
ساد الانطباع في فصل الشتاء، مطلع العام الجاري، بأن التصحّر أصاب لبنان ومناخه بضربة قاضية، وبأن أعالي جباله ستخسر رداءها الأبيض، خلافاً لعادة السنين، منذ عَلت تلك الجبال إلى عنان السماء.


إذ لم تتساقط الثلوج إلا لماماً في الأيام الأولى من العام الجاري، ثم غابت بعدها تماماً، كما أن الأمطار انحبست، وسيطر طقس مشمس على الجزء الأكبر من أيام يناير الماضي، حتى خُيل للبعض أنه قد يكون من الأفضل تحويل مراكز التزلج مستقبلاً، إلى متاحف للسياحة الشتوية، ونشاطاتها، إلى أن اطلّ فبراير، ومنخفضه الجوي«آدم»، وعواصفه، فتساقط الثلج مجدداً، وانطلق موسم التزلج، وإنْ خجولاً، وزال أي خطر حقيقي من وقوع فصل الشحائح، ربيعاً وصيفاً، وتكلّلت الجبال اللبنانية مثل العادة، من عكار إلى جبل الشيخ، مروراً بأعالي القمم المطلة على البحر والبقاع، على حد سواء، بأبهى حلة من البياض.


موسم تزلج متأخر
يلفت مسؤول الإعلام والتسويق في بلدية كفر ذبيان، في أعالي حبل لبنان، وليد بعينو، إلى نجاح الرهان على إنقاذ موسم التزلج في منطقة عيون السيمان، ومحيطها، إذ يقول لـ«كل الأسرة»: «لقد أنعمت السماء على لبنان مجدداً، وارتدت الطبيعة رداءها الأبيض الذي من المتوقع أن يؤمّن موسماً مميزاً من التزلج، والسياحة الشتوية، وصولاً إلى أبريل المقبل، رغم أن موسم التزلج كان يمتد من منتصف ديسمبر، إلى مطلع أبريل كل عام».

وفيما يشير بعينو إلى أن في لبنان 6 مراكز للتزلج على امتداد السلسلة الغربية لجبال لبنان، وهي: الأرز، واللقلوق، وكفر ذبيان، وفقرا، وباكيشن والزعرور، فإنه يؤكد أن الحركة أقلعت بشكلها المعتاد في كل مراكز التزلج منذ منتصف فبراير، حيث من المتوقع أن تستمر بقوة حتى أبريل المقبل، على غرار عيون السيمان.


مراكز تزلج وفنادق تنتظر السياح والزوار
ويضيف بعينو، أن الحركة السياحية الشتوية، في أعالي الجبال اللبنانية، لن تستعيد وتيرتها المعهودة إلا إذا تكثفت الجهود لتعزيز النشاطات، والرياضات، والفعاليات السياحية والبيئية، وتقديم المزيد من الحسومات، والبرامج، والحوافز، لافتاً إلى أن الصورة لن تكتمل إلا بعد أن تستقر الأوضاع في لبنان، وتستعيد الحركة السياحية والاستثمارية زخمها، ويعود المغتربون والأشفاء العرب إلى الربوع اللبنانية، ويتشجع السياح الغربيون على زيادة اهتماماتهم بلبنان، علماً بأن السياحة الشتوية لا تقتصر على التزلج، وارتياد المطاعم، وإشعال الفنادق واستئجار الشاليهات وحضور الحفلات في أعالي القمم اللبنانية، إذ شهدت هذه السياحة تطوراً نوعياً، في السنوات الأخيرة، وأصبحت جزءاً من الحركة السياحية المتنوعة، والحديثة والداخلية، على مدار السنة.

وفي هذا السياق يشير الناشط السياحي، شربل جريج، إلى أن الحركة السياحية في الجبال اللبنانية متنوعة في فصل الشتاء، ولها أوجه عدة، ترفيهية، ورياضية، وبيئية، وتراثية، ودينية، وتاريخية، وأثرية، فهي تبدأ من السكيدو والـatv، وبناء الرجل الثلجي، وتمضية أمتع الأوقات مع الأصدقاء والعائلة على امتداد أعالي الجبال، إلى زيارة الأماكن والمواقع التراثية، والدينية، والتاريخية، والطبيعية، وكذلك المشي على الثلج الذي يستقطب جميع الفئات العمرية.

المشي على الثلج.. «ترند» السياحة الشتوية
ويؤكد جريج أن المشي على الثلج أصبح محوراً أساسياً في السياحة الشتوية، من أعالي القموعة في عكار، مروراً باهدن ومحيطها، والأزر، وأعالي البترون، وجبيل، وصولاً إلى عيون السيمان، وصنين، والباروك، امتداداً إلى الشوف، وجبل الشيخ.

ويحتاج المشي على الثلج، وفق جريج، إلى سماكة متينة تنطلق في حد أدنى، من أكثر من متر من الثلوج المجمّدة، والمرصوصة على ارتفاع بين 1500 و2200 متر عن سطح البحر. وتمتد مغامرات المشي هذه على البساط الأبيض على مساحات شاسعة، تراوح بين 6 و14 كلم، حيث يتطلب طول المسافات مشاركة محترفين بالمشي والتزلج.

ويلفت جريج إلى حاجة المشاركين في المشي على الثلج إلى الراكيت، وعصي مخصصة لرحلات مماثلة، تشارك فيها مجموعات من مختلف الأعمار من 6 إلى 75 عاماً. وإذا كانت اللياقة البدنية أهم عامل للمشاركة الفعالة في رحلات مماثلة، فإن المسافات القصيرة والمتوسطة، تتيح لمن هم دون 10 أعوام أن يمشوا على الثلج، بكل نجاح وأمان.

وبحسب جريج، فإنه غالباً ما يلجأ المشاركون في هذه الرحلات إلى التخييم على الثلج، أو يقصدون القرى المجاورة، فيتناولون أشهى المأكولات، ويحتسون القهوة، والعصير، ويشترون المونة، ويتذوّقون الإنتاج المحلي، ويتعرفون إلى المعالم الطبيعية، والتراثية، والتاريخية، والبيئية، إضافة إلى العادات والتقاليد، ومزايا أنماط الحياة السائدة.

واستطراداً، يقول جريج، إن المشي على الثلج يشكل جزءاً من المشي في الطبيعة في مختلف المناطق، وعلى مدار السنة، الأمر الذي أصبح يحتل حيزاً كبيراً جداً من ضمن السياحة، البيئية والداخلية، عموماً.
ويصرّ جريج في ختام حديثه لـ«كل الأسرة» على أن المرء يكتشف عبر هذه الرحلات غنى الطبيعة «وتهون أمام ناظريه كل مشاكل الحياة، وتعقيداتها، وتسقط حساباتها الزمنية والظرفية المدمّرة».
* إعداد: شنتال فخري