«أسفل الغابة»... رحلة لكشف أسرار الحياة تحت سطح التربة

يأخذنا معرض «أسفل الغابة» في قلب جناح تيرا في «إكسبو 2020» إلى رحلة نحو أعماق الأرض. حيث تبدأ الحياة من جديد تحت أقدام الزوار، لتكشف الغابة عن وجهها الذي ينبض بالحياة والذكاء، والذي يمتد مئات الكيلومترات من الجذور والفطريات والكائنات المجهرية التي تنسج شبكة معقدة من العلاقات والتواصل، في تجربة تفاعلية علمية تمزج بين الإبهار والتعلّم، لترينا كيف تعمل الطبيعة كمنظومة متكاملة مذهلة، قد تصمت حيناً، لكنها لا تتوقف عن الحياة أبداً.

خطوة إلى الداخل... مئات الكيلومترات تحت قدميك

تبدأ رحلة المعرض من تجربة تفاعلية بعنوان «التجوّل فوق الشبكة العنكبوتية»، حيث يسير الزائر على أرضية شفافة تحاكي شبكة الجذور الموجودة تحت الغابة. ومع كل خطوة يخطوها الزائر، تضيء المسارات التفاعلية تحت القدمين، كاشفة عن شبكة اتصالات معقدة، تربط الأشجار بالكائنات الدقيقة والفطريات، كأنه يمشي فوق «عقل الغابة»، حيث تنتقل الإشارات والمغذيات، وتتخذ القرارات الصامتة التي تحفظ توازن الحياة فوق الأرض.

حين تتحدث الأشجار بلغة الإنترنت

كما يركّز المعرض على واحدة من أكثر الظواهر العلمية إثارة، والتي يمكن وصفها مجازياً بـ«الإنترنت الخفي للغابة». وهي شبكة طبيعية تشبه الإنترنت، لكنها لا تعتمد على التكنولوجيا، بل على الفطريات والجذور، تسمح للأشجار بتبادل الرسائل الكيميائية، وتقاسم الغذاء، وحتى إطلاق تحذيرات ضد الأمراض، أو الجفاف. لكن ذلك لا يعني أن الأمر لا يخلو من التعقيد؛ فهناك تحالفات وصراعات، وتبادل للمنافع، ونزاعات على الموارد. وتحت التراب، تدور حكايات من الذكاء والتخطيط والمنافسة، في صمت مطلق لا يسمعه أحد.

من الجذور إلى السماء... الغابات دورة حياة لا تنام

ويوضح المعرض كيفية امتصاص الجذور الماء والمعادن من أعماق الأرض، وإرسالها عبر الجذوع إلى الأوراق. في المقابل، كيف تنتج الأوراق السكريات وترسلها نحو الأسفل، لتغذي الجذور، في دورة متكاملة شبيهة باقتصاد داخلي متزن، حيث لا شيء يُهدر، وكل جزء يعمل لخدمة الكل. ومن خلال عرض شجرة البونساي، يتعلم الزوار أن الحجم ليس مقياساً للأهمية، فهذه الشجرة الصغيرة تمثل نسخة مصغرة ودقيقة من شجرة كاملة، بجذورها وفروعها. كما يسلط المعرض الضوء على مخلوقات دقيقة تعيش في التربة، منها مليارات البكتيريا، وملايين الكائنات المجهرية، وآلاف الحشرات، ومئات ديدان الأرض التي تخلط التربة وتحفظ تماسكها، فكل حفنة تراب تخفي وراءها شبكة حياة كاملة.

الفطريات... العمود الفقري للحياة تحت الأرض

تكشف هذه التجربة أن الفطريات ليست مجرّد كائنات غريبة، بل هي العمود الفقري للصحة البيئية، تعمل على تحليل الكائنات الميتة، وتعيد تدوير المغذيات، إضافة إلى دورها الاستراتيجي في تنقية التربة من السموم، وتحويلها إلى بيئة آمنة لنمو الأشجار. وبينما تقوم بعض الفطريات بحماية الأشجار، تعمل أخرى على إطلاق مواد سامة للقضاء على الكائنات المجهرية المنافسة، ما يؤدي إلى تحرير غاز النيتروجين، الذي تمتصه الأشجار، وتحوّله إلى طاقة غذائية مفيدة.

الغابة... منظومة عبقرية تعمل في صمت

في النهاية، المعرض هو فرصة لتذكير الزوار بأن الغابة ليست مجرّد مساحات خضراء، بل منظومة حيوية مذهلة، تربط بين التربة والهواء والسماء، من الفطريات إلى الجذور، ومن الأوراق إلى الحشرات، وكل مكوّن فيها له دور بالغ الأهمية في الحفاظ على توازن الكوكب.

* تصوير: صلاح عمر