05 أكتوبر 2025

هوس الآباء بالعلامات... توتر يزيد العبء ويقتل الإبداع

محررة في مجلة كل الأسرة

مجلة كل الأسرة

لم تعُد العلامة المدرسية مجرّد رقم على ورقة، بل تحوّلت إلى ما يشبه بطاقة الهوية التي يثبت بها الطالب جدارته، ويؤمّن بها مستقبله. وجعلت كثيراً من الآباء يعيشون في دائرة القلق الدائم، مراقبين نتائج أبنائهم عن قرب، يقيسون نجاحهم وقيمتهم بما يحققونه في الامتحانات. ولكن، هل العلامة، فعلاً، مرادف للنجاح؟ وهل يمكن لهذا الهوس أن يلحق بالأبناء ضرراً أكبر من النفع؟

مجلة كل الأسرة

تضع الدكتورة كريمة مطر المزروعي، مستشار جامعة زايد للعلوم الإنسانية، يدها على جذور الظاهرة وأبعادها النفسية والاجتماعية، موضحة أسباب الارتباط الثقافي والتعليمي بهذا السلوك، قائلة «غالباً ما ينشأ هوس الآباء بالدرجات من رغبتهم الفطرية في الاطمئنان على مستقبل أبنائهم، حيث يرون أن العلامات المرتفعة تفتح أبواب النجاح المهني والاجتماعي. لكن السبب الأعمق يرتبط بثقافة مجتمعية ترسّخت لعقود، جعلت من التفوق الدراسي مرادفاً للتفوق في الحياة.». وتلفت إلى مسألة القبول الجامعي، كأحد الأسباب لتشدّد الآباء تجاه العلامات المدرسية، وتضع المعدل والدرجة كمعيار شبه وحيد للقبول «صار أشبه بـ «تذكرة عبور» لا بد منها للالتحاق بالجامعة، أو التخصص المرموق، لتتحول الدرجات إلى «حارس المستقبل»، بينما تم تغييب مؤشرات أخرى لا تقل أهمية في رسم مستقبل الطالب، مثل المهارات الشخصية، القدرة على التواصل، أو الإبداع».

مجلة كل الأسرة

وتشير د. كريمة، إلى الخطر المترتب على هذا السلوك «حين ينشأ الطفل وهو يشعر بأن حب والديه مشروط بتفوّقه الأكاديمي، يتكوّن لديه إحساس دائم بالتهديد (أنا محبوب إذا نجحت فقط، وغير مرغوب إذا فشلت)، هذا التفكير يولد شعوراً بالقلق المستمر، يقود إلى تدني تقدير للذات، والخوف من التجربة. كما أن إسقاط الآباء طموحاتهم غير المنجزة على أبنائهم عبر تحقيق أحلامهم المؤجلة، يحوّل الابن إلى مشروع شخصي، لا إنساني مستقل».
وتوضح تبعات هذا الهوس «يعيش الطفل تحت ضغط الدرجات فيفقد رغبته في التعلم، لأن الهدف لم يعد اكتساب المعرفة، بل إرضاء الوالدين، ما يقوّض دافعيته للإبداع. وهنا يصبح الطفل لا يقرأ لأنه يحب القراءة، بل لأنه يخشى العقاب، أو المقارنة. وبذلك يتحول العلم من رحلة استكشاف ممتعة إلى عبء ثقيل. والأخطر من ذلك، أن التركيز على النتيجة قد يدفع بعض الأبناء إلى الغش، أو التحايل، أو الكذب، خوفاً من خيبة أمل والديه، أكثر من خوفه من فقدان الأمانة والمصداقية، وهنا تكون النتيجة خطيرة، حيث يصبح المظهر أهم من الجوهر، والنتيجة تبرر الوسيلة».

مجلة كل الأسرة

سلبيات التركيز على علامات الأبناء فقط

تورد د. كريمة المزروعي بعض آثار الضغط المستمر الذي لا يقف عند نفسية الطفل، بل يمتد إلى دوائر علاقاته الأسرية والاجتماعية، منها:

  • داخل الأسرة: يشعر الطفل الذي يعاني ضعفاً دراسياً بأنه في موقع مقارنة دائمة مع إخوته، فينشأ جو من الغيرة والتنافس غير الصحي.
  • مع الأقران: قد يلجأ الطفل إلى الانعزال أو العدوانية، لأنه يرى نفسه أقل من زملائه، أو على العكس يتحول إلى «مهرج الصف» لإخفاء ضعفه.
  • مع المدرسة: يتحوّل وجوده في الصف إلى مبعث قلق دائم، يخشى فيه عيون المعلمين وتعليقات الزملاء، ما يضاعف ضعف تحصيله.

كما تشير د. كريمة إلى أن «الكثير من دراسات التربية الخاصة قد أكدت أن 10–15% من الطلاب يعانون صعوبات تعلّم، وإن لم يتلّقوا دعماً مبكراً فإن احتمالات انسحابهم النفسي والسلوكي ترتفع بشكل ملحوظ، ففي النظام الفنلندي، على سبيل المثال، تقدم خطط دعم فردية منذ ظهور أول مؤشرات التعثر، تساعد على رفع نسب استكمال التعليم الثانوي إلى أكثر من 90%».

وتوجز «تفوّق الطفل يقاس بقدرته على طرح أسئلة جديدة، أو بإصراره على المحاولة رغم التعثر، أو التعاون مع زملائه وضبط انفعالاته، كما أن إشراك الأبناء في أنشطة غير أكاديمية، مثل التطوّع، أو الرياضة، أو الفنون، يمنحهم ثقة متجددة، ويغذي هويتهم الشخصية، حتى إن لم تسجل تلك الأنشطة كأرقام».

مجلة كل الأسرة

ركائز تفوّق الطفل 

ترصد ثلاث ركائز أساسية وهامة لتفوق الطفل ونجاحه:

  • الثقة: أن يثق الوالدان بقدرات أبنائهم، حتى مع وجود ضعف أو تعثر، وأن ينقلوا لهم شعوراً بأنهم مؤمنون بقدرتهم على التحسن.
  • الدعم: تقديم مساندة تربوية حقيقية عبر الدروس الخصوصية أو برامج التقوية، أو حتى جلسات تشجيعية داخل البيت.
  • الاعتدال: أن يتذكر الآباء أن الحياة أوسع من الامتحانات، وأن المهارات الاجتماعية والفنية والرياضية لا تقل قيمة عن أيّ درجة.

وأخيراً «المتابعة الحقيقية لا تكون بالسؤال: كم حصلت؟ بل بالحوار حول ما تعلمه الطفل، وما أثار فضوله. وهنا يتغير محور الاهتمام من النتيجة إلى المعرفة نفسها».

اقرأ أيضاً: كيف تكتشف صعوبات التعلّم لدى طفلك؟