بادرت سيدتان فرنسيتان، في الشهر الماضي، إلى تنظيم أول سهرة راقصة للنساء فقط، في مرسيليا، جنوبي البلاد. واستأجرت الصديقتان، أليسيا وهيلويز، ساعات المساء في أحد المطاعم، وأعلنتا عن تلك الحفلة في مواقع التواصل. كان الدخول وفق تذكرة زهيدة، ثم تدفع كل امرأة ثمن ما تطلبه من طعام، أو مشروبات.
وجاء في الإعلان أن المكان مهيّأ للرقص على أنغام الموسيقى، وهو يستقبل الزبونات من السابعة مساء حتى انتصاف الليل. وهو موعد مبكر، لأن السهرات من هذا النوع تبدأ بعد العاشرة، وتنتهي مع طلوع الشمس.
اسم هذه السهرات النسائية: «ماما ذاهبة لترقص». وواضح من اسمها أنها تتوجه إلى الأمّهات بشكل خاص، من دون أن تستثني غيرهن. إنها تتيح لهنّ الخروج لتمضية وقت طيّب بين الصديقات، بعد أن يكون الأطفال قد تعشوا، وارتدوا ثياب النوم، ودخل كل إلى فراشه.
توقعت الصديقتان أن تلبّي الدعوة ثلاثون امرأة، على أكثر تقدير. لكن العدد وصل إلى ثمانين. وتراوحت الأعمار بين 20 و77 عاماً. كانت هناك ربّات بيوت، وموظفات، وممرضات، وعاملات، وطالبات، وسائقات حافلات للنقل العام. كما لبّت الدعوة ثلاث طبيبات، ومديرتان لمصرف. وأغلب الحاضرات من المتزوجات. لماذا تخرج السيدة من دون زوجها؟
قالت إحداهنّ إن زوجها غيور، ولا يعجبه اصطحاب زوجته إلى النادي. ولهذا فإن الذهاب معه إلى الحفلات الراقصة ينتهي غالباً بمشكلة. لكنه لم يعترض على حضورها حفلة للنساء، طالما أن دخول الرجال ممنوع. وقالت أخرى إن زوجها لا يحب الرقص، لذلك فإنها منذ زواجها قبل 4 سنوات بقيت محرومة من ممارسة هذه الهواية، وهي قد وجدت في هذه الحفلة فرصة لسعادة عابرة لا تكلّف شيئاً.
الشابات أجمعن على أنهنّ يشعرن بالراحة في مثل هذه الحفلات، حيث لا يتعرّضن لمضايقات بعض ثقلاء الدم، وهو ما يحدث في المراقص المختلطة. وبحسب تعبير إحداهنّ: «إن الجو العام هنا ودّي، كأننا بين البنات في نزهة مدرسية». ومن المعروف أن شباباً كثيرين يقصدون صالات «الديسكو» للتعرّف إلى بنات تعارفاً عابراً، للتسلية.. وهو ما لا ترتاح له الكثيرات.
مع هذا، ظهرت أصوات تنتقد انتشار هذا النوع من الحفلات «الانعزالية»، المستوردة من الخارج. فمن الغريب في فرنسا أن يضع مطعم، أو مشرب على واجهته لافتة تقول: «ليلة خاصة للنساء». ماذا كان سيحدث لو قرأنا لافتة تقول: «للرجال فقط»؟ ستقوم قيامة الجمعيات النسائية، ومنظمات مكافحة التمييز.
والحقيقة أن السهرات والمراقص العامة المختلطة باتت تشكل قلقاً لمرتاديها من الرجال، بعد ظهور حركة «مي تو»، ومجاهرة النساء بفضح المتحرّشين. فكلّ عبارة زائدة، أو حركة في غير محلها، يمكن أن تعتبر تحرّشاً ينتهي ببلاغ في مركز الشرطة.
هل تشهد فرنسا في زمن قريب حافلات، أو قطارات، أو أسواقاً، أو شواطئ مقسومة نصفين، نصفاً للرجال، وآخر للنساء؟ لا غريب في هذه الدنيا سوى الشيطان…