
لماذا يتغيّر أولادنا عندما يصلون إلى مرحلة المراهقة؟ لماذا تتبدّل أحوالهم؟ وكيف ينقلب الحال بهم من طفل رقيق، مهذب ومطيع، إلى مراهق قليل الأدب، ولسانه طويل، ومجادل، ومتمرّد، ومستفز؟ وما هي الأسباب الحقيقية وراء تبدّل أحواله؟ هل أنا أمّ فاشلة، أم أب فاشل؟ وما هي الأخطاء التي قد أكون ارتكبتها، معه ووصلت بنا إلى هذه المرحلة؟ وكيف أتعامل مع هذه التصرّفات غير المقبولة من دون أن أخسره، ومن دون أن أفقد السيطرة عليه؟
كل هذه الأسئلة، وغيرها، تدور يومياً في عقل بعض الآباء والأمّهات الذين وصل أولادهم إلى مرحلة المراهقة. عقلهم لا يتوقف أبداً عن التفكير في علاج مشكلات تربية الأبناء في السّن الخطرة. ولأن فترة المراهقة مشكلاتها وأزماتها لا تنتهي، ويقف أمامها المربّون أحياناً في حالة عجز، ولأن بعض الأبناء في هذه المرحلة يتحوّلون إلى قنابل موقوتة داخل البيوت. سألنا في «كل الأسرة» عدداً من خبراء التربية والعلاج النفسي للمراهقين حول اللغة الأنسب للتعامل مع مع أدمغة أولادنا، وما هي التغيّرات التي تحدث، لهم وتسبب هذا التحول المفاجئ في سلوكاتهم.

أساليب تربوية خاطئة = مراهقاً متمرّداً ومستفزاً
في البداية، يؤكد الدكتور مصطفى النحاس، استشاري الطب النفسي للأطفال والمراهقين بالإسكندرية، أنه يجب علينا كآباء وأمّهات أن ندرك جيداً خصائص المرحلة العمرية التي يمرّ بها أولادنا، حتى نستطيع أن نفهم سبب تصرّفاتهم، كي نتمكن من التصرف معهم بشكل مناسب، لأن مرحلة المراهقة مرحلة صعبة جداً، والتعامل معها يحتاج إلى حكمة وذكاء، وغالباً الأبناء لا يقصدون أبداً التحوّل من الطفل المطيع المهذب إلى المراهق المتمرّد قليل الأدب، ولكنهم يريدون إثبات أنفسهم فقط، كي يشعروا بشخصياتهم الحقيقية، ويجب علينا أن نساعدهم على ذلك، ونعرّفهم الطريقة الصحيحة، وندعمهم، ونقف إلى جوارهم.
ويحدّد الدكتور مصطفى النحاس بعض الأساليب التربوية الخاطئة مع الأبناء في مرحلة المراهقة، والتي قد تؤدي لأن يصبح الابن المراهق مجادلاً ومتمرّداً، ومن أهمها:
- بعض الآباء قد يتعاملون باللين المفرط، وأحياناً بالقسوة، أو العنف المفرط «الانفعالات الزائدة»، وكلاهما خطأ كبير، لأننا يجب أن نوازن في سلوكاتنا.
- أحياناً يصرّ الأهل كثيراً على آرائهم ومواقفهم، ولا يكون لديهم المرونة، فتولد لدى أولادهم سلوك العند.
- بعض الأمّهات وكذلك الآباء، يفرضون على الأبناء قوانين، ويجعلونهم يلتزمون بها بشكل مبالغ فيه، ويكون هناك عقاب مبالغ فيه أيضاً في حالة مخالفتها، والنتيجة تكون ابناً كذاباً، أو قليل الأدب، ومتمرّداً.
- يبدأ الطفل بالتمرد، أو محاولة استغلال ضعف الأهل عندما يشعر بأنه يستطيع تجاوز الحدود، أو فرض رأيه من دون أن تترتب على ذلك عواقب. وغالباً ما يحدث هذا بسبب التساهل الزائد، أو عدم وضوح القواعد في المنزل.
- يتعامل بعض الآباء مع المراهق على أنه خصم، لكن في الحقيقة الولد في هذه السّن يريد أن يثبت نفسه فقط، ويحتاج من الأب إلى أن يكون مرآته، وليس خصمه.
- يصرّ بعض الأهل على أن يحوّلوا الأبناء إلى نسخة طبق الأصل منهم، ويقفون حائلاً أمام كل محاولة من الابن، أو البنت، لتكوين شخصية مختلفة عنهم، ومستقلة.
- يعيش بعض الأهل على مسافة بعيدة عن أبنائهم، فيتسببون بفجوة كبيرة بينهم وبين أولادهم، ويتصورون أن أولادهم مؤدبون ومطيعون، ولكن في الحقيقة يكون للأبناء شخصيات مختلفة تماماً خارج المنزل، وبعيداً عن أعين الأهل، وهذه الشخصية قد تظهر فجأة لنجد أنفسنا أمام ابن سلوكاته سيئة، ومشاغب، ونحن لا نعلم عن حقيقته أي شيء.
- الانتقاد طوال الوقت، والتهديدات المتكررة، والتنمّر عليه، والتجاهل المتعمد في بعض الأوقات... كل هذه التصرفات قد تدفع الأبناء إلى التمرّد، وعدم سماع الكلام على سبيل العند، على الأقل.
- العقاب غير المناسب، والتقليل المبالغ فيه، والسخرية من تصرفات الأبناء، تزيد من مشاعر الاحتقان لديهم، ويتعمّدون عدم سماع الكلام، والتعامل بشكل غير لائق مع الأهل.
ويشدّد الدكتور النحاس على أن الأبناء في مرحلة المراهقة ربما يكونون قد فقدوا براءة الطفولة ولكنهم، لا يزالون أمانة في أعناقنا، ودائماً ما يقول للآباء والأمهات: «لا تقرروا الإنجاب قبل أن تدركوا حجم تلك المسؤولية، وأطفال اليوم هم آباء وأمّهات الغد، والتربية ليست مجرّد أوامر ونصائح، ولكنها متابعة يومية، وقدوة حية، وتصحيح وقت الخطأ. لأن المجتمع هو المرآة الحقيقية لسلوك أولادنا، وليس البيت فقط».

أعراض التمرّد وسوء التربية... إشارات تحذيرية
من جهتها، ترى الدكتورة دعاء عبد المحسن، مستشارة العلاج النفسي للأطفال والمراهقين والمدربة المعتمدة في تعديل السلوك بالقاهرة، مرحلة التمرّد التي يبدأ فيها المراهق يتصرف بطريقة مستفزة أحياناً، ويصبح لديه اعتراض على كل الأمور، ويشعر بأنه يفهم كل شيء، وأكثر من أهله، هي في الحقيقة مرحلة طبيعية جداً، وتحدث بسبب التغيرات الهرمونية والنفسية التي يمرّ بها، وأيضاً بسبب رغبته في الاستقلال، وإثبات نفسه كمراهق، فهو لا يكون متمرّداً عن قصد، لكنه يمرّ بمرحلة معقدة يحاول أن يكتشف فيها نفسه، وكلما تعاملنا معه بصبر وتفهّم، كلما مرت هذه المرحلة بسلاسة، ومن دون مشكلات كبيرة.
وعن أعراض التمرّد وسوء التربية عند المراهقين، ترى الدكتورة دعاء عبد المحسن أنها تتلخص في إشارات تحذيرية عدّة، منها:
1. الردود المستفزة : يردّ المراهق على والديه والأكبر منه بطريقة جافة، أو ساخرة، على أيّ كلام، حتى لو كان بسيطاً.
2. العناد والتمرّد: يعترض على القواعد بشكل متكرر، ويحاول أن يفرض رأيه، حتى لو كان خاطئاً.
3. التقليل من آراء الأهل: يشعر بأنه يفهم أكثر من أهله، وأنهم أمامه لا يفهمون شيئاً.
4. التذمّر المستمر: سواء من الدراسة، أو البيت، أو أي مسؤوليات أخرى، ودائماً ما يشعر بأنه مضغوط عليه، وأنه الوحيد الذي يعاني.
5. التصرف كأنه لا يهتم بأي شيء: حتى لو كان الموضوع هامّاً من الممكن أن يظهر لامبالاة كي يبيّن لكم أنه مستقل.
6. الرغبة في العزلة أحياناً: يفضل أن يقضي وقتاً طويلاً في حجرته والسماعات في أذنيه، أو على الهاتف المحمول.
7. تقليد الأصدقاء أكثر من الأهل: من الممكن أن تجده يتبنى أفكار أصدقائه أكثر من كلام الأبوين، حتى لو كانت خطأ.

خطوات عملية تخفف من أعراض التمرّد لدى الأطفال والمراهقين
أما عن أهم الخطوات التي يمكن للأهل اتخاذها من أجل السيطرة على تمرّد أبنائهم المراهقين، فتشير إليها د. دعاء عبد المحسن بالقول:
أولاً: الهدوء: عندما نغضب، وتكون انفعالاتنا شديدة يتحدّانا المراهق، أو الطفل أكثر. لذلك اجعل ردودك ثابتة، وهادئة.
ثانياً: تحديد السلوك الخطأ: فبدلاً من أن نقول له «إنت قليل الأدب» نقول: «هذه الشتيمة مقبولة»، أو «الضرب غلط». وبذلك يجب التركيز على الفعل، وليس على شخصيته.
ثالثاً: المكافأة والعقاب الإيجابي: حيث يجب مكافأة الطفل عندما يتصرف بشكل صحيح، (كلمة حلوة، حضن، لعبة صغيرة). وعندما يخطئ من الممكن أن نعمل معه «وقتاً مستقطعاً»، أو نحرمه من شيء يحبه لفترة قصيرة.
رابعاً: نكون قدوة: فلو رآنا الأبناء نتحدث بهدوء، ونحترم غيرنا سيتعاملون معنا، ومع غيرنا، بالطريقة نفسها.
خامساً: نفرّغ طاقة الأبناء: نشجعهم على الحركة، والطاقة، وممارسة الرياضة، اللعب، أو أنشطة أخرى ، كي لا يفرغوا كل طاقتهم في سلوكات سلبية.

كيف نتعامل مع التصرفات غير اللائقة للأبناء؟
وإلى جانب هذه الخطوات الهامة، تقدم الدكتورة زينب شيخ العرب، أستاذة الطب النفسي للأطفال والمراهقين بالقاهرة، مجموعة من النصائح التي تساعد الآباء والأمهات على التعامل مع التصرفات غير اللائقة عند المراهقين، من أهمها:
- عدم أخذ الأمور بشكل شخصي: فهذه التصرفات المرفوضة، مثل عدم سماع الكلام، والعصيان، والاستفزاز، ليست موجهة بالأساس ضدنا، لكنها جزء طبيعي من تطوّره النفسي، لذلك علينا أن نحاول التعامل مع الأمر بهدوء، ونضبط أعصابنا حتى لا يعتقد المراهق أنه يفرض سيطرته علينا بتصرفاته، العنيدة والخاطئة.
- وضع حدود في التعامل مع الأبناء: ونتذكر دائماً أن الاحترام في التعامل سينعكس على تصرفات أولادنا، وهذه الحدود تضمن لنا الحفاظ على علاقة قوية معهم.
- ترك مساحة شخصية لهم: فالمراهق يحتاج إلى أن يشعر بالاستقلالية، والاعتماد على الذات، وألّا نضغط عليه كي يتكلم، أو يجلس مع الأسرة.
- التواصل الفعال معه من دون أوامر: بدلاً من أن نقول له: «يجب أن تفعل كذا وكذا»، فلنجرب أن نجعله يشعر بأنه اتخذ القرار بنفسه.
- تجنب أسلوب السخرية أو التوبيخ: علينا ألّا نسخر، أو نستهزئ به، حتى لا يزيد في العناد، ويبتعد أكثر.
- أن نأخذ رأيه بجدية: فقد يكون لديه الحق في بعض الأحيان، دعوه يعبّر عن رأيه، حتى لو كان غريباً، علينا أن نناقشه باحترام كي يشعر بأن صوته هام.
- السيطرة على الغضب: إذا ما رفع صوته علينا نحاول أن نظل في حالة الهدوء، لأن الغضب سيجعله يتمسك برأيه أكثر.
- اعتماد أسلوب النقاش: يمكن أن نترك الأبناء يتصرفون من دون تدخل مستمر، ولكن علينا فقط أن نحدّد حدوداً واضحة من دون ديكتاتورية، نتناقش معه بخصوصها حتى يقتنع بها.
- الاهتمام بعلاقته مع أصدقائه: لو كان له أصدقاء مؤثرون عليه بطريقة إيجابية، فلنحاول أن نتعرف إليهم كي نعرف كيف يقضي أولادنا أوقاتهم.
العلاقة بين الآباء والمراهقين تحتاج إلى بناء الألفة التي تكون نتيجتها سحرية، بدلاً من الأوامر المتواصلة التي تؤدي إلى عواقب وخيمة. انتقادك المستمر لابنك في ظل غياب الترابط العاطفي بينكما سيسبب التمرّد، والانغلاق العاطفي، لذلك يجب أن تبني قواعد ثقة متينة. كلمة «حبيبي»، والتعامل بتعبيرات وجه ونبرة صوت تدل على الحب والقبول، لها مفعول رائع مع الأبناء، ويجب ألا ننساها، أو نقلل من تأثيرها في الأبناء.
اقرأ أيضاً:
- ما هي مراحل تغير المراهق؟ وكيف يتعامل معه الأهل؟
- ابنتي المراهقة مزاجية جداً وعصبية ونفسيتها سيئة! كيف أتعامل معها؟