«آه لو كنت ثريّاً! ماذا بوسعي أن أفعل بمليون دولار؟ هل رأيت الرجل الذي كسب الجائزة الكبرى؟»...
عدا ما يوفره المال من تحقيق لمختلف الأمنيات، ومستوى من رغد العيش، هو يرمز إلى النجاح، والساعي إليه يسعى إلى نوع من القيمة الاجتماعية. وهو أمر يذكّرنا بالأهمية الضخمة التي تعلّق اليوم على العلامات التجارية المرموقة التي ترمز بدورها إلى الموقع الاجتماعي، حتى بين الطبقات غير الميسورة.
ولكن من أين ينبع هذا الانجذاب لمراكمة الأملاك المادية؟
للإجابة عن هذا السؤال، قام باحثون في جامعات شانغهاي بالصين، وبريزباين بأستراليا، بأبحاث كشفت لهم أن الرغبة في المال مرتبطة بما يميز المجتمع من لا مساواة. فكلما كان التفاوت كبيراً بين الناس من حيث الدخل المادي، كان التعطش للثروة حادّاً. والسبب هو أن الأشخاص يسعون إلى تأمين موارد مالية كبيرة من أجل ألّا يتم إقصاؤهم عن اللعبة الاجتماعية.
وكان الباحثون قاموا بأبحاثهم هذه على أكثر من 140 ألف نسمة، من 73 بلداً، طلبوا منهم الرد على استمارات أرسلت إليهم عبر الإنترنت، من أجل معرفة الأهمية التي يمنحونها لمسألة كسب الكثير من المال، وامتلاك موقع اجتماعي مرموق. ومقابل هذا، قام الباحثون بقياس مستوى التفاوت الاجتماعي في كل من البلدان التي شملها البحث.
ولاحظوا وجود ترابط بين المؤشرين: فكلما كان التفاوت المالي كبيراً في مجتمع ما، كان سكانه يمنحون أهمية أكبر للموقع الاجتماعي الهام الناجم عن كسب الكثير من المال. هذا لأنّ عمق التفاوت وقوّته يخلقان شعوراً بانعدام الاطمئنان وبالخوف من الإقصاء، ما يدفع الرجال والنساء، إلى السعي وراء مداخيل مرتفعة.
ولا تنفع مع هذه الحالة أقوال على طريقة «المال لا يجلب السعادة»، و«الغنى الحقيقي هو غنى النفس لا الجيب»، فإن من يعيش في مجتمع يتسم بالتفاوت الشديد بين فئاته سيرافقه الشعور بالحرمان، وعدم الاطمئنان، نظراً إلى ما يراه من ثراء فاحش، وما يعيشه من فقر، حتى لو لم يكن مُدقعاً. وفي مجتمعات اليوم التي تسودها النزعة الاستهلاكية، ومراكمة الممتلكات، من صغيرها إلى كبيرها، يقاس المرء بمقدار ما يملك، وما يشتري، وما يبدو عليه من مظاهر ثراء تثير غيرة، وحسد، وجشع من يراه، ليصير معيار السعادة في الكنوز الفانية، وليس في القناعة التي لا تفنى.
اقرأ أيضاً: ماذا يعني لك المال؟ وهل يؤثر نقصانه في أسلوب حياتك وراحة بالك؟