10 نوفمبر 2025

كيف نساعد الطفل على تكوين صداقات؟

محررة في مجلة كل الأسرة

مجلة كل الأسرة

يواجه الأطفال تحدّياً صعباً عندما يجدون أنفسهم مرفوضين من قبل أقرانهم، غير قادرين على تكوين صداقات، أو الاندماج، وقد لا يبدو أمراً عابراً بالنسبة إلى البعض، ليترك أثراً عميقاً في نفسيتهم، وثقتهم بأنفسهم، وبالتالي ينسحب على تحصيلهم الدراسي، ونموهم الاجتماعي، إن لم تتم معالجته.

ما يطرح السؤال: لماذا يرفض بعض الأطفال؟ وكيف يمكن للأهل مساندتهم لتخطي هذه التجربة القاسية؟

مجلة كل الأسرة


تقول الكاتبة والمدرّبة في تطوير الذات موزة الزيودي «يصدم الكثير من الآباء والأمهات حين يكتشفون أن طفلهم غير محبوب، أو لا يحظى بقبول بين أقرانه. هذا الرفض لا يعني بالضرورة، وجود مشكلة لدى الطفل، لكنه قد يترك أثراً عميقاً في نفسيته، وثقته بنفسه، إذا لم تتم معالجته بطريقة واعية، ومدروسة».

أسباب رفض صداقة الطفل

لكن ما هي الأسباب وراء الرفض الذي يواجه بعض الأطفال وصعوبة الحصول على صداقات؟

تكشف الزيودي «لا يعني الرفض حكماً على قيمة الطفل، بل هو تفاعل معقد بين طباعٍ وسياقات يمكن اختصارها بأسباب عدّة، منها:

  • اختلاف الإيقاع الشخصي: طفل يحب السرعة وآخر يفضل اللعب الهادئ؛ فتتصادم التوقعات.
  • مهارات اجتماعية لم تكتمل بعد: أشارت أبحاث حديثة إلى أن ضعف مهارات بدء الحوار، أو مشاركة الألعاب، يجعل الطفل أقل قبولاً بين أقرانه.
  • العواطف غير المنضبطة: وجدت دراسة Child Development التي أجريت عام 2023 أن الأطفال الذين يجدون صعوبة في تهدئة انفعالاتهم يتعرضون لمعدل رفض أعلى.
  • عوامل بيئية وثقافية: اختلاف اللغة أو الخلفية، أو حتى تغيير المدرسة، قد يحدث فجوة مؤقتة يعيشها الطفل».
مجلة كل الأسرة

الآثار السلبية لانعزال الطفل

تشير موزة الزيودي إلى أن «الطفل يمرّ بتجارب رفض عابرة بين أقرانه، وهو أمر قد يعد طبيعياً في البدايات. لكن إذا طال هذا الرفض، أو ترافق مع عزلة وانطواء، يصبح مؤشراً يحتاج إلى الانتباه. فالطفل لا يحلل المواقف بعقلية الكبار، بل يختزن الكلمات والنظرات، وقد يترجمها إلى شعور داخلي بأنه غير مرغوب فيه، تنعكس على نفسيته، وصورته عن ذاته، لذلك يمكن إيجاز بعض آثار الرفض بـ:

  • تراجع الثقة بالنفس: يبدأ الطفل بتصديق أن هناك شيئاً «خطأ» فيه.
  • قلق اجتماعي (اكتئاب مبكر): تربط بعض دراسات بين التعرض المستمر للرفض وزيادة أعراض القلق والاكتئاب، لدى الأطفال والمراهقين.
  • تأثير في الأداء الدراسي: يفقد الأطفال المرفوضون الحافز المدرسي، أو يتعرضون لصعوبات تعلم متزامنة، نتيجة العزلة، وتقليل فرص التعلم التعاوني.
  • مسار سلوكي طويل الأمد: يساهم الرفض المستمر في تراكم سلوكات عدوانية، أو الانخراط مع أقران منحرفين في وقت لاحق».

وعندما يواجه الطفل رفضاً من أقرانه، بدافع الحب والحرص، يتصرف بعض الأهل بطرق غير مناسبة، ما يزيد الأمر سوءاً، بدل التخفيف من حدته، هنا توجز موزة بعض الأخطاء الشائعة التي يقع فيها الآباء والأمهات، والتعرّف إلى ما ينبغي تجنبه، وما هي البدائل الصحيحة التي تساعد الطفل على تجاوز التجربة بثقة وأمان:

  • المبالغة في رّد الفعل: الشعور بأن «الطفل مظلوم» والتدخل الحاد يشعر الطفل بأنه ضعيف، أو يزيده عزله. فيما يكون التصرف الصحيح في الاستماع له، والاعتراف بمشاعره، والعمل على خطة تدريجية لتعزيز مهاراته الاجتماعية، مثل التدرب على بدء الحديث.
  • توجيه اللوم للطفل دائماً (أنت السبب)، ما يؤثر في الصورة الذاتية. وبدلاً من ذلك يجب التركيز على تعليمه سلوكات قابلة للتعلم، على سبيل المثال «كيف نطلب اللعب؟»، بدلاً من القول له «أنت غير اجتماعي».
  • التدخل المباشر في تشكيل صداقات بالقوة (فرض دعوات)، مما يسبب الإحراج للطفل، ويمنعه من تعلم مهارات المبادرة. فيما يجب مساعدة الطفل على الاكتفاء بدعوة طفل واحد لفعالية صغيرة، مع وجود مرافق له من الأهل لتسهيل اللقاء.
  • التقليل من حجم المشكلة، وتجاهل أثر استمرار الرفض في نفسية الطفل انطلاقاً من بعض المفاهيم الخاطئة مثل (يكبر وينسى)، في الوقت الذي يجب فيه رصد بعض المؤشرات السلبية مثل (تغيّر النوم، الأكل، الحالة المزاجية أو الدراسة؟) التي تستدعي التدخل الفوري.
مجلة كل الأسرة

نصائح لمساعدة الطفل

تؤكد موزة الزيودي أن «تجاوز الرفض حدود المألوف يترك أثراً واضحاً على سلوك الطفل ونفسيته، ويصبح دور الأهل أكثر من مجرّد متابعة، بل مسؤولية تستلزم التدخل والدعم. فالتواصل مع المدرسة، أو الاستعانة باختصاصي نفسي للأطفال، يمكن أن يشكّل خطوة وقائية أساسية تضمن حماية الطفل من ترسخ مشاعر العزلة، أو فقدان الثقة بنفسه. ولأن الوقاية تبدأ من تنمية المهارات، يمكن للأهل أن يزودوا أبناءهم بأدوات بسيطة تهيئهم للتعامل الإيجابي مع الآخرين، منها:

  • تعلم أسلوب التحية وبدء الحديث بعبارات ودية.
  • ممارسة المشاركة والتناوب عبر الألعاب.
  • تعزيز التعاطف من خلال الأسئلة بعد اللعب.
  • تدريبهم على حل النزاعات بالكلمة لا بالانفعال.
  • مساعدتهم على تنظيم مشاعرهم عبر تمارين التنفس العميق قبل الرد عند الاستفزاز.