08 أكتوبر 2025

أطفالنا بين الاستكشاف والتخريب... أين نرسم الخط الفاصل؟

محررة في مجلة كل الأسرة

مجلة كل الأسرة

حين يكسر الطفل لعبة جديدة، أو يفتح جهازاً معقداً، يُهرع الأهل أحياناً إلى الحكم عليه بأنه «مخرّب»، لكن ما يغيب عن الكثيرين أن ما يبدو تخريباً قد يكون في الحقيقة محاولة فطرية لفهم العالم من حوله، فالاستكشاف جزء أساسي من نمو الطفل، العقلي والحسي، بينما التخريب سلوك مختلف، له دوافعه وأسبابه. فما المقصود بسلوك الاستكشاف عند الأطفال؟ وكيف يختلف عن التخريب؟

مجلة كل الأسرة

يجيب عن تساؤلاتنا أحمد عبدالله الغصيب النقبي، مستشار ومحاضر نفسي في جودة الحياة، ومدير مركز الابتكار للاستشارات والدراسات الإدارية، قائلاً «يعتبر الاستكشاف حالة غريزية لدى الطفل، ويسمى التفكير الترابطي، وهو ربط بين المثيرات والاستجابات في المواقف المختلفة التي تواجهه، ويأتي هذا النوع من التفكير نتيجة التكرار، والمحاولة، والتعلم، والربط بين الأشياء، أما التخريب فلا يكون الهدف منه الاستكشاف، أو التعلّم، بل الإتلاف».

«وأكبر خطأ يقع فيه الأهل هو الخلط بين الفضول والتخريب، الأمر الذي يستلزم تنمية قدراتهم المعرفية في هذا الجانب، والتدريب على كيفية التعامل مع مراحل نمو الأبناء، وسلوكاتهم. فالفضول الزائد أمر طبيعي لدى الأطفال، بخاصة في بداية أعمارهم الأولى، ودائماً ما تعتبر هذه المرحلة هامّة، حيث تصل نسبة الإبداع لدى البعض منهم إلى 95%، ومن هنا نلاحظ على الأبناء كثرة الأسئلة، والتكرار، والتجريب للوصول إلى المعرفة، فترى الطفل يحاول فك الألعاب وتكسيرها، بهدف الاستكشاف، والتلوين (شخبطة)، بهدف معرفة الألوان، وأنواعها، والخطوط وأثرها في الأشياء، وكلها عبارة عن مرحلة فضول وتكوين خبرات».

مجلة كل الأسرة

دوافع يجب فهمها ومخاطر قمعها

ثمة دوافع أساسية وراء سلوك الاستكشاف عند الأطفال، يوضحها أحمد النقبي قائلاً «إن هذا السلوك يرتبط بعمليات عقلية راقية، تجعل الطفل أكثر حيوية وفاعلية، وتحتاج إلى رصيد معرفي منظم،، وانتباه مستمر لتحقيق الهدف. فالطفل يبدأ بالتفكير من خلال خبرات حسية بسيطة، ثم ينتقل تدريجياً إلى مستويات أكثر تجريداً، فيما يُعرف بـ«تفكير الصندوق الزجاجي»، وعندما يواجه الطفل مشكلة لا يجد لها حلاً جاهزاً، يلجأ إلى التفكير المنطقي القائم على البحث عن الأسباب والعِلل، والاعتماد على الأدلّة والبراهين. ويُعد هذا النمط من التفكير الأكثر تعقيداً بين أنماط التفكير الأخرى، لأنه يتضمن مجهوداً ذهنياً مقصوداً، وموجهاً نحو الوصول إلى نتائج، أو اتخاذ قرارات، وهنا يؤكد الخبراء أن تطور التفكير المنطقي يرتبط بقدرة الطفل على استخدام القواعد المجرّدة التي تقوده لاحقاً إلى الإبداع في مجالات متعدّدة».

التخريب نتيجة طبيعية لعدم وجود بيئة سليمة وإيجابية يفرّغ فيها الطفل طاقته

يتبادر إلى الذهن سؤال هام، هل يمكن أن يكون التخريب نتيجة لعدم إشباع حاجة الطفل للاستكشاف؟ يجيب أحمد النقبي «التخريب يكون نتيجة عدم التوجيه الصحيح، أو عدم توفير بيئة سليمة وإيجابية للطفل، كوجود مساحة خاصة وآمنة يمارس فيها حب الاستكشاف، وفي حال عدم توافرها يفرّغ طاقته في اتجاه خاطئ، يؤدي إلى الضرر والتخريب. فالبيئة المنزلية تلعب دوراً أساسياً في تنمية قدرات الطفل، وتوجيهه في الطريق الصحيح، وفي حال إهمال هذا الجانب يتحول الطفل إلى الانطواء، أو العدوانية. ونؤكد على نقطة هامة وهي أنه لا يولد الطفل ولديه هدف التخريب، أو الإتلاف، إنما يتعلمه من الآخرين، فالطفل يقلّد أغلب ما يراه ويشاهده من حوله، سواء على الطبيعة، أو من خلال الأجهزة الإلكترونية، أو التلفاز».

«الإسكات والقمع يؤدي إلى قتل الطموح لدى الطفل، ويحجمه نفسياً حن الإبداع، ويجعل شخصيته متوحدة، أو عدوانية، ما يؤثر مستقبلاً في مسيرته التعليمية، وأيضاً في حياته الاجتماعية، وتواصله مع الآخرين، فلابد من ترك الأطفال لاستكشاف الحياة من حولهم، من خلال التجربة، وبما يصقل شخصياتهم، ويعزز من قدراتهم المهارية والإبداعية، ويساعدهم على الاعتماد على أنفسهم، وتحسين جودة حياتهم لمستقبل إيجابي مستدام».

مجلة كل الأسرة

طرق تشجيع هوس الطفل بالاستكشاف

8 طرق لاحتواء رغبة الطفل في الاستكشاف، يلخّصها المستشار النفسي في جودة الحياة أحمد النقبي، في النقاط التالية:

  • تهيئة بيئة آمنة: إزالة الأدوات الخطرة، وتوفير مساحة مناسبة للطفل يمارس فيها فضوله من دون خوف من الأذى.
  • توفير بدائل عملية: إعطاؤه ألعاباً تعليمية مثل المكعبات، أدوات الفك والتركيب، أو أنشطة حسية، مثل الرمل والماء.
  • الملاحظة الواعية: مراقبته عن قرب من دون التدخل المفرط، ليتعلم من تجاربه، ويشعر بالحرية في الوقت نفسه.
  • التوجيه بدل المنع: استبدال كلمة «لا» بعبارات بديلة مثل «جرّب هذا»، أو «دعنا نفعلها معاً» لتوجيه سلوكه بشكل إيجابي.
  • إشراكه في الأنشطة اليومية: السماح له بالمشاركة في الطبخ، والزراعة، أو تصليح الأشياء بشكل مبسط يشبع فضوله.
  • تخصيص وقت للاستكشاف: منح الطفل وقتاً يومياً حراً للتجريب واللعب بعيداً عن الجداول الصارمة.
  • تشجيع التساؤل: الإصغاء لأسئلته والردّ عليها بوضوح، أو البحث معه عن الإجابة، ما يعزز مهارات التفكير لديه.
  • الاحتفاء بالمحاولات لا بالنتائج: مدح شجاعته على المحاولة والتجريب بدل التركيز على نجاحه، أو فشله.

وختاماً، عندما يفتح الطفل لعبة ليرى ما في داخلها، أو يخلط الألوان ليفهم كيف تتغير، فهذا استكشاف، حتى لو انتهى الأمر بفساد اللعبة، أو تغيير لون الطاولة، أما إذا قام بكسر اللعبة بغرض الغضب، أو التخلص منها، أو مزق كتاباً لمجرّد الرفض أو الإزعاج فهذا تخريب، فقد نجد طفلاً يسكب الماء على الأرض ليرى كيف ينتشر، أو يضع أشياء مختلفة في الميكروويف بدافع الفضول لمعرفة النتيجة، وهذه مواقف يمكن توجيهها ببدائل آمنة. في المقابل، إذا قام بإتلاف أغراض إخوته عمداً، أو رسم على الجدران بعد تحذيره مرات عدة، فهذا سلوك يحتاج إلى ضبط واضح، فالفارق الجوهري يكمن في النية والهدف: هل هو بحث عن معرفة، أم رغبة في الإفساد، أم لفت الانتباه؟

اقرأ أيضاً: فوضى الأطفال.. بين براءة الاستكشاف ومؤشرات المشكلات العميقة