مع تكاثر الضغوط والتحدّيات في عالمنا إلى درجة كبيرة، أصبحت الأحلام طوق نجاة لا يُرى، ونافذة سريّة نطلّ منها على نِسخٍ أفضل من أنفسنا، وعلى أماكن أجمل قد تهبنا الكثير ممّا نفتقده، وتعطينا أحلى ممّا نتخيل.
ومع ذلك، لا يزال كثير من الناس يُخفون أحلامهم، أو يُطفئونها قبل أن تولد، لا لشيء سوى أنهم اعتادوا التشكيك في إمكانية تحققها، وأنها مجرّد خيالات وأوهام، فآثروا التخلي عنها من أول الطريق، ولم يفكروا في أنهم يتخلصون من أفضل ما يمكن أن يحدث لهم لو أنهم استمروا فيه، وتحرّروا من الخوف، والتشكيك فيه.
والخطورة لا تكمن في الحلم نفسه، بل في الشك الدائم الذي يلتفّ حوله كقيدٍ خفيّ، فيعطّله عن المسير، ويلجمه عن التحرّك إلى الأمام. يبدأ هذا الشك أحياناً من الداخل، عندما يردّد الشخص لنفسه: «أنا لا أستطيع»، «هذا الحلم أكبر مني»، «الناس سيسخرون مني لو عرفوا حلمي»، «لا مكان للأحلام أمام سلطة الواقع»، ثم يتعزّز هذا الصوت بأصوات خارجية تبعده عنه: «احلم بواقعية»، «ركّز في حياتك الحقيقية» «الأحلام لا تطعم خبزاً»، «استيقظ من غفوتك فالأحلام للجبناء فقط»!
لكن الحقيقة أن أعظم الإنجازات بدأت كأحلامٍ جريئة، سخِر منها الآخرون، وحاولوا النيل منها بالتهكم عليها، لكنها وُلدت في قلوب أصحابها يقيناً. لم تكن الظروف مهيّأة، ولا الأبواب مفتوحة، لكن الإرادة كانت تقرع باباً تلو الآخر، والعزيمة تدفع أصحاب العزيمة حتى استجاب القدر. ما نراه اليوم من مدن، واختراعات، وشركات، ومبادرات، ثقافية أو إنسانية، عظيمة، لم يكن يوماً إلا فكرة نبتت في رأس شاب، أو فتاة، وواجهت الريح، وأثبتت قدرتها على الوقوف على قدمين راسختين.
لذلك فإن تحرير الحلم من قوقعة الشك لا يعني تجاهل الواقع، بل يعني الإيمان بأن الإنسان أعظم من ظروفه، وأن الإرادة والعزيمة يمكن أن تفتحا الأبواب المغلقة. الحلم لا يكبر بالانتظار، بل بالعمل، والخطوات الصغيرة، واليقين بأنه قابل للتحقق، ولو بعد حين.
وهنا تبرز أهمية البيئة المحيطة. إن المجتمعات التي تفتح ذراعيها لأحلام أفرادها، وتدعم المحاولة، وتحتفي بها حتى لو لم تنجح، هي مجتمعات تبني أفراداً أحراراً، وتُخرِج طاقاتهم الكامنة. أما المجتمعات التي تُسخّف الطموح، وتربّي أبناءها على الخوف من الفشل، فهي تقتل فيهم أعظم ما في الإنسان: القدرة على التخيّل، والتغيير.
من المهم أيضاً أن نُعلّم شبابنا أن الحلم لا يتطلب مثالية، بل صدقاً ومثابرة، وأن الفشل ليس نهاية، بل درس في الطريق، وأن كل إنجاز عظيم هو سلسلة من الإخفاقات، مَن يصمد فيها، يصل.
إن أكبر انتصار للحلم ليس تحققه فقط، بل أن يؤمن به صاحبه في وجه العالم، أن يُصِرّ عليه، على الرغم من كل الأصوات، وأن يتبنّاه كرسالة شخصية، لا يساوم عليها.
وفي النهاية، ليس الحلم رفاهية، بل ضرورة إنسانية. ومن حق كل إنسان أن يحلم، ومن واجب المجتمع أن يحترم الحلم، ومن شجاعة الفرد أن يُخرجه من قوقعة الشك إلى فضاء اليقين، حتى يصبح نوراً يهتدي به، وطريقاً يبني به معنى حياته.