ضغط المشكلة، وحرقة الحزن.