06 أكتوبر 2025

كيف نحمي الأبناء من المحتوى المسيء للألعاب الإلكترونية؟

محررة متعاونة

مجلة كل الأسرة

في السنوات الأخيرة أصبحت الألعاب الإلكترونية جزءاً أساسياً من حياة الأطفال والمراهقين، إذ يقضون ساعات طويلة أمام الشاشات، يلعبون ويتواصلون مع الآخرين من مختلف دول العالم. وعلى الرغم من أن بعض هذه الألعاب توفر المتعة، وتنمّي مهارات التفكير والإبداع، إلا أن لها في بعض الأحيان جوانب سلبية خطرة، تؤثر في نفسية الطفل، وسلوكه، وصحته.

خبراء التربية والعلوم السلوكية للأطفال يحذّرون من ترك الحبل على الغارب أمام هذه الألعاب الإلكترونية، التي تحوّل البعض منها إلى خطر حقيقي يهدّد أمن الأطفال، ويدخلهم غرف العزلة، ويعرّضهم للعديد من الجرائم، أبرزها الابتزاز الجنسي والمادي، وربما يقود البعض منهم إلى الانتحار والاكتئاب.

فتحت «كل الأسرة» ملف الألعاب الإلكترونية والمخاطر التي تسببها في نفسية الطفل وسلوكه، بخاصة بعد حظر ألعاب إلكترونية في عدد من الدول العربية، بعد أن تبين أن غرف الدردشة الخاصة بهذه الألعاب كانت تتيح للأطفال تصميم ألعاب خاصة بهم، أو لعب ألعاب أنشأها آخرون. وعلى الرغم من أنها تبدو مسلية وتعليمية، إلا أنها تحمل مخاطر متعدّدة، وتحتوي على مضمون مسيء، ولا يتناسب مع الأطفال:

سألنا عدداً من خبراء التربية والطب النفسي مجموعة أسئلة حول المحتوى المسيء لبعض الألعاب الإلكترونية، وكيف تحولت إلى وسيلة للابتزاز، المادي والجنسي، للأبناء، وكيف يتورط الأبناء فيها متن دون وعي، ولماذا لا يكشفون عنها للأهل، وكيف نحمي أولادنا من الألعاب الإلكترونية ذات المحتوى المسيء؟

مجلة كل الأسرة

كيف تحدث المخاطر النفسية والصحية للألعاب الإلكترونية... ولماذا؟

في البداية، يوضح الدكتور عبد العزيز آدم، استشاري العلوم السلوكية والنفسية وعضو الاتحاد العالمي للصحة النفسية بالقاهرة، أن أمان أولادنا، سواء كانوا أطفالاً أو مراهقين، على الإنترنت مسؤوليتنا جميعا كأهالي. لذا يجب أن نتعلم، ونكون على وعي ودراية ومتابعة كاملة، ونذكّر أنفسنا بالمخاطر التي تواجه أولادنا، بخاصة في ما يتعلق بالألعاب الإلكترونية التي تجمعهم بأشخاص مختلفين من كل مكان.

ويرى الدكتور عبد العزيز آدم أن التحقق من هوية الأطفال في الألعاب الإلكترونية أصبح خطوة أساسية تهدف إلى حمايتهم من المخاطر الرقمية، مثل الاحتيال، والتنمّر، أو الوصول إلى محتوى غير مناسب، ويقول: «كثير من المنصات تفرض على المستخدمين إدخال بيانات شخصية، أو تحميل وثائق تثبت العمر، غير أنه، للأسف، ما يحدث أن بعض الأهالي يتدخلون مباشرة في هذه العملية فيقومون بإتمام عمليات التحقق نيابة عن أبنائهم، وهذا السلوك يعكس رغبة الأهل في تمكين أطفالهم من الوصول إلى الألعاب بسرعة، أو تجنب تعقيدات الإجراءات، لكنه يطرح أيضاً تساؤلات حول مدى جودة أنظمة التحقق، إذا لم تمارس بشكل فردي؟».

ويواصل: «كما يثير هذا التصرف مسألة المسؤولية المشتركة بين الأهل والشركات المطورة في حماية الأطفال، وضمان تجربة آمنة تحافظ على خصوصيتهم، وتنمي وعيهم الرقمي منذ الصغر».

ويلفت الدكتور عبد العزيز آدم إلى أن هناك مخاطر عدّة للألعاب الإلكترونية المعدّة للأطفال، منها:

  • الإدمان لساعات طويلة في اللعب، ما يسبب ضعف التركيز، وقلة النوم، وتأخر التحصيل الدراسي.
  • مشكلات صحية تزيد خطر السمنة، وتؤثر في صحة العين والظهر.
  • المحتوى غير المناسب لبعض الألعاب أو المحادثات داخل المنصة، حيث تحتوي على مشاهد أو كلمات غير لائقة، لا تتناسب مع عمر الطفل.
  • السلوك العدواني، إذ تؤثر مشاهد العنف في الألعاب على سلوك الطفل.
  • تراجع الأداء الدراسي، حيث يتشتت انتباه الطفل عن واجباته الدراسية.
  • العزلة الاجتماعية، الانغماس في الألعاب الإلكترونية يقلل من تواصل الطفل مع أسرته وأصدقائه في الواقع، ما يضعف مهاراته الاجتماعية.
  • ومن أخطر الجوانب في هذه اللعبة، هو إمكانية تعرّض الأطفال لعمليات استغلال، أو ابتزاز. إذ يمكن أن يتواصل الغرباء معهم عبر الدردشة،و يطلبون صوراً شخصية، أو معلومات خاصة، أو يستدرجونهم لشراء عناصر داخل اللعبة مقابل أموال حقيقية. وقد يقوم بعض ضعاف النفوس بتهديد الأطفال، أو ابتزازهم، إذا لم يستجيبوا لطلباتهم.
مجلة كل الأسرة

جرائم ابتزاز الأطفال إلكترونياً... كيف تتم؟ ولماذا لا يتحدث عنها الأبناء؟

يتفق معه الدكتور وليد عتمان، أستاذ التربية بجامعة قناة السويس، في أن الهواتف المحمولة في أيدي الأطفال أصبحت تشكل خطراً على سلامتهم، لذا يجب أن نؤمّن هذه الهواتف، ونظل في متابعة مستمرة لها، بخاصة بعد انتشار عدد من التطبيقات مشبوهة التي تروّج لمضمون غير أخلاقي لاستهداف المراهقين، واستغلال الأطفال.

ويضيف «للأسف هذه الكارثة لن نستطيع إيقافها إلا بأن نتحدث مع أولادنا، ونوجههم بأن هذه الأمور لها آثار خطرة، وعواقب وخيمة، ونشرح لهم الأمر كاملاً، حتى يتوخوا الحذر. وعندما يكون الطفل مدمناً للألعاب الإلكترونية يجب أن نتدرج معه حتى يقلل من ساعات اللعب، فلا نحرمه فجأة، فيقبل عليها بشغف أكثر من قبل».

ويحذر الدكتور وليد عتمان الأهالي من الاستهانة بجرائم الابتزاز الجنسي الإلكتروني التي يتجاهلها البعض، ولا يتحدثون بشأنها مع الأبناء، فيقع الأبناء، للأسف، فريسة سهلة لأيّ شخص أو جهة على الإنترنت. ويبدأ هذا الاستغلال بطلب صور أو فيديوهات خاصة بهم، أو معلومات وبيانات شخصية عنهم، أو عن والديهم، وبعد ذلك يقومون بتهديدهم بنشرها في حالة عدم تنفيذ المطلوب منهم.

ويشير أستاذ العلوم السلوكية إلى أن هذا الابتزاز من الممكن أن يحدث بسهولة في الألعاب الإلكترونية، خصوصاً عندما يتواصل الأطفال مع أشخاص لا يعرفونهم، سواء بالكلام، أو الفيديو، أو حتى في الدردشة، ويؤكد «للأسف هناك لصوص متخصصون في خداع الأطفال من خلال استخدام هذه الألعاب. وكثير من ضحايا الابتزاز الجنسي الإلكتروني من الأطفال لا يكشفون عن هذا الأمر بسبب الخوف، أو الشعور بالذنب، أو الخجل، وهو ما يستغله المتحرشون، ويتعمدون أن يزرعوا الخوف في الطفل، ويقولوا أشياء مثل: «لو قلت لأيّ حد سأرسل هذه الصور إلى كل أصحابك»، «لن يصدّقك أحد»، «انت الغلطان وأهلك سيعاقبونك». وهذا النوع من التهديد يكون الهدف منه عزل الطفل، والسيطرة عليه، ما يصعّب عليه طلب المساعدة.

لذلك من الهام جداً أن ننبه الأولاد حول كيفية التعامل مع هذه المواقف، ونتكلم معهم عن أهمية الخصوصية، وأنهم يجب أن يتحدثوا معنا فور شعورهم بأيّ تهديد، أو أمر غير طبيعي.

 كيف يتم خداع الأطفال من خلال الألعاب الإلكترونية؟

  • من خلال المحتوى العنيف والجنسي الذي تتضمنه بعض الألعاب التي فيها مشاهد محرّمة.
  • التأثير النفسي والاجتماعي من خلال استغلال الغرباء الإنترنت لبث سموم، ثقافية واجتماعية، تستهدف الأطفال.
  • استغلال الخصوصية، حيث يمكن للمهاجمين اختراق كاميرات الويب، وأجهزة الصوت، واستخدامها لاستغلال الأطفال وانتهاك خصوصيتهم.
  • إخفاء مخاطر الألعاب، فقد يجهل الكثير من الأهل مخاطر بعض الألعاب فيشغلون أطفالهم بها، كوسيلة للتسلية والإلهاء فقط، من دون تقدير للعواقب.

ماذا تفعل إذا تعرّض ابنك لابتزاز إلكتروني؟

أولاً، وقبل كل شيء، يجب أن تراقب حسابات أولادك جيداً، من دون أن تزعجهم وتضايقهم، (ولو شعرت بان ابنك، أو بنتك، يتعرض لابتزاز، أو هناك من يهدّده، لا تنتظر، يجب التحرك فورا وإبلاغ الجهات المختصة للكشف عن هوية المبتزين وتعقّبهم).

وفي ما يتعلق بالأبناء، يجب أن نتكلم معهم بهدوء لمعرفة التفاصيل، والأهم أن نطمئنهم بأننا موجودون كي نحميهم، وذلك، بالطبع، لا يغني عن إبلاغ الجهات المختصة أيضاً. فالدعم النفسي مهم جداً في هذه المواقف، لذلك يجب أن نعطي أولادنا أماناً وحباً كي يتخطوا هذه الأزمة.

مجلة كل الأسرة

نصائح لحماية أولادنا من مخاطر الألعاب الإلكترونية؟

أما الدكتورة نسرين محسن، أستاذة الطب النفسي والعلاقات الزوجية والأسرية بجامعة عين شمس، فتقدم مجموعة من النصائح والتوجيهات للأهل ليتمكنوا من حماية أولادهم من المحتوى المسيء للألعاب الإلكترونية:

  • التعامل مع أولادنا من أبناء هذا الجيل، بالكثير الوعي والمتابعة والحوار المفتوح حتى نتمكن من حمايتهم، وجعلهم يستمتعون بالألعاب من دون أن يتعرّضوا لأيّ خطر.
  • انتباه الأهل للتحولات الرقمية والتطور التكنولوجي الذي يجعل الأطفال في سن صغيرة يقعون تحت تأثير مواقع التواصل الاجتماعي وتكنولوجيا المعلومات، وينساقون نحو صداقات العالم الافتراضي، وكذلك الألعاب الإلكترونية التي تدمر العقول بدلاً من بناء صداقات حقيقية على أرض الواقع.
  • متابعة نوع الألعاب التي يستخدمها الطفل، ووضع حدود زمنية للعب، حتى لا يتحول إلى إدمان.
  • تعليم الأطفال كيفية حماية معلوماتهم الشخصية، وعدم التحدث مع الغرباء. ومنها أن يتعلموا أن صورهم أو معلوماتهم الخاصة ليست متاحة ومباحة، ليعرفها ويطلع عليها الجميع، حتى ولو كان جهة معينة، وليس أشخاصاً، لأن بعض الجرائم أصبحت تنظمها جهات.
  • التفاصيل الصغيرة التي يشاركها الأبناء من دون اكتراث من الممكن أن تتجمع وتستخدم ضدهم في مواقف خطرة، مثل الابتزاز. لذلك فالحفاظ على الخصوصية أمر هام جداً، ويجب أن نجعله قاعدة ثابتة في البيت، ونتابع دائماً مع أولادنا كل ما يقومون بمشاركته على الإنترنت.
  • علّم طفلك أنه إذا أراد الاستفهام عن شيء، عليه أن يسألك قبل أن يسأل «جوجل»، أو مواقع البحث، لكن لا تهمل أسئلته، بل عليك بالبحث عنها وهو بجوارك، حتى يتعلم أن يفرق بين المعلومات الصحيحة والمعلومات غير الدقيقة، وكذلك عليك أن تختار معه نوعية الألعاب التي يلعبها على الهاتف المحمول.
  • شجّعه على ممارسة أنشطة بدنية رياضية وهوايات بديلة، كالرسم والموسيقى.
  • سحب الأجهزة من الأطفال تمهيداً للاستعداد التام للدراسة، وأن يكون التعامل معها بحساب وبمواعيد محدّدة.
  • ولكي يطمئن قلبك على أن أولادك محميّين في الإنترنت، من الهام جداً تفعيل خاصية الإشراف العائلي Parental Control على الأجهزة التي يستخدمونها، ما يساعد على حمايتهم من التعرّض للعنف، والتحرش، والتنمّر الرقمي. وهناك بعض التطبيقات لديها نسخة خاصة من برامجها للأطفال، مثل يوتيوب الذي يوفر نسخة YouTube kids وتكون مخصصة للأطفال، وتعرض لهم محتوى مناسباً وفقاً لأعمارهم.
  • من الممكن أيضاً تفعيل الوضع الآمن restricted mode الذي يحجب معظم الفيديوهات التي تروج محتوى غير مناسب للأطفال. وتفعيل الوضع الآمن سهل جداً، ويتم من خلال الدخول لحسابك على المنصة وفتح الإعدادات ثم اختيار تفعيل restricted mode.
  • من الهام أيضاً، أن ينتبه الآباء والأمهات إلى أن عدم تحمّل الطفل مسؤولية أخطائه، وعدم فهم العواقب الناتجة عن تصرفاته، هو من الصفات التي تكون نتاج التربية الخاطئة من الآباء للأبناء. إذ إن فهم الخطأ وتوابعه، وتحمّل نتاجه يجب أن يكونا من الأساسيات في تربية أبنائنا.

اقرأ أيضاً: قصص شباب وقعوا ضحية الابتزاز الإلكتروني