في الوقت الذي يسعى فيه الآباء لبناء شخصية قوية لأبنائهم، يقع بعضهم في خطأ تربوي شائع، يتمثل في كشف عيوب الطفل أمام الآخرين، ظناً منهم أن ذلك وسيلة للتقويم، أو التنبيه. إلا أن هذا السلوك قد يترك آثاراً، نفسية وسلوكية، عميقة تمتد مع الطفل لسنوات.
تحدثنا هبة عبد الرحمن، مستشارة تربوية، عن تأثير مثل هذا السلوك، وتقول «إن طبيعة البناء النفسي للطفل، منذ بداية إدراكه للعالم الخارجي وتعلّمه لكل ما يدور حوله، تعتمد على التشجيع والثناء ليرفع تقديره بذاته، ويكرر الفعل الإيجابي بطريقة تدخل عليه السعادة والارتياح، له، ولمن حوله، ولذلك، لابد أن يكون لدى قاموس الوالدين في تعاملهما مع أبنائهما، كلمات محفزة مثل (شاطر، صعب لكنك نفذته، ذكي)، وغيرها من الكلمات التي تشعره بذاته».
الإرشاد والتوجيه سراً وليس أمام الآخرين حتى لا يفقد الطفل ثقته بوالديه
«على الجانب الآخر قد يخطئ الطفل، على الرغم من كلمات الثناء، لنقوم نحن بتوجيهه وتعليمه من دون السخرية من سلوكه، وارتفاع الصوت، وأن نحرص خلال حواراتنا، سواء أمام الأقارب أو الجد والجدة، أن نثني على بعض سلوكاته، مع تكرار ذلك على مسمع منه، لنشعره بالقبول، وأنه مرغوب فيه تحت أي ظرف. وإذا ظهر منه بعض السلوكات المرفوضة، أو غير اللائقة، فالإرشاد والتعليم والتوجيه يكون سرياً، وليس أمام الآخرين، حتى لا يفقد ثقة ومصداقية الوالدين في التعامل معه».
توضح هبة عبد الرحمن خطورة النقد عندما تصاحبه جلسات عائلية، وتبين «من السهل تقبّل الطفل لنقد والديه طالما يشعر بصونهما لأسراره، وعدم استخدامها كمادة دسمة للحديث أمام الآخرين، إلا أنه قد يعتبر الإفصاح عنها نوعاً من التشهير يفقده الرغبة في التواصل مع المجتمع المحيط، كما يولد لديه مشاعر سلبية، مثل الخوف من الخطأ، وعند الوقوع فيه يفقد الرغبة في المواجهة فيلجأ إلى الكذب، والتقوقع على ذاته لحمايتها. فقد أثبتت الدراسات العلمية أن لهذا السلوك تبعات سلبية عميقة على بناء شخصية الطفل، وتزداد آثاره وضوحاً مع التقدم في العمر، ففي دراسة صادرة عن الجمعية الأمريكية عام 2017 تبيّن أن النقد العلني والإهانة أمام الآخرين يرتبطان بانخفاض مستوى تقدير الذات، وارتفاع معدلات القلق لدى الأطفال، كما أوضحت مجلة العلوم التربوية والنفسية بجامعة البحرين (2020) أن التوبيخ أمام الآخرين يضعف الروابط الأسرية، ويدفع الطفل، في كثير من الأحيان، إلى اللجوء إلى الكذب أو التجنب كآليات دفاعية لحماية ذاته».
توضح هبة عبد الرحمن أن «معالجة مشكلة نقد الطفل أمام الآخرين لا تقتصر على الامتناع عن التوبيخ العلني فقط، بل تتطلب وعياً بأساليب التربية الصحيحة التي تحمي شخصية الطفل، وتبني ثقته بنفسه، فالكلمة قد تترك أثراً طويل الأمد يفوق أي عقاب جسدي، بينما الأسلوب الإيجابي يعزز العلاقة بين الوالدين وأبنائهما.
ومن هنا، نقدم عشر نصائح عملية تساعد الأهل والمربين على التعامل مع أخطاء الأطفال بذكاء واحترام:
وختاماً «التربية الناجحة لا تعني أن يخلو الطفل من الأخطاء، بل أن نمنحه البيئة التي يتعلم من خلالها كيف يصحح مساره من دون أن يفقد ثقته بنفسه. فالطفل بحاجة إلى دعم والديه المستمر ليشعر بأن قيمته الإنسانية محفوظة، مهما تعثر، وأن الحب الذي يجده في أسرته غير مشروط بسلوكاته، حينها فقط يصبح النقد وسيلة للتقويم لا للهدم، ورسالة محبة لا أداة جرح. وإذا وعى الأهل أن الكلمة قد تترك في نفس الطفل أثراً يفوق العقاب الجسدي، فإنهم سيدركون أن التربية تقوم على الاحترام والاحتواء أولًا، قبل أيّ قواعد، أو تعليمات، وما يغرسه الوالدان في السنوات الأولى يبقى أثره ممتداً مدى الحياة، فيصنع طفلاً واثقاً، مستقلاً، وقادراً على مواجهة المجتمع بروح سوية وإيجابية».