30 يونيو 2025

أودية سيناء الساحرة.. رياضة وسياحة واستشفاء

محرر متعاون - مكتب القاهرة

مجلة كل الأسرة

تفتح وديان سيناء، الممتدة في شبه الجزيرة المصرية، أبوابها لعشاق رياضة التخييم واكتشاف الصحراء، في مواسم محددة كل عام، للاستمتاع بتلك التجربة الفريدة في قلب صحرائها المترامية الأطراف، على ما تضمه من مناظر طبيعية خلابة، وقمم شاهقة ووديان خصبة، ما يجعل السير بين تلك الأودية أقرب ما يكون إلى رياضة بدنية وروحية، قلما توجد في مكان آخر على وجه المعمورة.

مجلة كل الأسرة
مجلة كل الأسرة

وتعد محمية سانت كاترين، والمنطقة المحيطة بها، واحدة من أهم المحميات الطبيعية التي تجذب عشاق تلك الرياضة من مختلف دول العالم، بسبب طبيعتها البكر، وما تتميز به من أجواء روحية، فهي المنطقة التي يوجد فيها جبل موسى الذي تذهب روايات عدة إلى أنه الجبل الذي تلقى نبي الله موسى من فوقه وصايا العهد القديم العشرة، إلى جانب عشرات من الأودية الموجودة عند سفح الجبل، والتي توفر لعشاق الهدوء والتأمل مغامرة مميزة في تلك البقعة الساحرة.

مجلة كل الأسرة
مجلة كل الأسرة

تعد شبه جزيرة سيناء وجهة لا غنى عن زيارتها للراغبين في الاستمتاع بتلك الرحلات الروحية أو مشاهدة المناظر الطبيعية الخلابة، إذ لا يتطلب الأمر سوى أن يحمل الراغب في تلك الرحلة الوثائق الضرورية، بينما يتعين على القادمين من أي دول أخرى أن يكون بحوزتهم جواز سفر ساري المفعول وتأشيرة دخول البلاد. ولا تتطلب الرحلة بعد ذلك سوى الأحذية المخصصة للتنزه أو تسلق الجبال، بسبب التضاريس الصخرية لمسار سيناء، إلى جانب ملابس التنزه التي يشترط فيها أن تكون الطبقات الأساسية منها مصنوعة من الألياف الصناعية لامتصاص العرق، والحفاظ على الجفاف، مع ضرورة تجنب الملابس القطنية لأنها تحتفظ بالرطوبة، وقد تكون خطرة في الطقس البارد، لذلك يفضل كثير من ممارسي تلك الرياضة ارتداء القمصان الطويلة الأكمام، وكذلك السراويل الطويلة، التي توفر الحماية اللازمة من الشمس والرياح خلال فصل الصيف، بينما تفضل الملابس والسترات الصوفية خلال فترة الشتاء، إلى جانب المعاطف المحشوة بالريش، لأنها تصبح ضرورية للشعور بالدفء، حيث تنخفض درجات الحرارة ليلاً في أودية سيناء، وقد تصل في بعض المناطق إلى تحت الصفر.

مجلة كل الأسرة
مجلة كل الأسرة

تعد الخيام من المتطلبات الرئيسية للقيام بتلك الرحلات في أودية سيناء، لذلك فإن حمل خيمة صغيرة وخفيفة الوزن ومقاومة للماء من شأنه أن يوفر الخصوصية اللازمة للراغب في الاشتراك في تلك الرحلة، إلى جانب حمايته من الحشرات، وربما الأمطار المفاجئة التي قد تهطل على تلك الأودية، والرياح القوية أيضاً، إضافة إلى أكياس النوم المصنفة لتحمّل درجات حرارة تصل إلى خمس درجات مئوية تحت الصفر في موسم الشتاء، كما تعد الحصائر المخصصة للنوم، سواء تلك القابلة للطي أو القابلة للنفخ، أداة مثالية للراحة على الأرض الصلبة، ويجب أن تكون أكثر متانة في البيئات الجافة، حيث يمكن أن تثقب الصخور الحادة والنباتات الحصائر القابلة للنفخ.

مجلة كل الأسرة
مجلة كل الأسرة

لا يحتاج المشارك في تلك الرياضة المدهشة في أودية سيناء إلى مواقد أو معدات للطهي، فالبدو الذين يتولون إرشاد المجموعات في تلك الأودية يتولون المهمة بالطهي على النيران في الأواني الخاصة بهم، لكن ذلك لا يمنع من الاحتفاظ بكمية مناسبة من الوجبات الخفيفة، خصوصاً تلك التي تعزز الطاقة، مثل المكسرات والفواكه المجففة والتين، لاستخدامها أثناء الاستراحات القصيرة خلال التجول، إلى جانب استخدام النظارات الشمسية وواقي الشمس، خصوصاً النظارات الشمسية الواقية من الأشعة فوق البنفسجية، لأنها ضرورية لحماية العينين.

مجلة كل الأسرة
مجلة كل الأسرة

ينطلق موسم التنزه في أودية سيناء في أكتوبر من كل عام، ويستمر حتي نهايات إبريل، قبل أن يعاود الانطلاق مجدداً خلال فصلي الخريف والربيع. ولا تكتمل الرحلة إلا بعد تسلق أحد جبال سيناء التي تعد موقعاً مميزاً لتسلق الصخور، وقد كان كثير من تلك الجبال يستخدم في الماضي من قبل البدو للصيد، قبل أن يتحول إلى وجهة محببة لعشاق رياضة السير في البرية وتسلق الصخور، فضلاً عن الأجواء المثالية لممارسة رياضة اليوغا والتأمل، حيث تتميز تلك الأودية بمناظرها الواسعة والصامتة، ما يسمح بالتأمل العميق، والاتصال بالطبيعة والعثور على السلام الداخلي، إضافة إلى تعلم مهارات البقاء، وتقنيات الملاحة الطبيعية، وأساليب التتبع.

مجلة كل الأسرة
مجلة كل الأسرة
مجلة كل الأسرة

يتصدر وادي «طلاح»، وهو أحد أشهر الأودية في منطقة سانت كاترين، قائمة الأودية التي تتدفق عليها مجموعات السير في البرية، وتستغرق الرحلة داخل الوادي، الذي يمتد على مساحة كبيرة متاخمة لجبل كاترين الشهير، عدة أيام يقضيها الزائر في الاستشفاء والاستمتاع بالطبيعة، إلى جانب معايشة يومية للروحيات التي تملأ المكان الذي يشبه واحة كبيرة تحيط بها جبال شديدة الارتفاع والوعورة، كما يشتهر أيضاً بطبيعته الخاصة التي تجمع بين البيئة الزراعية والصحراوية الخالية من الملوثات. ويقول الشيخ أحمد منصور، وهو أحد أبناء تلك المنطقة ويحترف منذ عقود بعيدة مهمة الطب التقليدي، إن وادي «طلاح» يعد جنة على الأرض، لما يتميز به من جمال طبيعي يجمع بين الجبال، والأشجار، والنباتات، وينابيع المياه التي تجري خلال شلالات بين صخور الجبال، قبل أن تحفر لنفسها قنوات بين الرمال تسير فيها لمسافات طويلة، لتكون في موسم الشتاء بحيرات تشبه حمامات السباحة، ينمو على جانبيها العديد من الأشجار المثمرة، والنباتات الطبية الطبيعية، لذلك فإن كثيراً من السائحين يحرصون على التجول داخل الوادي لمشاهدة شلالات المياه التي لا تجف إلا نادراً، إلى جانب أشجار النخيل والخروب العتيقة التي يصل عمرها إلى مئات السنين، وممارسة رياضة اليوغا، واستخدام النباتات الطبيعية التي تسهم في علاج العديد من الأمراض، حيث يضم الوادي العديد من مزارع اللوز والفاكهة المختلفة والخضراوات المتنوعة، ما يتيح للزائر متعة التنقل بين هذه الأشجار، وجني ثمارها وتناولها والاستمتاع بطعمها المميز الخالي من أي مبيدات.

مجلة كل الأسرة
مجلة كل الأسرة

تكسو جدرانُ كانيون سيناء في نهاية وادي طلاح جبالَ المنطقة بالألوان، فتحوّلها مع عروق الأملاح المعدنية إلى ما يشبه لوحة رائعة الجمال، فيما تضفي الأحجار الرملية لتلك اللوحة بألوانها الفضية، والذهبية، والقرمزية، والبرتقالية، والأرجوانية، والحمراء جمالاً يخطف الألباب، إذ يشبه كانيون سيناء بصخوره الملونة متاهة من الصخور التي يصل ارتفاعها في بعض الأماكن إلى ما بين 40 و80 متراً، ما يجعله واحداً من عجائب الطبيعة، حيث يتكون من صخور ملونة على شكل منحدرات تشبه مجرى نهر جاف يبلغ طوله نحو 800 متر، ويقول الجيولوجيون إنه تشكّل بفعل مياه الأمطار والسيول الشتوية، التي حفرت لها قنوات وسط الجبال في الأزمنة السحيقة، لذا فإن هذا الوادي الملون يمثل وجهة مثالية للمستكشفين، والمغامرين، ومحبي التصوير، وهواة المشي في البرية على حد سواء.

مجلة كل الأسرة
مجلة كل الأسرة

ورغم أن الوادي يمثل وجهة سياحية استثنائية تجمع بين الجمال والمغامرة والتشويق طوال السنة، فإنه من الأفضل زيارته بعد انتهاء موسم الأمطار، في نهاية فصل الشتاء، كما يفضل زيارته في الفجر أو الصباح الباكر للاستمتاع بمنظر الشروق ووضوح ألوانه، قبل السير تجاه أماكن أخرى رائعة الجمال، مثل عين خضرة التي تقع على بعد نحو 70 كيلومتراً في الطريق من سانت كاترين تجاه نويبع، وهي واحة خضراء في وسط بحر من الرمال، بها عين مياه طبيعية، ويستطيع الزائر لها رصد النباتات وآثار الحيوانات والطيور، والتعرف إلى التكوينات الجيولوجية وعيون الماء.

اقرأ أيضاً: المحميات الطبيعية.. جنّات مصر المجهولة

* تصوير:  أحمد شاكر