
تعانق جبال البحر الأحمر مياه خليج العقبة في مدينة نويبع المصرية، في حنان بالغ، ما يجعل من تلك المدينة الصغيرة المطلة على الخليج وجهة للباحثين عن التأمل والهدوء، والاستمتاع بموسم الصيف، بعيداً عن صخب المنتجعات السياحية الكبرى على بعد كيلومترات في جنوب سيناء.


تفتح عشرات من المعسكرات البيئية المنتشرة في المدينة الحدودية أبوابها لعشاق الطبيعة البكر، والراغبين في الاستجمام، لتوفر لهم تجربة فريدة، يمتزج فيها الاستماع بمياه البحر بألوانها الفيروزية الصافية، وشعابها المرجانية النادرة، مع أجواء الصحراء المترامية، والحياة البدوية الهادئة في آن. إذ يغلب على المدينة، التي تزيد مساحتها على خمسة آلاف كيلومتر مربع، بموازاة خليج العقبة وفي عمق الصحراء، كل تفاصيل الحياة البدوية الهادئة، بتراثها الموغل في القدم، وطعامها الشهي، إلى جانب سهرات السمر على الشواطئ في الليالي القمرية.

تبعد مدينة نويبع بنحو 85 كيلومتراً عن مدينة دهب القريبة، وتشترك معها في العديد من مفردات الطبيعة الساحرة، لكنها على امتدادها المباشر على ساحل البحر الأحمر، وما تتمتع به من مياه فيروزية، وشعاب مرجانية نادرة، تقدم للزائر تجربة فريدة في المتعة والاسترخاء، مستلهمة من تراثها البدوي العريق عزلة محببة للروح، وإيقاع حياة هادئاً على وقع التقاء رمال الصحراء بزرقة البحر، حيث يصنف كثير من خبراء السياحة تلك المدينة باعتبارها واحدة من أبرز الوجهات السياحية في مصر، نظراً لما تتمتع به من موقع فريد وطبيعة خلابة وهدوء قل ما يجده الزائر في أي مكان آخر.


على إطلالتها الفريدة على خليج العقبة، تعد نويبع وجهة مثالية لمحبي الشواطئ والرياضات المائية، وبخاصة رياضة الغوص، كما يلعب الموقع الجغرافي للمدينة دوراً كبيراً في جذب العديد من الوفود السياحية إليها، إذ تنقسم نويبع إلى ثلاث مناطق رئيسية، يميز المركز الرئيسي فيها والذي تمثله المدينة وجود الميناء والعديد من المحال التجارية والفنادق، فيما تتميز منطقة نويبع الترابين -نسبة إلى قبيلة الترابين التي تسكنها منذ آلاف السنين، والتي تعد واحدة من أكبر قبائل جنوب سيناء- بعشرات من المنتجعات السياحية والشواطئ الخاصة التي تتميز بإطلالة ساحرة على البحر، فضلاً عن شواطئها الرملية الناعمة، ومياهها الفيروزية، المناسبة للسباحة والاسترخاء.


تنتشر في مياه نويبع العديد من الجزر الصغيرة التي توفر للزائر خصوصية كاملة، ربما كان من أشهرها جزيرة الفراعنة، وهي جزيرة صغيرة يمكن الوصول إليها بالقوارب، وتتميز بشواطئها الرملية الناعمة، إلى جانب ما يحيط بها من شعاب مرجانية باهرة الجمال، الأمر الذي يجعلها قبلة لممارسي رياضة الغوص واستكشاف كل هذا الجمال القابع تحت صفحة الماء. ولا ينافس تلك الجزيرة شهرة سوى منطقة رأس أبو زعيمة القريبة، التي تتميز هي الأخرى بتنوعها البيولوجي والشعاب المرجانية الملونة، إلى جانب منطقة رأس مملة، وهي من المناطق المخصصة للغوص، والمناسبة للمبتدئين في تلك الرياضة البحرية الممتعة.


توفر الصحراء المترامية الأطراف، التي تحيط بمدينة نويبع، للزائر فرصة نادرة لاستكشاف الصحراء، عبر عشرات من رحلات السفاري التي تستخدم فيها السيارات والدراجات الرباعية إلى جانب الجمال. وتعد منطقة وادي وتير واحدة من أشهر المناطق التي يقبل عليها ممارسو تلك الرياضة، حيث يتميز الوادي بالعديد من المقومات الطبيعية، وتكويناته الصخرية الفريدة، إلى جانب تنوع الحياة البرية، وهو ما كان سبباً في إدراجه مؤخراً ضمن مواقع التراث العالمي لليونسكو. ويضاهي هذا الوادي جمالاً وادي غوايش القريب، الذي يشتهر بجماله الطبيعي وينابيعه الصغيرة، التي تعد من مفردات السياحة العلاجية في نويبع، إلى جانب حمامات موسى القريبة، التي تبعد نحو 10 كيلومترات من نويبع، وهي ينابيع مياه كبريتية دافئة، يقول البدو من أبناء المنطقة إنها تساعد على علاج بعض الأمراض الجلدية والروماتيزم.


تحيط جبال الجرانيت بمدينة نويبع من مختلف الاتجاهات، فتضيف بألوانها الزاهية البديعة إلى جمالها الطبيعي جمالاً آخر، حيث تحتضن تلك الجبال الشواطئ في تناغم بديع، يفتح شهية عشاق الرياضات البحرية إلى ممارسة رياضات التزلج على الماء وركوب الأمواج، والقيام بالعديد من الرحلات بالقوارب الزجاجية لمشاهدة الشعاب المرجانية دون حاجة إلى الغوص، إلى جانب ممارسة هواية الصيد البحري، والتخييم على الشاطئ تحت النجوم.


تتمتع مدينة نويبع المصرية بالمناخ المعتدل معظم شهور العام، وهو ما يجعلها اختياراً مناسباً طوال فترة الصيف والشتاء أيضاً، إذ يلعب ارتفاعها عن سطح البحر دوراً كبيراً في اعتدال مناخها، وتميزها بدرجات حرارة لطيفة ومناسبة للتصييف، وممارسة معظم الأنشطة الترفيهية.



كما تتميز مدينة نويبع المصرية بموقعها الجغرافي الفريد، إذ تبعد بنحو 15 كيلومتراً فقط عن الحدود السعودية، إلى جانب موقعها الذي يتيح لها أن تمثّل معبراً طبيعياً بين مصر والأردن. وقد لعب هذا الموقع الفريد على خليج العقبة دوراً كبيراً في أن تتصدر نويبع قائمة أفضل مواقع الغوص عالمياً، إذ تضم واحدة من المناطق الفريدة في عالم الغوص، وهي المنطقة المعروفة باسم حديقة رأس أبو زعيمة البحرية، والتي تعد متحفاً طبيعياً للشعاب المرجانية، إلى جانب منطقة الإبرة على ما تضمه من تشكيلات صخرية تحت الماء، فضلاً عن مثلث تيران الذي تلتقي فيه التيارات البحرية لترسم لوحة حية للتنوع البيولوجي، وهو ما يتجلى بوضوح في منطقة الوادي الملون التي تعد متحفاً جيولوجياً مفتوحاً لعشاق الطبيعة، حيث يضم الوادي الذي يمتد في عمق الصحراء لمسافة تصل إلى كيلومتر أروع التكوينات الصخرية في سيناء، التي تتنوع ألوانها بين الأحمر والبرتقالي والذهبي، ما يجعله مقصداً لعشاق التصوير ومحبي الترحال والمغامرة.

ومثل هذا الجمال نجده أيضاً في منطقة «وادي الوشواشي»، الذي تتشكل فيه عشرات من البرك المائية بين الجبال نتيجة الأمطار التي تهطل في فصل الشتاء. ومن العجب أن مدينة نويبع لا تحظى بإقبال كبير بين المصريين للسياحة الداخلية، رغم ما تزخر به المدينة من مقومات، وهو ما يجعلها قاصرة على العديد من الجنسيات الأخرى العربية والأجنبية، الذين ينظرون إليها باعتبارها وجهة مثالية للسياحة العلاجية والروحية بفضل مناخها الجاف، وهوائها النقي، وبُعدها عن مصادر التلوث، فضلاً عن ما توفره الرحلات إلى الجبال والوديان من فرص للتواصل العميق مع الطبيعة، وممارسة رياضات تسلق الصخور، والمشي لمسافات طويلة، في بيئة آمنة وهادئة.
* تصوير – أحمد شاكر
اقرأ أيضاً: محمية نبق.. قرية الصيادين التاريخية وواحة الجمال المنسي في سيناء