02 يونيو 2025

السفر دون إرهاق الميزانية.. خطّط بذكاء واختر وجهة اقتصادية

محررة في مجلة كل الأسرة

مجلة كل الأسرة

في ظل تزايد الأعباء المالية على بعض الأسر، تسعى العديد من العائلات إلى تحقيق التوازن بين إدارة الميزانية الشهرية، وتخصيص جزء منها للترفيه والسفر، إلا أن هناك الكثير ممن يفتقدون بوصلة التوجيه، التي تحقق التوازن في تلك المعادلة الصعبة.

وبما أن السفر السياحي بميزانية محدودة بات هدفاً مشتركاً للكثير من الأسر، بخاصة في المواسم والعطلات الرسمية، نقدم في هذا التحقيق نصائح سياحية لأفراد العائلة، تمكنهم من التخطيط لرحلة إلى وجهات جديدة، وأرخص، من دون إرهاق للميزانية.

التخطيط المبكر للسفر

عبدالله العطر، خبير اقتصادي ومستشار تخطيط مالي، يقول «المقصود بالميزانية هو تقسيم الراتب لهدف تعزيز كفاءة الإنفاق، وبما يضمن لصاحبه تحقيق أهدافه، وينقسم الراتب بين مصروفات متكرّرة شهرياً، من معيشة وإيجار وخلافه، وبين موسمية مثل الأعياد والمناسبات، وتأمين السيارات، والسفر. وللأسف تعد هذه المصروفات حجر عثرة أمام كثير من العائلات، التي لا تستوعب أنه بمجهود بسيط وتفكير منظم يمكن أن تنجح، إذا وضعت ميزانية خاصة ببند الترفيه، وما يشمله من رحلات سفر، وتسوّق، وسينما، ومطاعم، وزيارة أماكن جديدة، وغيرها. على سبيل المثال، إذا كان مع الشخص مبلغ من المال دبّره باقتطاع جزء من الراتب كل شهر، فبكل تأكيد سيحقق الاستفادة المرجوّة من سفره، وهي الاستمتاع وأسرته بكل لحظة فيها، ولكن المشكلة تتمركز في اعتماد البعض على القروض، أو بطاقات الائتمان، لتغطية نفقات هذا البند. فبمجرد أن يأتي موسم الإجازات، كأنه وقت غير معلوم ويباغتنا فجأة، تتوجه الأنظار لتدبير المال من القروض، في حين هناك من يخطط لهذا الموسم بأشهر سابقة، ويستقطع جزءاً من راتبه لتغطية نفقات الأسرة أثناء السفر، وتُعد تلك الخطوة بداية التفكير السليم».

شجاعة الاعتراف بالواقع مفتاح الاستقرار المالي

في زمن تُسيطر فيه الصور اللامعة على وسائل التواصل الاجتماعي، يجد الإنسان نفسه محاصراً بين طموحات لا حدود لها، وواقع مالي محدود، وفي هذا الصدد يشير عبدالله العطر «يزداد التوتر حين يُطلب منا أن نواكب ما يعرضه الآخرون من نماذج مثالية للحياة، فنسافر حيث لا نقدر، وننفق ما لا نملك، لنرضي المحيط، أو لنهرب من الشعور بالنقص فقط. وهنا، تبرز الحاجة الماسة إلى وجود وعي وشجاعة لتقبّل الذات كما هي، فالاستقرار المالي، كما يشير كثير من المتخصصين والمراقبين، لا يتحقق بالرغبات وحدها، بل يحتاج إلى قناعة، وتنظيم، واعتراف واقعي بأن ما أقدر عليه ليس بالضرورة ما يقدر عليه غيري، فالفارق في الدخل والقدرات المالية بين الناس طبيعي، ومن المهم أن نبني اختياراتنا وفق إمكاناتنا، لا وفق طموحات مرسومة على شاشات الهواتف.

كما تتعرض كثير من الأسر للإحراج في البحث عن البدائل الأرخص، أو في الاعتذار عن رحلة لا تقدر عليها، ظناً منها أن الاعتراف بالضيق المالي ضعف، أو أن التخلي عن السفر تقصير في حق الأسرة، بينما الحقيقة أن الاستهلاك الواعي، والاعتراف بالقدرات، خطوة شجاعة تُبنى عليها قرارات سليمة».

«ولا ننسى تأثير وسائل التواصل الاجتماعي التي تُعزز الشعور بالضغط، فهي لا تعرض إلا نماذج محدّدة للنجاح والسفر والمتعة، من غرف فندقية فاخرة، وملابس من ماركات عالمية، ورحلات إلى وجهات شهيرة، وصور محسوبة بعناية، بينما تغيب تماماً نماذج السياحة الاقتصادية، أو العلاجية، أو الثقافية، أو تلك الرحلات الهادئة التي تعتمد على الاكتشاف، والأجواء المعتدلة لا على الإنفاق. فلا أحد يعيش مكانك، ولا أحد سيدفع عنك، فمن لا يملك شجاعة أن يُمسك بزمام حياته ويُخطط بناءً على واقعه، سيظل يدور في حلقة من التوتر المالي والاجتماعي، فالشجاعة الحقيقية ليست في مسايرة «الترند»، بل في رسم نموذج شخصي، واقعي، ومستدام».

مجلة كل الأسرة

خطة سفر واقعية

ولوضع برنامج لرحلة عائلية ممتعة، وبميزانية معتدلة، يشير عبدالله العطر «في زمن التكاليف المتزايدة، والرغبات المتنامية، يبقى السؤال قائماً: كيف يمكن لأسرة أن تستمتع برحلة حقيقية من دون أن تُرهق مالياً؟

الجواب ليس في التنازل عن الهدف من الرحلة، بل في إعادة تعريفها، والسر يكمن في الوعي، بالتخطيط، وفي كسر النمط السائد:

  • ابدأ بما في جيبك: قبل أن تحدّد الوجهة، حدّد الميزانية، ولا تبدأ برغبتك في السفر، بل بقدرتك على تحمّل تكاليفه. هل تستطيع أن تسافر هذا العام؟ أم تؤجله، وتستبدل به نشاطاً داخلياً؟.
  • وسّع خيالك خارج الوجهات التقليدية: الجمال ليس مقتصراً على لندن، أو سويسرا، أو النرويج، فهناك وجهات أقل شهرة، لكنها مملوءة بالسحر، والطبيعة، والجو البارد، وأهم من ذلك أرخص في الكلفة، فبلدان في وسط آسيا، مثل أوزبكستان، قرغيزستان، كازاخستان، أصبحت وجهات واعدة وبأسعار مناسبة، وكذلك الفلبين، وفيتنام، وكمبوديا، تقدم تجارب غنية بتكاليف معقولة.
  • لا تسافر بعدد لا يمكن تحمّله: إذا كان لديك أطفال تحت الأربع سنوات، فكر: هل يستحق أن تتحمّل تكاليفهم، على الرغم من أنهم لن يتذكروا الرحلة؟ ربما من الأفضل تركهم مع الجدّة، أو تأجيل سفرهم حتى يكبروا قليلاً، فتقسيم الأسرة في بعض الرحلات ليس أنانية، بل حكمة اقتصادية وعملية.
  • فكّر في بدائل داخلية بأفكار جديدة: ليس شرطاً أن تسافر إلى الخارج كل عام، فموسم في الخارج، وموسم في سياحة داخلية، قد يكون حلاً متوازناً، فمن الممكن أن تترك زيارة لأحد المتاحف ذكرى لا تنسى لدى الأطفال، فالأهم هو التفاعل، لا بُعد المسافة.
  • البحث عن مقدّمي خدمة العروض: كثيرون لا يعرفون أن هناك مستشارين وخبراء في حجز الرحلات، يعرفون كيف يخفضون كلفة الرحلة إلى النصف، فهم أكثر وعياً بطريقة الحجوزات، ومتى، وكيف يحصلون على أرخص عروض الطيران، والفنادق، والمطاعم، مع ضمان تجربة ممتعة بأقل التكاليف.
مجلة كل الأسرة

نصائح لسفرة ممتعة دون إرهاق لميزانية الأسرة

يحرص عيسى المهيري، هاوي سفر، من خلال رحلاته، إلى تقديم تجاربه لمتابعيه، زار أكثر من 54 دولة حول العالم، وأصبح مرجعاً لكثير ممن يبحثون عن تحقيق السعادة والترفيه بميزانية منضبطة التكاليف، التقيناه لنتعرف إلى أهم النصائح التي تضمن تحقيق تلك المعادلة. يقول «لا يختلف اثنان على أهمية السفر، لكونه الملاذ الأساسي للتغيير، والاستمتاع، واكتشاف ثقافات جديدة تثري عقل الإنسان، وتفتّح مداركه لآفاق كثيرة ومتنوّعة، وبما ينعكس ذلك كله على شخصيته وزيادة إنتاجيته، وإقباله على أداء مهام وظيفته بروح متجدّدة. وبما أن السفر صار أسهل عن ذي قبل، زادت تطلعات البعض، وبات الإقبال عليه أكثر، في ظل سهولة الاشتراطات المرتبطة ببعض جوازات السفر، والتي غيّرت من مفهوم السياحة كثيراً، ولكن ما يربك البعض هو الإخفاق في وضع الميزانية المناسبة لكل وجهة. فهناك من يجهل عملية البحث عن تلك الأماكن فيتورّط في وجهات مكلفة، سواء في بنود السفر إليها، أو الإقامة، والانتقالات، وأماكن التسوق، وغيرها، حتى من يجد وجهات سياحية رخيصة وجديدة في نفس الوقت، قد يخفق في ضبط طرق الإنفاق، فيدفع أموالاً في ما ليس له داع، فيصل إلى النتيجة نفسها. فمثلاً مدينة مثل كيب تاون في جنوب إفريقيا تُعد وجهة مثالية للعائلات من مواطني الدولة، الباحثين عن الجو البارد في فصل الصيف، وحيث المناظر الطبيعية الخلابة، والتنقلات الرخيصة، والشعب الودود، وأرى أنها تحقق الغرض من التنزه، والترفيه، والاستمتاع بالأجواء المختلفة، وبأسعار مناسبة لا ترهق ميزانية الأسر».

مجلة كل الأسرة

ومن واقع تجاربه وكثرة أسفاره، يقدم عيسى المهيري، بعض النصائح التي تساعد العائلات على وضع ميزانية تتماهى مع طرق الإنفاق:

  • احرص على تصفّح المواقع الرسمية للدول التي تحب الذهاب إليها، فتلك الخطوة تكون بمثابة النور الذي ينير الدرب، ويجنب الوقوع في المحظورات التي تفسد على الإنسان متعته.
  • التركيز على السفر إلى البلدان التي تمر بموسم سياحي منخفض، كأن تذهب وقت استمرار الدراسة مثلاً، وبما يضمن قلة الإقبال من الداخل على الأماكن السياحية.
  • التفكير عكس ما تفكر فيه الأغلبية العظمى من الناس، ففي حال زاد الإقبال على بلد ولتكن موسكو في وقت معين، غيّر من وجهتك إلى مكان آخر، فتلك الخطوة تساعد على تقليص كثير من بنود الإنفاق.
  • احرص على حجز الفنادق وتذاكر الطيران قبل موسم الإجازات بمدّة، وبما يضمن الحصول على عروض بأسعار مخفضة.
  • الابتعاد عن التطبيقات الخاصة بالحجوزات لأنها غير مجدية من الناحية الاقتصادية، واللجوء إلى برامج «الولاء»، والتي تجمع لك النقاط وتحوّلها إلى خصومات، وعروض حقيقية.
  • حجز الغرف في فندق يضمن لك ولعائلتك البقاء في مكان آمن، ولكن إذا كان حال المدينة استئجار الشقق لقلة فنادقها، فيجب التأني والحرص عند الاختيار، وعدم تحويل أموال لمدعي أصحاب الشقق عبر أي وسيلة إلكترونية، تجنباً للنصب والاحتيال.
  • معرفة المسافات بين الأماكن مهم، فتأجير سيارة وقيادتها للتنقل لمسافة طويلة تزيد على مئة كيلومتر، مثلاً، يُعد خياراً جيداً، وبما يضمن عدم إرهاق الميزانية، أما المسافات القصيرة منها فالتنقل عبر تطبيقات المواصلات العامة يُعد الوسيلة الأسهل، والأرخص، وبما يضمن لك معرفة البند المالي المخصص للتنقلات.