لم يبخل شتاء اللبنانيين هذا العام بثلوجه، بعد أمطاره، فاكتست قمم الجبال وأعاليها بالحلة البيضاء الناصعة والمعتادة في مثل هذه الأيام، من كل عام.
وإذا كان «جنرال الثلج» لم ُيحرّك هداياه ونتفه البيضاء إلا في أواخر يناير من هذا العام، فإن مراكز التزلج، لاسيما المنزاحة في أعالي السلسلة الغربية المطلة على البحر وسهل البقاع، في الوقت نفسه، شهدت إقبالاً ملحوظاً من هواة التزلج ومحترفيه، فضلاً عن عائلات الزوار، إذ سجّلت التقديرات أن أكثر من 20 ألف شخص ارتادوها في عطلتي نهاية الأسبوع في النصف الأول من فبراير الجاري.
وكالعادة، سنوياً، سجّلت مراكز التزلج الستة في أعالي كفرذبيان خصوصاً، وفي فقرا، وباكيش، والزعرور، واللقلوق، والأرز، أفضل نسب للإقبال عليها من اللبنانيين، المقيمين والمغتربين، فضلاً عن السيّاح العرب والأجانب، إذ اصبح موسم التزلج العمود الفقري للسياحة الشتوية، ومتنفساً للبنانيين، ونموذجاً متقدماً للسياحة البيئية، ولتحريك العجلة الاقتصادية والحياتية في الربوع اللبنانية.
كل هموم الحياة وأثقالها سيرميها المرء عن كاهله، وسينزعها من نفسه، وسيشعر بالغبطة والسعادة مجرّد أن تطأ قدماه الأعالي المكسوة بياضاً، ويمشي على الثلج، أو يهبط من أعلى القمم، سواء أكان متزلجاً محترفاً أم هاوياً.. إنها محطات من العمر يبحث عنها اللبنانيون، الرازحون في هذه المرحلة تحت أعباء التردي الاقتصادي والاجتماعي.
أما المغتربون فلهم حصتهم في هذه المحطة، خصوصاً منهم المقيمين في دول الخليج العربي، الذين يقصدون أعالي القمم اللبنانية في العطل الأسبوعية، أو الأعياد، أكثر من مرة خلال فصل الشتاء، سواء للتزلج، أو للمشاركة في رحلات المشي على الثلج.
بينما بالنسبة إلى السياح العرب والأجانب، فيؤكد صانع المحتوى والناشط في سياحة البيئة والمغامرات، جاد عاصي، أن عدداً من صانعي المحتوى، من الأردنيين والمصريين، يقصدون الجبال اللبنانية شتاء، وينتجون أفلاماً، وفيديوهات، وأعمالاً خاصة بهم على منصات وسائل التواصل الاجتماعي، من هذه المناطق التي ترتدي حلتها البيضاء، ويحققون الكثير من نسب المشاهدة غير المسبوقة عندهم.
ويتوزع الذين يقصدون مراكز التزلج بين محترفين، وهواة، وكذلك بين أفراد، وعائلات، ومجموعات الرحلات التي تنظمها المدارس والجمعيات والهيئات والأندية، خصوصاً أن كل أنواع الرياضات الشتوية تتوافر في مراكز التزلج ومحيطها، من التدريب على التزلج، إلى السكيدو، والتزحلق على الثلج.
وهناك العائلات والمجموعات التي تلعب على البساط الأبيض، أو تتناول الطعام، وترتشف القهوة والشاي، وتمضي أجمل الأوقات، وتلتقط الصور النادرة، وتعمّر البيوت، ورجال الثلج، ويرشق بعضها بعضاً بالكرات البيضاء.
ويوضح عاصي لـ«كل الأسرة» أن اللبنانيين يتمسكون اكثر فاكثر بالقدوم إلى أعالي الجبال البيضاء، بعدما أصبحت حاجتهم أكبر إلى هذا المتنفس، في ظل الظروف الصعبة، وبعدما اتسع نطاق مشاركتهم في رحلات المشي على الثلج التي تنظم عادة مرة واحدة، أسبوعياً، والتي قد يراوح عدد المشاركين في كل منها بين 15، وأكثر من 150 شخصاً.
وحسب عاصي، فإن قرب المسافة بين أعالي الجبال والسواحل، وروعة الطبيعة، وانتشار القرى والبلدات والمؤسسات التجارية والسياحية والمدارس، والطقس الدافئ والمشمس، هي من أبرز العناصر التي تجذب اللبنانيين، من مقيمين ومغتربين، والعرب والأجانب، إلى مراكز التزلج والمناطق المرتفعة التي ترتدي رداءها الأبيض سواء للتزلج، أو للمشي على الثلج، أو لتمضية أجمل اللحظات مع العائلات والأصدقاء.
ويقصد الذين يتعثر عليهم تحمل تكاليف المشاركة في التزلج أو رحلات المشي على الثلج، كل المناطق التي يغطيها الرداء الأبيض في أعالي الشوف والمتن وكسروان وجبيل والبترون وبشري وصولا الى اهدن، حيث يمضون أجمل الأوقات في الهواء الطلق. اما رحلات المشي على الثلج فان المشاركين فيها ينتمون الى مختلف الاعمار، وهم من لبنان وخارجه، حيث يشير عاصي إلى اهتمام عدد كبير من اللبنانيين المقيمين في الخليج بالمشاركة في أكثر من رحلة اثناء العطل الأسبوعية في فترة لا تتجاوز شهراً ونصف.
وفي هذا الإطار يوضح عاصي أن الرحلة تنطلق عند الثامنة صباحاً، وأن المشاركين فيها يتناولون فطورهم قبل الوصول إلى نقطة بداية المشي حيث يشرح لهم كل ما يتعلق بالمنطقة من مزايا سياحية وطبيعية وبيئية وتراثية وتاريخية وعمرانية ودينية، حيث تتم الاستعانة بدليل سياحي محلي إضافة إلى شراء ما يرغبون به من المنتجات البلدية المحلية.
وتدوم الرحلة حوالى 5 ساعات، وهي تمتد على مسافة تصل في أقصاها الى 7كلم ذهاباً وإياباً يبدأها عاصي مع المشاركين بتمارين رياضية وتنفس ويوغا وشرح عن طبيعة المشي وما سيصادفونه في المنطقة المقصودة، مع التقاط الصور والفيديوهات، وتتخلل الرحلة استراحة في منتصفها لأكثر من نصف ساعة يتناول فيها المشاركون الطعام مع ارتشاف القهوة والمشروبات الساخنة والمياه.
ومن نشاطات هذه الرحلات تعمير رجال الثلج واكواخه والتخييم، وقد يصل عدد المشاركين فيها، بكل الرحلات يومياً، إلى 10 آلاف شخص على مساحة لبنان. ويؤكد عاصي أن أبرز المناطق المؤاتية للمشي على الثلج هي غابات أرز الشوف والباروك والزعرور وصنين وباكيش وكفردبيان وشبروح واللقلوق وفاريا وارز تنورين وحدث الجبة وارز بشري واهدن، علماً أن عاصي يركز رحلاته على غابة الأرز في حدث الجبة وتنورين وباكيش، وصولا الى اللقلوق حتى الكهف المخفي وفي اعاليه فوق برك المياه المجمدة شتاء، وداخل غابة ارز بشري ومنها إلى بقاع كفراً أعلى القرى في لبنان والمنطقة.
وأخيرا، فإن لبنان واحة مؤاتية جداً لسياحة البيئة، من شاطئه والمناطق الساحلية والسهول إلى مدنه وقراه وبلداته المتوسطة الارتفاع، إلى أعالي الجبال طيلة الفصول الأربعة..