في ظل الأحداث الصعبة والمتلاحقة التي يشهدها العالم، خاصة تلك المتعلقة بمنطقة الشرق الأوسط، يشعر البعض بالإحباط، وعدم القدرة على تخطّي تلك الأزمات لاسيما عندما يرتبط الأمر بمآسٍ إنسانية، الأمر الذي يستدعي التمسك بالأمل لمواصلة المشوار وتحقيق الأحلام.
ومع توديع عام مضى، واستقبال آخر جديد، نتمنى فيه انتهاء كل ما يعكّر صفو البشرية، دعونا نسأل أنفسنا: كيف نجعل من التمسك بالأمل طوق نجاة، وطريقاً لمستقبل أكثر إشراقاً؟
الدكتور أحمد النجار، أستاذ علم النفس الاجتماعي، يقول «الإنسان الذي يعيش غير متمسك بالأمل والإيجابية يفقد عنصراً أساسياً في حياته المستقبلية، ولهذا السبب يجب علينا جميعا اعتماد هذه العناصر في بناء أسرنا، لأنه يسهم، بالتبعية، في التخطيط الجيد لكل ما هو آت في المستقبل. وبلا شك، أصبح عالم البعض من البشر صعباً، سواء لعدم وضوح رؤية المستقبل القريب، أو بسبب انتشار الأمراض، أو الحروب وغيرها، ولهذا السبب يفقد الإنسان الشغف بالحياة، وتبدأ الأسرة بالخوف على أفرادها، فتوظف هذا الخوف ببعض الممارسات، مثل تلك التي يفعلها الأبوان، كمتابعة الأخبار السلبية، منذ الصباح وحتى الخلود إلى النوم، من دون أن يدركوا تأثير ذلك سلباً في مشاعرهم، ومن ثم انتقال هذا الشعور إلى الأبناء، بجانب الحديث المستمر بنظرة سوداوية على كل ما هو آت في المستقبل، ووصفه بالمظلم والموحش، إضافة إلى تضخيم المشاكل المادية، وغفلة الانتباه لوجود الخالق القادر على تغيير الوضع للأفضل، بين ليلة وضحاها، وأن في بطن كل ظلام نوراً».
كلما كانت البيئة المحيطة تدعو إلى الأمل تبقى آثارها مفيدة ومطورة لأداء الإنسان
ويشير د. أحمد النجار «لكي نخرج أسَرنا من دوامة فقدان البوصلة الإيجابية نحو المستقبل، علينا التشبث بالأمل، واستقبال المواقف الصعبة بصدر رحب، لكونها من متطلبات الحياة الطبيعية، بجانب استخدام الكلمات الإيجابية الداعمة لبعضنا بعضاً، ونشر مفهوم الأمل مهما تأزمت المواقف وصعبت، كل ذلك يجعلنا قادرين على مواجهة الأزمات مهما كبرت. فكلما كانت البيئة المحيطة تدعو إلى الأمل تبقى آثارها مفيدة ومطورة لأداء الإنسان، عكس الشخصية المتشائمة من المستقبل التي يعد ضررها على المحيطين بها أكثر من ضررها على نفسها، فنشرها للتوقع السلبي، والتنبؤ المحبط، والمشاعر السلبية، سوف يؤدي إلى تكوين محيط صحي غير متفاعل، وغير جيد. وأخيراً فلنتمسك بالأمل، ونقنع أنفسنا بأن القادم أفضل، بإذن الله تعالى».
السعادة والتفاؤل طريق المستقبل
تضيف الدكتورة أسماء حمدان، محاضرة بقسم علم الاجتماع في جامعة الشارقة «يتعرض الإنسان في حياته اليومية للكثير من المشكلات، ومواقف الفشل التي تقوده إلى عدم الوصول للنجاح المرغوب فيه، ولكي يقف من جديد بعد موقف تعثر وألم، عليه التمسك بالأمل، فالسعادة والتفاؤل لا يمكن أن يوجدا من دون نظرة مستقبلية أكثر تفاؤلاً، فتمسّكنا بالأمل في وقت الأزمات هو قارب النجاة لتحقيق أفضل الممارسات، ورفع الروح المعنوية لدى الفرد».
نحن أحوج ما نكون إلى استعادة التوازن النفسي كي تستمر بنا الحياة
وتلفت د. أسماء حمدان إلى أنه «في ظل الفترة الحرجة التي تمر بها منطقتنا العربية، واستمرار الأخبار المتعلقة بالحروب، وما يعقبها من مشاهد تقشعر لها الأبدان، نحن أحوج ما نكون إلى استعادة التوازن النفسي لتستمر الحياة، ونستطيع أن نحقق ذلك بأن نمنح أنفسنا الطاقة الإيجابية والتفاؤل، وأن نجعل من 2024 عاماً تملأه السعادة والنجاح والتميز، نحو تحقيق أفضل الممارسات والأهداف التي نسعى للوصول إليها دائماً. فالأمل هو ذلك الشعور الذي يشعر معه الإنسان بالتفاؤل تجاه ذاته، وتجاه الآخرين، وهو ذلك الشعور الذي يجعله قادراً على التفاعل والتكيف مع المحيطين به، فالأمل يظل حياً مع الانفتاح على جمال الحياة، واليأس هو مضاد الأمل، وهو ذلك الشعور الذي يحرك العواطف السلبية، كالإحباط والاكتئاب، وعلينا ألّا نجعل لها مكاناً في داخلنا».
من جهتها، توضح الدكتورة زينب عبد العال إبراهيم، أستاذة علم النفس بجامعة أبوظبي ومدرّبة ومستشارة معتمدة في مجال الإرشاد النفسي والأسري «يشهد العالم في الوقت الحالي، وخاصة منطقة الشرق الأوسط، العديد من الصراعات، والحروب، والأحداث الدامية، التي تؤثر بشكل كبير في الصحة النفسية، فيشعر البعض بالإحباط واليأس، فعلى سبيل المثال، نجد أن الحرب الوجودية في فلسطين، وما يتعرض له شعبها الشقيق لها، آثار نفسية تؤدي إلى ظهور العديد من الاضطرابات، مثل الاكتئاب والإحباط والقلق، ما يقود لتفاقم مشاعر الإحباط والاكتئاب لدى كل من يتابعها، بسبب مشاهدة أعمال العنف، والقصف، والقتل، والموت الجماعي، فالمشاهد التي تعرض على مواقع التواصل الاجتماعي والتلفزيون هي مشاهد غير إنسانية بالمرّة، تدمّر مشاعر أي شخص يراها، وتخلّف لديه الشعور بالعجز والحزن والاكتئاب، أو عدم الرغبة في ممارسة الحياة بشكل طبيعي، فهذا الأمر يستدعي فترات طويلة حتى يتعافى المرء من المناظر المؤلمة التي يراها يومياً، ولكي تتحقق الصحة النفسية في ظل هذه الظروف لابدّ في عام 2024 من استبدال الإحباط والاكتئاب بالتفاؤل والتمسك بالحياة، ولكي يتحقق ذلك لابد من الصمود النفسي، ومواجهة التحديات المختلفة».
يجب ألا نتوقف عند الأحداث الأليمة حتى لا تبقى النفس سجينة الدموع والأحزان
وفي ردّها على سؤال: كيف نجعل من التمسك بالأمل طوق نجاة من الاضطرابات والأمراض النفسية خلال عام 2024؟ تجيب د. زينب عبدالعال «الأمل هو الحلم الذي يصنع لنا الحياة، ويجب ألا نتوقف عند الأحداث الأليمة حتى لا تبقى النفس سجينة الدموع والأحزان، بل اجعل لك هدفاً سامياً، تأمَل بإذن الله تحقيقه، وتسعى جدّياً لذلك، فالأمل والطموح يساعدان على التغيير، وعليك بعد ذلك أن تكتشف مواهبك وقدراتك، مثل الإبداع والذكاء، والعمل على تنميتها حتى تتغير حياتك إلى الأفضل، وتأكد أن الحياة عبارة عن فصل دراسي تتعرض فيه للاختبار، ويتوقع منك أن تحقق تكيفاً وتقدماً مهما كانت الفترة الزمنية، أو البيئة المحيطة صعبة، فإن لم تستفد في فصل الحياة فإنها ستعيد لك الدرس تلو الآخر، حتى تتعلم وتنجح وتتغير، فعندما يرسب الإنسان فإنه إما أن يعيد الدرس ويتعلم من الماضي حتى ينجح، وإما ينسحب ويستسلم».
خطوات التغيير نحو الأفضل
تؤكد الدكتورة زينب عبد العال أننا يمكننا تغيير الحياة للأفضل بتطبيق الممارسات الآتية:
التغيير سنة الحياة
أما د. ريفين نبيل دياب، لايف كوتش ممارس ومدربة مهارات حياتية، فتقول «كثير من الأشخاص ينسون سبب وجودهم الأساسي في الحياة، ألا وهو إعمار الأرض وترك الأثر، فالأصل في الحياة الكدّ والتعب، وليعلم الإنسان أن المرور بمواقف صعبة هي الدافع الحقيقي والمحفز القوي للتغيير، وما علينا سوى أن نجعل من المحن منحاً تقودنا إلى مستقبل أكثر إشراقاً».
وتضيف د. ريفين دياب «يجب أن نعلم أن الألم، والإحباط، والتكاسل، والتقاعس، تحطم الإنسان، وتفقده قواه، وتوازنه، فيتحول إلى شخص يائس، بائس، خائر القوى، مسلوب الإرادة، وعليه فعل الآتي: